نظرا إلى ما تقرر من إجراءات قانونية وسياسية في جلسات الحوار ، وخاصة ما صرّح به الرئيس بشأن المواد الدستورية المحصنة، ونظرا إلى طيّ ملف المأمورية الثالثة بشكل نهائي، فإنّ بوْصلة النضال تحوّلت منطقيا من التصدي لإنقلابٍ محتملٍ على الدستور يسمح للرئيس بالترشح والاستمرار في السلطة، إلى التصدي للفراغ الكبير النّاجم عن خروج قادة ورموز العمل السياسي في البلاد من حلبة الصراع. بالفعل، إنّ غياب الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ومسعود ولد بلخير، وأحمد ولد داداه، ومحمد جميل ولد منصور (المنتهية مأموريته على رأس حزب تواصل) في آن واحد يضع البلاد أمام تحدّ كبير، ويطرح أسئلة كثيرة. وراء من سنسير، وإلى أين؟ وهل سنقدر في هذا الوقت بالذات على "صنع" قيادات جديدة تتوفّر على الحد الأدنى من الكفاءة والمهارة والتجربة ؟ وهل سنقدرُ على جمْع شملنا ورصّ صفوفنا وضبط أمورنا في مثل هذا الفراغ؟ وهل سنَرْتَقي بعقولنا وأنفسنا وأفكارنا وسلوكنا إلى المستوى الذي يسمح لنا بتداول السلطة بسلاسة وأمان وانضباط على غرار ما يحصل في أرقى ديمقراطيات العالم؟ لا ينبغي النظر إلى الوضع الحالي على أنّه وضعٌ سهل ومُريح ! بل العكس، إننا نمرّ بمرحلة صعبة ومعقدة ومحفوفة بالمخاطر؛ مرحلة لا تحتمل المواجهة والتصعيد والتأزيم والاصطدام ، بل تقتضي استبدال المواجهة بالتشاور، و استبدال التصعيد بالتهدئة، و التصلب بالمرونة، و تقليل احتمالات التوتر و الاحتكاك الداخلي حفاظا على الأمن و الاستقرار.
و كما قلت سابقا، لنا في التجربة المالية دروس كثيرة و عِبر. مٓنْ منّا لا يتذكر كيف تعرضت الجمهورية المالية الشقيقة لحرب داخلية ضروس و اجتياح أراضيها و قلب نظام الحكم فيها ثلاثة أشهر فقط قبل موعد انتخابات رئاسية لم يكن الرئيس طرفا فيها على الأرجح ؟ إن الفراغ الناجم عن تطبيق الدستور و إعلان الرئيس عدم الترشح لخلافة نفسه يضاعف أسباب التشرذم و الفوضى، و يفتح أبواب العودة إلى الوراء بقدر ما يفتح أبواب التقدم.
نعم ! يفتح أبواب التراجع و النكوص بقدر ما يفتح أبواب الديمقراطية و التناوب.
ولأجل هذا، أقول مرّة أخرى وأكرّر بصوت عالٍ بأنّ بوْصلة النضال والعمل السياسي الوطني الجاد تحوّلت من مُقارعة "الاتقلاب" على الدستور... إلى مكافحة الفراغ الناتج عن تطبيق الدستور!
والله المستعان،
محمد فال ولد بلاّل