التزمت حكومة "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" في ميانمار (بورما) بزعامة مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي الحذر الشديد في تعليقاتها على المذبحة التي ترتكب ضد أقلية الروهينغا المسلمة منذ 25 أغسطس/آب الماضي. فقالت في اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الخامس من سبتمبر/أيلول إن الحكومة "بدأت بالفعل في الدفاع عن جميع الناس أراكان بأفضل طريقة ممكنة".
وفي اليوم التالي، اتهمت سو تشي في بيان من سمتهم "الإرهابيين" بأنهم وراء "جبل جليدي ضخم من التضليل" بشأن العنف في ولاية أراكان. كما أنها لم تبدِ أي اعتراض على طريقة معاملة مسلمي الروهينغا أو اتخاذ أي إجراء حيال الانتهاكات التي يرتكبها الجيش، بل إن موقفها مثّل تراجعا عن وعدها الانتخابي بإعطاء الأولوية لحل المشكلات العرقية.
التوقيت
ومثّل توقيت تصريحات سو تشي مفارقة أخرى حيث جاءت بعد نحو أسبوعين من صدور توصيات لجنة دولية محلية برئاسة الأمين العام السابق لـ الأمم المتحدة كوفي أنان كانت قد شكلت في سبتمبر/أيلول 2016 بالتنسيق مع مكتبها لتقديم توصيات حول سبل حل أزمة أراكان.
وقامت اللجنة على مدى 12 شهرا بإجراء لقاءات مع برلمانيين وسياسيين محليين إلى جانب زيارات ميدانية إلى أراكان المعروفة محليا باسم راخين. وخلصت لجنة أنان في تقريرها -المكون من 63 صفحة والمعنون "نحو مستقبل سلمي ومزهر لشعب راخين"- إلى أن جذور القضية تتركز في ثلاث أزمات:
الأولى تنموية، وتتمثل في معدلات الفقر المرتفعة -مقارنة بالمعدل الوطني- والثانية حقوقية حيث يعيش بالولاية أكبر عدد من غير محددي الجنسية على مستوى العالم. والثالثة أمنية، وتتصل بالتمييز القائم في الولاية على أساس عرقي، وما تبعه من أحداث عنف عام 2012 وهجمات شنها "جيش إنقاذ الروهينغا" ثم تبعتها عمليات للجيش دفعت بالآلاف من المسلمين باتجاه بنغلاديش. وأوصى تقرير أنان بإغلاق مخيمات النازحين التي أنشئت بعد أحداث عام 2012 وتضم مسلمي الروهينغا. وأوصى أيضا بقيام الحكومة بخطوات لتعزيز المواطنة والسماح بحرية الحركة.
يُذكر أن تقرير لجنة أنان قوبل بترحيب من طرف حكومة "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" وهو ما فسره المراقبون بأنه محاولة من طرف سو تشي "للاستفادة من أجل تعزيز رصيدها السياسي". في حين رفض الجيش التقرير، وربط بين توقيت صدوره وتوقيت بدء هجمات من سماهم "المتمردين" المسلمين على مراكز الشرطة بأراكان، وهو ما استغله لإطلاق العنان لحملته العسكرية بالولاية.
البوذية القومية
وتناول تقرير بعنوان "البوذية وسياسات السلطة في ميانمار" نشرته مؤخرا "المجموعة الدولية للأزمات" تنامي التيار البوذي المتطرف في ميانمار اعتبارا من عام 2011 مما قد يفسر أيضا حذر سو تشي في التعامل مع سياسة القوة المفرطة التي ينتهجها الجيش وأعوانه بأراكان.
ويشير أيضا إلى أن "فتح ملف حقوق الإنسان يعتبر في نظر الأوساط القومية الدينية معادلا لتسهيل الغزو الإسلامي مما يعني أن المحاولات الدولية والمحلية لفتح ملف الروهينغا أمر غير قابل للمساومة".
ويفيد تقرير آخر للمجموعة ذاتها بأن الأزمة الحالية تعود جذورها إلى الحقبة الاستعمارية عندما استحدثت الإدارة الكولونيالية البريطانية مطلع القرن العشرين نظاما خاصا يعزل الأقليات الصينية والمسيحية والمسلمة المقيمة بالأطراف عن المركز الوطني للدولة.
المصدر : المجموعة الدولية للأزمات