أيهما أخوف الجوع ام الوباء، واقع الباعة بنواكشوط (تقرير)؟

سبت, 18/04/2020 - 11:55

كثيرا ما ارتكب المعيل الأخطار في سبيل إعالة من تلزمه إعالتهم، وكثيرا ما تقتل الرجال الأطماع.

من تأمل قليلا سيدرك هذه الحقيقة، ولا أدل عليها من ركوب قوارب الموت، والانضمام لشبكات التهريب والمتاجرة بالممنوعات؛ حيث الموت شبه المحقق والتشرد والسجون، اذا لم تكن النهاية موت محققة في أغلب الأحول، كل ذلك في سبيل توفير لقمة عيش، مما يجعل الالتزام بقرارات السلطة أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا، حين يتعلق الأمر بالأقوات، فأي الخوفين أولى بالاتقاء: خوف الموت مرضا أم خوف الفاقة ؟

إن المطامع ما علمت مزلة للطامعين، وأين من لا يطمع هكذا يبدو وهكذا دأب أهل هذا المنكب المنكوب بسياسات يبدو أنها لم تحقق أدنى مستويات الأمن الغذائي لشعب لا يتجاوز المليون الرابع، وبمقدرات وثروات توصف بأنها هائلة ومتنوعة.

 شهدت بلادنا إجراءات احترازية وتدابير تدخل في أعمال الحيطة والحذر - حيث لا تتوفر لدينا أمكانيات للمواجهة - على غرار ما يحدث في دول العالم، من إجراءات للتصدي لهذا الفيروس الفتاك فيروس : (covi - 19)  الذي حصد ويحصد آلاف الأشخاص في مختلف بلدان العالم، وقد نجحت السلطات في محاصرة الفيروس في حدود الحاملين له؛ الذين دخلوا قادمين من بلدان موبوءة، باستثناء أحدى  زوجات أحد هؤلاء، وكان الوضع يبعث للاطمئنان بعد محاصرة الوباء لولا تداعيات الإجراءات المتبعة من أجل محاصرته، حيث أسواق مغلقة ونشاطات تجارية محذورة في هذا الظرف، الشيء الذي انعكس على السواد الأعظم من الساكنة (طحين الأنظمة المتعاقبة) والتي تشكل نسبة تتجاوز 70% من السكان، كانوا يعتمدون على نشاطات لا تتجاوز سد الرمق، مثل : المطاعم، الحلاقة، الخياطة، الاتجار في أسواق الكماليات؛ مثل أدوات التجميل، أسواق الملابس وأسواق الأثاث المنزلي والهواتف وآلات الشحن ....الخ.

 

وقد ادى تعطل هذه النشاطات رغم محدود العائد الذي توفره من فرص لمحدودي الدخل، وأولئك غير المتعلمين الذين لا يملكون وسائل للحصول على وظائف دائمة في المؤسسات العامة والخاصة الى شلل شبه تام في اوساط المجتمع الاكر هشاشة ، حيث نجد أنها كانت جنة من التسول و ملاذا للآلاف، يجزعون إليها، لسد الفاقة وحاجزا دون الجريمة ومانعا من ركوب الأخطار، والهجرة إلى غير ذلك، ولكنها في المقابل؛ لا توفر ما يمكن أن يدخر منه العامل في مجالاتها؛ ما يكفى لتوفير لقمة عيشه أسبوعا واحدا، أحرى ما فوق ذلك.

وعلى غرار ما قامت به الدول الأخرى، حاولت السلطات أن تقدم دعما ولو خجولا، ومتأخرا ودون المتوقع بالمقارنة مع الإمكانيات الهائلة التي رصدت له، ويلاحظ المراقبون أنه كان فرصة جديدة للكشف عن وهن الأجهزة القائمة عليه، والتي كانت تعنى بمثل هذه النشاطات، حيث ظهرت الزبونية و عدم الشفافية، وعدم الجاهزية للتدخل في الوقت المناسب، وفوق ذلك كشفت عن عدم التضحية في سبيل الوطن والمواطن، و عدم الشعور بالمصير المشترك، وعدم توافر قيم العدل والإنصاف والإيثار والتكافل، إلى غير ذلك.

وعلى فرضية أنه (أي الدعم) وصل لمستحقه، فلم يكن على مستوى التطلعات في حدها الأدنى، أحرى أن يكون كافيا لتجاوز المحنة بلا مخلفات سلبية.

استدان هؤلاء من دكاكين الحي، استنفدوا طاقاتهم واحتياطاتهم لمواجهة الأخطار (التوفير) والازمة لم تجد حلا ، ولا بوادر انفراج قريب، في ظل ترقب الساكنة  للشهر الكريم، ويفتقر الناس لمظاهر وتحضيرات تعودوا عليها كتقليد أو روتين أو احتياجات، ويشتد الاحاح المواطنين فى السؤال عن ماذا بعد هذا الوضع، والى أين وإلى متى؟

وطالب الباعة المتجولين الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بانتشالهم من الوضعية التي وصفوها بالكارثية، حيث اصبحوا عاجزين عن الجلوس في اماكنهم بفعل الضغط المتزايد لأطفال يئنون بسبب الجوع وهم عاجزون عتوفير ما يحتاجونه، ولم يبقى اماهم سوى الهروب الى حيث توجد بضائعهم  والجلوس بجانبها طيلة اليوم حتى يبدأ الحظر ليعودوا للبيت ويستجدون صاحب الدكان المجاور من اجل الحصول ما يسد رمق اطفال يقتاتون على ما يجنيه ابوهم من بضاعته التي هجرها من اكثر من 20 يوما.