شكل المهرجان الختامى للحملة المحضرة للدستور بالعاصمة نواكشوط أهم لحظة أنتظرتها الأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، ونقطة تحول فى تعامل القوى الداعمة للرئيس مع الحشود الجماهيرية والمهرجانات الخطابية، من حيث التنظيم وآلية الإخراج والتصوير.
ورغم أن الخطاب لم يخرج عن المتداول من حديث السياسيين خلال الحملة المحضرة للإستفتاء الدستورى، إلا أن الرئيس حاول الخروج بأكبر قدر ممكن من الرسائل فى ختام جولته الداعية للتصويت ب"نعم" فى ظل الرفض المتصاعد داخل الشارع المعارض للمقترحات التى تقدم بها بشأن الدستور.
ولعل أبرز رسائل المهرجان هي :
(*) قوة الحشد الجماهيرى : حيث تمكنت الأغلبية - عبر تحريك مجمل الفاعلين فيها، والدوائر الرسمية والشركات الخاصة والأسلاك العسكرية، والتجييش الإعلامى والسياسى لمجمل القوى المرتبطة بها – من حشد أكبر مهرجان فى تاريخها، بل إن الرئيس وصف المهرجان بأنه الأكبر فى تاريخ البلد على الإطلاق.
رسالة لم تخف ملامح الوزير المكلف بالعاصمة نواكشوط وزير الاقتصاد والمالية المختار أجاي حجم تأثيرها فى نفوس الأغلبية الداعمة للرئيس، بل إن بعض "المعارضين" بالفطرة لا الموقف (بيجل ولد حميد) كان أكثر المنجذبين للحشد، قائلا إنه مارس العمل النقابى والسياسى فى العاصمة نواكشوط لفترة طويلة، لكنه لم يشاهد حشدا بهذا الحجم، ولم يتابع مهرجانا بهذا التنظيم.
(*) شكل الإخراج : حيث عمدت حملة العاصمة نواكشوط والتلفزيون الرسمى والرئاسة إلى الخروج عن المألوف من مهرجانات الأغلبية والمعارضة، من خلال تقليد "النموذج التركى" عبر تحرير الرئيس من قيد المنصة المحدودة، وتخفيف الإجراءات الأمنية فى محيطة المنصة، ومنح المشاركين فى المهرجان فرصة الاقتراب من الرئيس خلال خطابه، لتعزيز التفاعل بين المتحدث والجمهور وإبعاد النخبة
السياسية عن واجهة الحدث، بعد أن ظلت وجوه مرافقى الرئيس تجتاح أغلب الصور الملتقطة للشخص الأول فى المهرجان.
(*) الخروج عن المألوف : ورغم البداية المرتبكة للربط والمكلفين به، ( الفن قبل القرآن) إلا أن المهرجان تخللته بعض الإشارات المهمة للمعنيين بها، والخارجة عن مألوف النخب ، عبر استعطاف المؤسسة العسكرية والمحيط الإجتماعى للضباط والجنود من خلال تكريم أبناء الشهداء الذين سقطوا خلال السنوات الماضية فى المواجهة مع القاعدة وأخواتها بالمنقطة ( لمغيطى / حاسى سيدى/ تورين) ، ورسالة أخرى مصاحبة لكبار الضباط عبر الاحتفاء بنجل قائد الأركان الراحل العقيد محمد الأمين ولد أنيجان، والكشف عن تمويل خاص بأبناء القوات المسلحة فى المستقبل، والتعهد بتعزيزه خلال السنوات الماضية.
وكان للمعوقين المستفيدين من اكتتابات الوظيفة العمومية دورهم هو الآخر، فللشريحة مطالب ظلت عالقة وآلام لم تجد – كما يقولون- آذانا صاغية منذ الإستقلال قبل وصول الرئيس الحالى، حيث سمح لهم بالولوج نحو الوظيفة العمومية، بعدما كان حظهم من الدنيا بيت يستر عوزهم المادى أو شارع يتسولون فيه أصحاب الدثور والدخل المتوسط. أو برامج محدودة حولتها سنوات الفساد – وهي كثيرة- إلى فرصة لتبديد المال العام واختلاس الخزينة بدعوى مكافحة التسول.
إصرار وتحدى وتذكير
وقد حاول الرئيس خلال خطابه المطول تذكير المعارضين بما أسماه سنوات الفساد التى كانوا سادة البلد فيها، وماجنوه من أموال على حساب الشعب الفقير، عبر التذكير بواقع الخطوط الجوية الموريتانية ( فى رسالة واضحة لقادة حزب عادل) ، والحديث المفصل عن الموريتانية للطيران بأسطولها الجديد، والمطار الذى حاولوا التشكيك فيه والتنقيص من مشروعه قبل سنين.
ولم يتجاوز الرئيس خلافه مع الإسلاميين دون ذكر للحزب أو التيار بالإسم، مذكرا بما أسماه محاولة البعض استنبات الفوضى أو الربيع العربى الذى دمر العديد من الدول العربية والإفريقية، قائلا إن مشاريع البعض لو كتب لها النجاح لكنا اليوم أمام دولة ممزقة وشعب مشرد ومستقبل غامض، ولكنه تمكن – بدعم من الجيش والأمن- من تقويض تلك المشاريع دون التفريط فى أجواء الحرية أو المساس بالأمن العام، وهي رسالة حرص الرجل على التذكير بها طيلة الجولة الماضية.
وواصل الرئيس تحديه للمعارضة من خلال السخرية مما آل إليه وضعها، بعد أن تحولت من فاعل فى السلطة إلى أحزاب وقوى فى شبكات التواصل الإجتماعى، مع تذكير بالحقائق التى تم تسريبها من هاتف أحد شيوخ المعارضة خلال الفترة الأخيرة، وهي سخرية كانت حاضرة فى مهرجان نواذيبو قبل يومين بشكل أكثر وضوح. مع التلويح بنشر المزيد من غسيل المعارضين خلال الأسابيع القادمة، دون أن يكشف كل الأوراق المتاحة له، ضمن تبادل رسائل حذر مع أطراف فاعلة فى الحراك المعارض للرئيس.
طلب وأمل
وقد حاول الرئيس استخدام الحشد الجماهيرى من أجل الرد على المشككين فى شعبيته داخل الساحة الموريتانية، والدعوة للتصويت للمشروع الذى تقدم به لأعضاء البرلمان قبل إجهاضه من قبل الشيوخ الذين وصفهم بالمرتشين والمسيئين للدولة والشعب والذوق العام، رافضا أي تفاوض أو اعتذار ،معتبرا أن دعوة البعض لإعتذار الرئيس "وقاحة"، وأن الشعب حكم عليهم بالفناء بعد أن حكموا على أنفسهم بارتكاب منكر من الفعل أكدته أقوالهم – حسب وصفه- لادعاوى السلطة أو المناوئين للمجلس والفاعلين فيه.
ومع الدعوة للتصويت حاول الرئيس الخروج برسالة جديدة أو التبشير بأمل آخر، وهو أن البلد خلال سنتين أو ثلاثة سيكون من أغنى الدول المحيطة به، بفعل "الغاز" الذى تم اكتشافه، قائلا إنها أول مرة يعلن فيه عن وجود كميات بهذا الحجم، وهي كميات قادرة على تغيير وجه البلد وإسعاد مواطنيه.
زهرة شنقيط