الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله والصحابة أجمعين والتابعين وبعد:
قال الله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (سـورة البقـرة:110)
لقد حاول علماء الغرب أن يضعوا قوانين الضرائب والأموال للوصول إلى نتائج اقتصادية إيجابية تنعكس على أفراد المجتمع وخاصة الفقراء منهم ولم تنجح هذه القوانين إلى حد ما في تحقيق ذلك، لأنها كذلك فرضت على الفقراء ضرائب أثقلتهم وعجزوا عنها ، فلم تحقق الضرائب النتائج المرجوة منها، وبالمقابل ذكر علماء الإسلام آثار كثيرة للزكاة في مجالات الحياة البشرية منها آثار على الحياة الاقتصادية: آثار على الإنتاج القومي ،الاستثمار القومي ، التشغيل والتوظيف، تقريب الفجوة بين طبقات المجتمع وأخيراً التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من الآثار مما سيذكر فيما يلي:
1- الإنتاج القومي : يؤثر إنفاق حصيلة الزكاة على الإنتاج ( أو الناتج )، لأن الميل الحدي للاستهلاك عند الفقراء والمساكين ،في ظل الظروف العادية ،أكثر من الميل الحدي عند الأغنياء ،مما يجعل معظم عائداتهم من الزكاة تتسرب من السوق على هيئة طلب فعال ،أكبر من لو احتفظ الأغنياء بحصيلة زكاتهم .من ثم يزيد المنتجون من إنتاجهم لمواجهة الطلب المتزايد على سلعهم وخدماتهم .
أما القناة الأخرى التي تتم من خلالها التأثير على الإنتاج القومي فهي " سهم الغارمين ".إذ أن من حسنات هذا السهم ،يخلق نوعاً من الاطمئنان لدى المتعاملين (الدائن والمدين) ،ويدعم الائتمان والاستقرار الاقتصادي ويعمل على تشجيع المهارات على الدخول في الاستثمارات الحلال والبذل في المصالح العامة .
2- الاستثمار القومي : يؤثر الالتزام بإخراج الزكاة على الاستثمار ومعدل نموه عبر أكثر من طريق .فهو من جانب محفز لمالك النصاب على استثمار أمواله وإلا تعرض للخسارة المادية بمقدار ما يدفعه سنوياً من زكاة أي أن الالتزام بإخراج، الزكاة يحد من الاكتناز ويدفع نحو الاستثمار لتفادي تأكل أصل المال بمقدار الزكاة ونجد مصداق ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" اتجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة وقيل: الزكاة".
3- التشغيل (أو التوظيف) : يؤدي الالتزام بإخراج الزكاة إلى زيادة الطلب على الأيدي العاملة ويحد من البطالة .
فمن المعروف أن البطالة أنواع منها البطالة الإجبارية والاختيارية والمقنعة أو المستترة.
توجد البطالة الإجبارية عندما لا يجد العامل الراغب للعمل عملاً يناسب قدراته ومهاراته عند مستوى الأجر السائد في السوق أو حتى أقل، مما يجبره على البطالة، لذلك يمكن إعطاء مثل هذا العامل من حصيلة الزكاة .
أما في حالة البطالة الاختيارية، وهي التي تحدث نتيجة عزوف الأفراد القادرين عن العمل رغبة في الراحة وعدم العناء، فهؤلاء لا حظ لهم في الزكاة.حيث أن منح الزكاة لمثل هؤلاء يزيد من البطالة ويعطل القدرات الإنتاجية لأفراد المجتمع ويحد مما يمكن أن يحصل عليه مستحقي الزكاة الحقيقيين.يقول صلى الله عليه وسلم:"لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى ".
4- إعادة توزيع الدخل والثروة : فإذا التزم المسلمون بأداء هذا الحق فسيؤدي ذلك إلى تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء والقضاء على الفقر وتحقيق مستوى معيشي أفضل بالإضافة إلى زيادة التكافل والاستقرار الاجتماعي .
5-التنمية الاقتصادية والاجتماعية: النتيجة النهائية لهذه التفاعلات والتأثيرات هي نمو الطاقة الإنتاجية للمجتمع وتحسين المستوى المعيشي والاجتماعي للإفراد وهذا هو ما تهدف إلى تحقيقه برامج وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في وقتا الحاضر.
6- الزكاة وسيلة لتحقيق التكامل الاجتماعي: فقد أوجب الله سبحانه وتعالى أن يعطي الغنيُّ الفقير حقاً مفروضاً لا تطوعاً ولا منةً:
قال تعالى: { وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم } [ سورة الذاريات: الآية 19 ].
و المسلم يؤديها طوعاً، طاعة لله والتزاماً بعبوديته، لكن هذا لا يمنع من أن يجد أثرها ومنفعتها في دنياه وآخرته، لنفسه وفي مجتمعه، كما بشرت بذلك الآثار الصحيحة.
7-نماء الزكاة : لأنها تفرض على المال القابل للنماء دون اشتراط نمائه الفعلي – تحتم على مالكه تنميته لكي يدفع الزكاة من غلته لا من أصله . فإن تقاعس عن ذلك فإن هذا المال سوف يتناقص بشكل دوري، وفي هذا القصد يوجه النبي صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم لتنمية ماله، يقول صلى الله عليه وسلم:"ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة".
8- تعمل الزكاة على تحسين الوضع التساومي للعامل المضارب تجاه رأس المال ، فصاحب المال ملزم موضعيا بتوظيف أمواله وحيث يحرم الإسلام الربا .
9- تعمل الزكاة على تحقيق الكفاءة الاقتصادية وتخصيص موارد المجتمع بحسب الحاجات الحقيقية لأبنائه .
10- تعمل الزكاة على تعظيم الرفاهية الاجتماعية: لأنها تعظم المنفعة الكلية، إذ أن منفعة واحدة بيد الفقير أعظم من منفعتها بيد الغني.
11- تعمل الزكاة على تحقيق التجانس في التركيب الاجتماعي وتقلل من الفوارق الطبقية بين أبنائه .
12- تعمل الزكاة على تخفيف التكلفة الاجتماعية في محاربة الجريمة بما توفره من فرص عمل وتوظيف وكفاية لأفراد المجتمع .
13- تعمل الزكاة على محاربة الجهل وتعزز التعلم وشروطه ،فالزكاة تصرف للمتفرغ للعلم .
14- تعمل الزكاة على محاربة ظاهر العزوبة والعنوسة: أو تخوف الفقر وهما شبح يجثم على صدور الشباب من الجنسين .
15- إن الزكاة تمثل ركيزة للتأمين الاجتماعي ضد الجوائح والنوازل: فلا يتصدى لها آحاد الأفراد إنما تهب الهيئة الاجتماعية للمشاركة في تحمل آثارها وهذا يقلل من المخاطرة الطارئة على أجواء الاستثمار .
16- تعمق الزكاة فهم المسلم لوظيفة المال في المجتمع: لتوكيدها للوظيفة الاجتماعية لحق الملكية ،تأسيساً على مبدأ الاستخلاف ،فالمال مال الله والناس مستخلفون فيه مأمورون بالإنفاق منه : (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)(الحديد :7) .
هذه الآثار الاقتصادية والنتائج الإيجابية وغيرها من الآثار في مجالات أخرى نتيجة تطبيق فريضة الزكاة مما يدفع الدولة المسلمة إلى ترتيب أمور جباية وتوزيع أموال الزكاة والعناية في تطبيقها بشكل شفاف كما أمر الله تعالى وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن تبرعات رجال الأعمال المختلفة والمتنوعة و دعم الدولة للفقراء والمحتاجين، ولا أريد وضع رقم جزافي للمتحصلات المالية التي يمكن تحصيلها من عدة مصادر، ولكنها مشتتة بين أطراف متعددة وعديدة مما يضعف تنسيق التوزيع للمحتاج والفقير الفعلي، في النهاية لماذا لا تجمع كل مصادر الدخل من زكاة أو وقف أو تبرع الدولة أو كل من يريد التبرع من الأفراد والشركات والمؤسسات، بطريقة منظمة ومؤسسية وفق نظام وقانون واضح وموظفين يوزع عملهم بين تحصيل الأموال وأيضا توزيعها على محتاجيها من خلال وزارة تسمى وزارة الزكاة ، وأن يتم الاستفادة وبالتالي تذهب الأموال لمستحقيها، بدلا من جهود ذاتية أو جمعيات يوجد فيها كثير من الخلل والتجاوز ، نحن نحتاج لوزارة الزكاة " لتعيد تنظيم العمل في هذا الجانب دعما للفقراء والمحتاجين جميعا وِفق عمق مؤسسي حقيقي".
فبعد طبع أول مصحف موريتاني (مصحف شنقيط) و جامعة إسلامية “جامعة العيون” و إذاعة القرآن الكريم من نواكشوط و قناة “المحطرة” لمواجهة فكر التطرف والغلو، ووضع مشروع لأكبر مسجد في تاريخ البلاد، لماذا لا نطلق العنان لوزارة الزكاة في موريتانيا ؟ .