جاء في حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل يسرق المؤمن؟ قال: (قد يكون ذلك)، قال: فهل يزني المؤمن؟ قال:( قال:بلى وإن كره أبو الدرداء)، قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: ( إنما يفتري الكذب من لا يؤمن، إن العبد يزَّلُّ الزَّلَّة ثم يرجع إلى ربه فيتوب الله عليه)، وفي رواية أخرى لنفس الحديث، عند سؤاله-صلى الله عليه وسلم- هل يكذب المؤمن؟ قال: (لا)، وأتبعها بقوله: ( إنما يفتري الكذب الذين لا يومنون)، وثبت عنه-صلى الله عليه وسلم- قوله: (بحسب ابن آدم من الكذب أن يحدِّث بكل ما سمع) -أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-معروف أن الصدق فضيلة ومنقبة حميدة لا يتحلى بها إلا من رزق مكارم الأخلاق والثبات على الطاعة، وهو خلق ملازم للمؤمن، وضده الكذب الذي هوعين الرذيلة التي لا يستمرِئُها و لا يستلذ استنكاحها إلا من حرم الفضل وهجر مكارم الأخلاق ونبت جسمه من حرام.
من خلال الأدلة السابقة يمكن أنْ نستشف أنَّ صفات الإجرام يمكن أن تصيب
المسلم ويتصف بها -ولوبعد حين- عدا الكذب الذي لا يمكن أن يتصف به المؤمن مطلقا، ومصداق ذلك -تحديدا- ماورد في حديث أبي الدرداء الذي تقدم ذكره،
ويعضده حديث ابن مسعود-رضي الله عنه- الشهير ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر.... وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور...) الحديث.
وكذلك قوله-صلى الله عليه وسلم: ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له) -سنن أبي داوود.
طبعا لا يمكن استسهال تلك الكبائر المذكورة؛ فالزنى كبيرة وذنب عظيم
أجارنا الله وإياكم منه و السرقة كذلك؛ لكنها -كما ورد- لا تنفي الإيمان
مطلقا وإن كانت تنفيه لحظة ارتكابها كما هو موجود في نصوص أخرى، لكن الكذب أعظم وأشنع و لايترك المجال لبقاء الإيمان لحظة وقوعه أوبعدها فهوملازم لضد الإيمان كما ثبث في الحديث بالدليل القطعي.
إن المؤمن بطبعه صدوق لا يمكنه أن يستلذ الكذب؛ أحرى أن يتخذه مطية
لتحقيق مآرب تافهة؛ كزيادة القراء لموقعه الإخباري أو لزيادة المعجبين
بصفحته التواصلية..ومن يفعل ذلك إنما هو تلميذ لإبليس؛ يتبنى منهجه
وفكره، وديدنه أن يسعى مسعى الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛
وقد خاب أولئك وخسروا بنص القرآن كما جاء في حادثة الإفك ( إن الذين
يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة
والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
الكذب داء خبيث يؤثر وقعه على العقل و يحدث الخلل الفكري و عدم الاتزان
الشخصي وغالبا ما يؤدي بصاحبه إلى الكذب على ربه وعلى نبيه والعياذ
بالله، أما الكذب على الأئمة والدعاة و القادة و الساسة و العبَّاد
والزهاد والبرآء؛ فتلك أصبحت سجية وعلامة بارزة لكثير من مواقعنا
اللاوطنية وإن تسمت بالوطن تعديا وبالصدق تجاوزا وتلفيقا؛ بفعل نبشها في
الرذيلة دوما وإتيانها بحالات اغتصاب وخيانة يتحدثون عنها آناء الليل و
أطراف النهار و كأنهم استعاضوا بها عن الصلوات المكتوبة فأعطوها
وقتها..!!
لقد نسي هؤلاء المتتبعون للعورات السابحون في وضر العثرات أو غاب عنهم؛
قول الصادق المصدوق-صلى الله عليه وسلم- في ما أخرجه الإمام أحمد و أبو
داوود من حديث الأسلمي-رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم قال: (
يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا
تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن
تتبع الله عورته، *يفضحه ولو في جوف بيته*).
إن تتبع عورة المسلم واقتفاء سقطاته-إن وجدت- من صفات المنافقين الثابتة
ومن خصالهم المميزة لهم عن غيرهم-حسب النص الصريح- فما بالك بوقوع الغيبة
وتتبع العثرات بناء على الكذب والتلفيق واسترخاص الأعراض وحب إشاعة
الفاحشة و الافتراء من أجل زيادة القراء؟؟.