بعضهم أملت عليه نعومة تصرفاته الدبلوماسية أن يشارك بوصفه أحد الموريتانيين في الخارج ـ فوق العادة طبعا ـ في مجريات الحوار الوطني الشامل الذي احتضنه قصر المؤتمرات في العاصمة نواكشوط على مدى ثلاثة أسابيع وقد جاءت مشاركته في ثلاثة مقالات " خربشات" حمل الأول منها عنوان " بين الحِوار والحَوار" وعنون الثاني بــ "مكافأة نهاية الخدمة " وعنون الأخير بـ " الثالثة ستكون وبالا عليك" في الأولِ أرهقه البحث عن قواسم مشتركة بين الأحداث الماضية والحاضرة في السودان واليمن وموريتانيا و مكنته رجاحة عقله وعمق تفكيره من تشبيه الأمس اليمني باليوم الموريتاني وربطه بالأحداث في السودان وقد أفاض في مقارناته واستنتاجاته وأظهر قدرة عجيبة على المونتاج وهو الضليع بلغة الضاد .. وفي خربشته الثانية وظف كل مهاراته التمثيلية ليسخر من المقاومة الوطنية واصفا شهدائها "بالقرموطين" موظفا أحداث الفلم المصري" مَــعْلِيشْ احْنَا بِــنِــتْبَهْدِلْ" ، وقد كشفت هذه الجناية ضد مقاومتنا الوطنية عمق الفراغ الذي يعيشه سعادة السفير "المتسمر أمام شاشة روتانا أفلام " .. وفي خربشته الأخير قطف السفير من "روضة العقلاء" وأنشد من شعر الهند وتذكر أيام البرامكة وعطاياهم السخية .. بصدق كانت مشاركته فضيلةً ومنقبةً وتواضعا من كاتب ودبلوماسي في حجمه .
ترى ماهو السر وراء تغير آراء بعض الكتاب وتلون أقلامهم .. هل هي قناعة ونضال أم ثورة مصالح ومعارك أمعاء تقذف بعض غضبها ..
ثمة أمور تبقى عصية على التصديق حين نتابع من عاشوا أغلب حياتهم السياسية والمهنية في أحضان الأنظمة الدكتاتورية يقدمون الدروس والمواعظ ، وينتفضون غيرةً وشفقةً على الديمقراطية ، حتما قد أصبحوا أشخاصا جددا بسحنتهم القديمة يتعلقون بالمبادئ الديمقراطية ويدافعون عنها بكل جلد وحزم ..!
لقد أوقف النظام شلال الفساد وجفف منابع الارتزاق ومسح الطاولة من رواد التملق والنفاق فغرزت الضروع التي كانوا "يلهجونها " وأفلس أصدقائهم "البرامكة" الذين كانوا يفيضون عليهم بأموال الشعب ..
إن مؤسس الجمهورية الثالثة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ـ يا سعادة السفيرـ كل همه أن ينعم الوطن بالأمن والآمان قالها أكثر من مرة وجسدها واقعا شهد به خصومه قبل حلفائه ، ولم تكن دعوته للحوار مناورة ولا ترفا سياسيا بل كانت قناعة راسخة في تجذير الديمقراطية وإنضاجها في وطنٍ أنهكته المراحل الانتقالية ، لقد كان حازما وصادقا ومخلصا لوطنه في ماضيه وحاضره ومستقبله .. تذكر الشهداء فخلد ذكراهم ، واحتضن الفقراء والمسحوقين فكان لهم ظهيرا وسندا ..وأمن البلاد بعد أن كانت بطنًا رخوةً تجوبها قوافل الإرهاب والمخدرات وجنبها ويلات الربيع العربي المدمر ، وأسس للمستقبل قواعده الصلبة لتحقيق نهضة تنموية شاملة ..
وقد شكل الحوار الوطني الشامل ـ الذي أسال حبركم وضيع تخميناتكم ـ لحظة مفصلية في تاريخ الأمة الموريتانية تلك اللحظة المثالية التي ضيعناها أكثر من مرة لأتفه الأسباب وأسخفها .. و اختار فخامة رئيس الجمهورية أن يكون اقتناص تلك اللحظة تحت خيمة القمة العربية لما لها من رمزية ودلالة عميقة ، وبعفويته وصراحته المعهودة أكد للجميع أن زمن المصالح الشخصية قد ولى إلى غير رجعة ولم يعد هناك مكان لمن يقدمون مصالحهم على مصلحة الوطن واستقراره .
في الحقيقة كان ذلك الخطاب العظيم كافيا لحرق أوراق من أمضوا سنوات ينجمون بعض التخمينات الواهية .. ووضعهم فخامة الرئيس المؤسس على ناصية شارع مهجور، وكأني بهم يقلبون أبصارهم في وجوه العابرين نحو الجمهورية الثالثة.. ويصيحون من خلفهم أمهلونا نلحق بكم ..!
إنها خيبة كبيرة لمن أشعلوا صفحات التواصل الاجتماعي وفاض حبرهم عبر المواقع الالكترونية وافرغوا تحليلاتهم في بناء عوالم من الخرافة لا يصدقها ذو عقل سليم .. فهل يملكون الشجاعة لكتابة مقال يشيد بقرار الرئيس ، صدقوني يا صاحب السعادة لو أرادها الرئيس مأمورية ثالثة لأخذها وزيادة .. لكنه أراد الوطن وأردتم لغو القول وزخرف الحياة .
عبد الله الراعي