بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية المرتقبة لولاية لولاية تكانت
سيدي الرئيس
اسمحولي أن أستهل كلمتي بفيض كرم البداوة والبساطة للشاعر الجاهلي طفيل ابن عوف :
لحافي لحاف الضيف والبيت بيته
ولم يلهني عنه غزال مقنع
أحدثه إن الحديث من القرى...
أثمن عاليا الزيارة التي ستقومون بها متمنيا لكم التوفيق والصحة والعافية لأدائها في أحسن الظروف، إنكم ستحلون بولاية تكانت المعروفة بصعوبة الظروف المناخية التي حفرت في ذاكرة الأهالي ذكريات مصارعة الطبيعة ...ما انعكس ايجابيا على ساكنتها فترسخت معها في النفوس الأبية قوة العزيمة والارتباط بالأرض، فشاع الاعتداد بالنفس الإيجابي وضربت الخيام وزرعت السدود وغرس النخيل وتغنى الشعراء، وألفت الكتب، وحمل السلاح وذاد الرجال والنساء عن الوطن وحماه، واستتب الأمن والرخاء لله الحمد، لقد قهروا الطبيعة بالكرم والتعاون والحنكة، فباتوا يتسمون برجاحة العقل واللباقة والكياسة، إن استلهامي من قيم ساكنة ولاية تكانت جعلني أعبر لكم عن ترحيبي بكم وبالوفد المرافق لكم، على ارض تكانت الطاهرة.
لقد ارتأيت أن أوجه اليكم هذه الكلمة الترحيبية الخاصة، للتعبير لكم عن فهمنا لرمزية الزيارة والانعكاسات الإيجابية المنتظرة منها في ولاية تكانت التي اضرب المثل فيها بمدينة الرشيد بوصفها إحدى مدنها المقاومة، وانتم تزورونها في شهر نوفمبر الخالد في النفوس الأبية، حين تم تتويج جهود المقاومة المسلحة والمقاومة الثقافية وانتصرت دبلوماسية الـتأسيس الأول في عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه رحمة الله عليه بنيل الإستقلال في 28 من فمبر 1960.
عطفا على سلسلة المكتسبات التي تحققت للوطن في مجال الأمن والعدالة الاجتماعية والحرية والإنصاف والمصالحة مع التاريخ، واستثمارا لنتائج الدبلوماسية الموريتانية التي صارت تنعكس على حياة المواطنين ثقافيا واقتصاديا مستلهمة من تجارب بعض الدول التي تربط الدبلوماسيين بالأحداث الكبرى على المستوى المحلي والخارجي، خاصة عندما يلتحم الدبلوماسي بهموم الوطن والمواطن، فمرمى السياسية أي سياسة وطنية هو مصلحة الوطن وتنميته، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي، لقد اتسمت دبلوماسيتنا بسعيها الدؤوب لمصلحة البلد دون شوفينية ولا نكران للذات ولاتجاهل للواقع، حيث اتسمت بكل مقومات الدبلوماسية العالمية من تمثيل وتفاوض وإخبار مسموح به وبالتنظيم، فكان الاقتصاد والصيد والتنمية وحقوق الإنسان وروح المبادرة في التنظيم والتأسيس مجالات عمل دبلوماسيتنا العصرية الحكيمة، مع تمسكنا باهمية حيزنا الجغرافي وأهمية تعزيز العلاقات مع الجوار، وكلها علاقات مبنية على الاحترام المتبادل بين الدول، محافظين على دورنا كهمزة وصل بين المغرب العربي وإفريقيا جنوب الصحراء، يضاف إلى ذلك اكتتاب دفعات في السلك الدبلوماسي استفادت من تكوين أشرف عليه الراحل لمرابط سيدي محمود رحمة الله عليه، صاحب التجربة الطويلة والعمل الجاد والمسؤول، الذي غرس في لاوعي ووعي الخريجين قواعد الإدارة والصبر ومسارات اتخاذ القرار في الإدارة والتعامل مع المواطنين فضلا عن الجاهزية البدنية والمعرفية والارتباط بالدولة والخدمة العمومية في الداخل والخارج، لتكون النخبة نخبة تمثل هيبة الدولة والوطن في كل مراحل تطوره وتنميته...
حين قررتم زيارة مدن وقرى ولاية تكانت، انتم على وعي تام برمزية الولاية، تاريخيا حيث اخترتم شهر المقاومة والذود عن حمى الوطن، تثمينا منكم لدور الآباء والأجداد الذين خطوا أسمائهم بدمائهم وأقلامهم، إنها زيارة خاصة في فترة تعيش فيها موريتانيا تحولات ايجابية تروم إعادة الـتأسيس ، إننا على وعي بأن الزيارة تعبير عن تواصل صناع القرار مع المواطنين مع مراعاة جميع الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وضرورة مساعدة الشباب في النهوض بالوطن في كل بقاعه، ومحاربة كل معيقات التنمية.. فقد باشرتم مساعدة المواطنين في الظروف الصعبة، واستنهضتم همم الشباب حين كنتم الرئيس الأكثر ارتباطا بفكرة مشاركة الشباب عكس الفكرة السائدة، التي تقول بتحذير الشباب من ممارسة السياسة، لدرجة صار العديد من الشباب غائبا أو مغيبا عن ممارسة السياسة، فخسر الوطن طاقات شبابية عديدة لو تم استثمارها في مراحل تطورها ونضجها لقدمت الكثير.. فكانت دعوتكم من النعمة للشباب بضرورة المشاركة في العمل التنموي ومسيرة البناء دعوة موفقة في الزمان والمكان، فالظروف مواتية، لذلك فالشباب بدأ يعي وبدأ ينتبه لتلك الإشارة منكم فهي تحيل إلى بناء الشخصية الوطنية في كل فرد بلغ سن 18 فما فوق، وهي أيضا إسهام في تربية الجيل الجديد على تحمل المسؤولية دون تعارض مع الاهتمام بالتحصيل المعرفي والدراسة، فشكرا لكم...
أحدثكم عن مدينتي ليس من باب حمية الجاهلية بل حمية المواطنة والارتباط بكل حقول التنمية في بلادي باعتبار الرشيد مجرد جزء من الوطن، و لكون تطويره والنهوض به إسهام في النهوض بالوطن كله لأن الوطن مترابط ثقافيا واقتصاديا، بل لكوني وجدت ضرورة للتوجه إليكم فأحييكم باسم الرمزية التاريخية للمدينة وتطور نخبتها ونضجهم ونبل ساكنتها ولكونها مدينة من مدن الوطن تتمتع بكل مقومات المدنية اقتصاديا. وكما تعلمون، فقد أسست المدينة سنة 1723 وقد قصفها المستعمر سنة 1908، لكن الأهالي صمدوا تعبيرا عن رباطة الجأش لتصبح المدينة مركزا إداريا منذ سنة 1968، وتتبع المركز "بلدية الرشيد" التي أطلق عليها اسم الواحات عند إنشاء البلديات ، وبعد تجاوز المرحلة انتبه الأهالى إلى ضروة تغيير الإسم ليرتبط بتواريخ مواليد الأبناء ، فطالبوا ا طيلة سنوات عديدة بتغيير إسم البدلية لتتصل برمزية المدينة، بدل التسمية الحالية "الواحات" ولتتطابق اليوم مع نهجكم المثمن للمقاومة والرمزيات التاريخية... فالتاريخ دروس يستلهم منها وهو شحذ لههم أجيال الحاضر لكي يضاعفوا الجهود لبناء أمجاد على غرار من سبقوهم من خالدي الذكر...
لقد استبشرت كغيري من المواطنين خيرا بهذه الزيارة في توقيتها وظروفها، ونحن واثقون من أنكم على دراية تامة بخصوصية المدينة وأهميتها في الولاية، وفق نهجكم الجديد نتطلع إلى منح الرشيد مقاطعة نظرا لأهميته الإستراتيجية التي يعود لكم الفضل في إزدهارها،جين كنتم السباقين إلى تغيير مسار الطريق ليمر بالرشيد وأنا شاهد على ذلك، فقد كنت من الذين باشروا مسار السعي إلى ذلك الهدف، لقد كان الرشيد في خطر حيث كان مسار الطريق يمر على بعد عشرات الكلمترات منه، وكان الأهالي سيهجرون دورهم ومزارعهم وحقولهم ويخسرون.. فكنتم المنقذ وقتها، أشكركم وأثمن مسعاكم النبيل لتحقيق التنمية في مدن الوطن وقراه، ملتمسا منكم المزيد من الدعم لمدن الوطن في الداخل التي أعتبر أن الاهتمام بها إسهام كبير في التنمية الشاملة، لأن بها غالبية السكان ولكونها تحتضن جل مقومات الاقتصاد الوطني، وهي فضلا عن ذلك الأكثر حاجة الى الاستفادة من متطلبات العصر والتخطيط الحضري ، خاصة أن الاهتمام بتنميتها سيكون له أثر إيجابي على السكان ومتنفسا للعاصمة، إن اهتمامكم بولاياتنا في الداخل وسهر الحكومة على تنفيذ توجيهاتكم لتعبير عن رؤية حديثة تروم تحقيق تنمية محلية مدروسة تعتمد على انتقاء المصادر البشرية المؤهلة، وتنظر بنظرة استشرافية تواجه التحديات و تحقق أهداف التنمية العالمية لأفق 2030.
سنستقبلكم بترحاب سيدي الرئيس في مدينتي الرشيد، وأنا مقتنع بأنها زيارة ستكون فاتحة خير على السكان نظرا لتطابق اهتماماتكم مع تطلعات شبابها وأطرها وساكنتها، فمرحبا بكم قولها باللفظ متحد لكنها باختلاف الناس تختلف...
أحمد ولد الحامد
مستشار شؤون خارحية