تحتضن العاصمة الموريتانية نواكشوط الثلاثاء 30 من يونيو 2020 قمة لرؤساء دولة مجموعة الساحل الخمس "موريتانيا- مالي- النيجر- تشاد- بوركينافاسو" و يحضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
القمة - التي تحددت أجندة عملها منذ منتصف يناير من هذا العام و كرست لمتابعة خريطة طريق "قمة بو" الفرنسية والتي جمعت ذات القيادات الافريقية إلى جانب ماكرون- ستناقش بالاضافة إلى بحث الوضع في منطقة الساحل العنوان الحاضر في كل موعد ساحلي, مواضيع مكافحة المجموعات الإرهابية التي تنشط في الشريط الساحلي الصحراوي وفي منطقة بحيرة تشاد.
رؤساء المجموعة الإفريقية ذات الطابع الخاص والمشترك أمنيا واقتصاديا يضعون في أولوياتهم هذه المرة جر فرنسا الممثلة برئيسها الشاب في قمة نواكشوط إلى تعزيز مشاركتها العسكرية و الانخراط في العمليات الميدانية بالمنطقة.
الدور العسكري الذي تنوي فرنسا لعبه يبدو محدودا هذه المرة و وفق ضوابط مسبقة... فتجربتها السابقة لم تكن مشجعة بما يكفي في حقبة الرئيس السابق فرانسوا هولاند إبان ما وصفته باريس بتحرير مالي من الجماعات الإرهابية في العام 2013 عبر عملية سيرفال المشهودة والتي تحولت لاحقا لبراخان .
فبرخان التي يفترض أن تذوب الآن في جهود الساحل العسكرية كانت الحملة الخارجية الأكبر للقوات الفرنسية "4500 جندي" لكنها كانت الأكثر مجازفًة بالسمعة الفرنسية سياسيا و عسكريا إذ لم تحقق الأهداف الكلية "أمنية واقتصادية وسياسية" رغم انضمام قوات أخرى غير فرنسية إليها كقوات المينيسما التابعة للأمم المتحدة "16 ألف جندي".
الضغط من طرف رؤساء مجموعة الساحل و تكرار طلبهم لفرنسا بالمشاركة العسكرية الصريحة ترك الباب مواربا للحكومة الفرنسية لخوض التجربة مرة أخرى وإن بتحفظ أكبر كما أن باريس التي يدفعها إغراء الحضور الدائم في شؤون المنطقة لن تترك مكانها خاليا في ظل الاهتمام الأمريكي خاصة أن قادة الساحل طالبوا بتعزيز الحضور الدولي إلى جانبهم، كما أعربوا عن امتنانهم للدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية، وعن رغبتهم في استمرار هذا الدعم.
لن يفوت رؤساء مجموعة الساحل كما العادة أي فرصة للتذكير بالأزمة الليبية وخطورة انفجار الأوضاع فيها على الأمن بالمنطقة.
وسيسعى قادة الساحل من خلال قمة نواكشوط إلى استعطاف المجتمع الدولي من جهة و وضعه أمام مسؤولياته الإنسانية من جهة أخرى فالوضع الليبي بات ينذر بخطر أكبر على المنطقة بعد التدخل العسكري التركي و التهديد المصري باللجوء إلى ما وصفته القاهرة بحماية حدودها ومصالحها الاستراتيجية بالأضافة إلى الوعيد الروسي و التوثب الأمريكي.
مكمن خطورة الوضع الليبي على الأمن في الساحل يتلخص في السلاح السائب بيعا وتهريبا و امتداد الحدود المفتوحة للمتسللين من أمراء الحرب في الصحراء.
لكن سعي دول الساحل "التي تضغط عن بعد" لحل الأزمة تضعفه المواقف المتباينة لدولة المجموعة من اللاعبين الكبار في ساحة الحرب الليبية, فمواقف حكومات الساحل فرادا تتبع خط تحالفات دولية و عربية و أوروبية مختلفة المشارب ... لكنها "وهي نقطة ايجابية" تتحد في دعم أهداف مؤتمر برلين الدولي من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا.
كما يهدف القادة من خلال نقاش هذه النقطة في قمة نواكشوط للوصول إلى آليات تحيد خطر الأزمة الليبية ريثما يصل المجتمع الدولي إلى حل ينهي الخلاف أو يحسم أحد الفريقين الليبيين المعركة لصالحه على الأرض.
إرساء قواعد صلبة لتحالف الساحل الجديد يعتبر نقطة مهمة في مسار قمة نواكشوط فالتحالف يمثل بداية مرحلة جديدة في مكافحة المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل، وفي تحمل المسؤولية الجماعية في هذا الشأن.
فرنسا ستكون حاضرة في التحالف عبر عملية برخان
كما سيضم الشركاء الحاليين وجميع البلدان والمنظمات التي ترغب في المشاركة في هذا التحالف.
ويحاول قادة التحالف أن يفضي إلى إرساء قوة عسكرية شبيهة بتلك المزمعة أوروبيا "تاكوبا".
فالتحالف الذي سيتم إرساء دعائمه في نواكشوط يرتكز على مكافحة الإرهاب مع إيلاء الأولوية لاستهداف التطرف والجماعات المسلحة في الصحراء الكبرى.
و تعزيز القدرات العسكرية لدول المنطقة في ظل مبادرة الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، فلا يخفي قادة الساحل رغبتهم الملحة في تقديم الدعم اللوجستي من طرف الأمم المتحدة و بعثات التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي و دعم الاتحاد الأفريقي و المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
مساندة عودة مفهوم الدولة والإدارات للعمل بشكل ملموس على أرض الواقع عبر عودة السلسلتين الجنائية والقضائية، الأساسيتين لاستعادة سيادة القانون.
المساعدة الإنمائية التي قادت جهودها ألمانيا وفرنسا في يوليو 2017.
وستكون قمة نواكشوط فرصة لتجديد الدعوة للشركاء الدوليين إلى تجسيد الالتزامات التي قطعوها نهاية 2018 إبّان مؤتمر المانحين في نواكشوط، من أجل تنفيذ برنامج الاستثمار الأساسي للمجموعة.
قمة نواكشوط تنعقد وسط بحر من التحديات التي تواجه مجموعة الساحل وحلفائها المنتظرين في إطار التحالف وهي تحديات قديمة متجددة زادها الظرف الحالي الذي طغى عليه انتشار فيروس كورونا و تراجع الأداء الاقتصادي والتنموي في البلدان الخمسة.
ليبقى إشكال التمويل أبرز التحديات المطروحة فبدونه لن تستطيع القوات المشتركة القيام بمهامها في مكافحة الإرهاب وحفظ الحدود كما أن محورا بارزا من محاور التنمية الذي يعد أهم محاور إنشاء تجمع الساحل أصلا سيبقى مشلولا في ظل غياب تمويل مشاريع زراعية وصناعية تستقطب اليد العاملة و تخفف من البطالة المرتفعة في البلدان الخمس في الساحل.
مخاوف من الانتقام قد تطفوا على السطح ونحن على مرمى حجر من لقاء القادة في نواكشوط... ففرنسا التي أعلنت قبل أسابيع عن إغتيالها لعبد الملك درودكال زعيم تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي لا تستبعد بالتأكيد تربص التنظيم لتنفيذ عمليات انتقامية.
حفظ الله موريتانيا
فتى متالي البخاري