لم يصبح ديفيد ماكورت، الذي يتكلم بلهجة الطبقة العاملة في مدينة بوسطن الأمريكية، فجأة رجل أعمال ناجح جنى ثروة شخصية قيمتها 750 مليون دولار، لكنه بذل جهدا كبيرا ليكون هذه الثروة.
إذا صادفت ديفيد ماكورت، البالغ من العمر 58 عاماً، وهو يحتسي مشروبه في حانة أيرلندية في منطقة "ساوذي"، في الجزء الجنوبي من مدينة بوسطن الأمريكية، ستحرص على ألا تتسبب في إزعاجه.
فهو يبدو شخصاً قاسياً لا يتسامح مع الحمقى، وقد تحسبه شرطياً خارج وقت الدوام، أو رجل إطفاء، أو مقاول بناء. لكنه أمريكي فخور من أصول أيرلندية، وهذا هو تراثه كما يقول.
يقول ماكورت: "عندما كنت أكبر، كان كل رجل أيرلندي تقريبا يعمل مقاولاً، أو شرطياً، أو رجل إطفاء. كان والدي مقاولاً، وكذلك كان جدي، ووالد جدي".
لكن ماكورت لم يتبع درب والده في مجال البناء. فقد جمع ثروته الأولى في بداية الثمانينيات كصاحب أول وأكبر شركة في الولايات المتحدة لتركيب شبكات الكابل التلفزيونية في الولايات المتحدة.
ومن ثم توسع كرجل أعمال في مجالات أنظمة الهاتف، وصناعة البرامج التلفزيونية. لكن بينما يتحدث ماكورت بهدوء وأدب، تبدو اللهجة التي يتحدث بها عمال مدينة بوسطن بادية في حديثه بوضوح.
ويقول: "أنا بالتأكيد لا أخشى من خوض المعارك (في العمل). فإذا وقع علي ظلم، سأبذل كل ما بوسعي لكي أشعر بأنني أُنصفت".
وبعد إتمامه المدرسة في بوسطن، التحق ماكورت بجامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة، التي تخرج فيها عام 1979 بحصولة على شهادة في علم الاجتماع.
ولدى عودته إلى بوسطن، عمل ماكورت في مجال البناء لمدة عام أو عامين، وعندما بلغ من العمر 24 عاماً، وجد أن خدمة تلفزيون الكابل على وشك أن تصل إلى المدينة، وأن الدعوة توجه للشركات لتقديم مناقصات لتوصيل الأسلاك الخاصة بشبكات التلفزيون تحت الأرض.
وعلى الرغم من عدم معرفته العميقة بهذا المجال، إلا أن ماكورت قرر أن يتقدم بعطاء لتوصيل أسلاك شبكات التلفزيون أسفل شوارع بوسطن.
وكان الأمر الذي منحه تميزاً على منافسيه هو الاستعداد للشروع في العمل فوراً. وبينما ساور القلق مقدمي العروض الآخرين من التأخير في الحصول على التصاريح اللازمة للبدء في حفر شوارع بوسطن، يقول ماكورت إنه بفضل معرفته بالمكان كانت لديه خطة ذكية ومدروسة.
وقد تم قبول العطاء الذي قدمه بعد أن أظهر أنه يمتلك الخبرة المطلوبة في هذا المجال.
ويضيف أنه أدرك أن عمدة المدينة آنذاك كان يتعرض للانتقاد شرقي بوسطن بسبب موافقته على توسيع المطار الذي يقع في ذلك الجزء من المدينة.
لذا ومن أجل استرضاء المواطنين المحليين، قال ماكورت إنه سيبدأ عمله هناك لكي يجعلهم أول من يحصل على خدمة شبكات التلفزيون عبر خدمة الكابل. وقد نجحت الخطة فعلاً، وحصل بسرعة على التصاريح المطلوبة.
وبعد بوسطن، توسع عمله في مجال أنظمة الشبكات التلفزيونية إلى بقية أرجاء الولايات المتحدة. وعندما بدأت المشاكل في الظهور، كانت تتمثل دائماً في عدم دفع المستهلكين رسوم الاشتراك في خدمة الكابل.
ويقول ماكورت إنه تغلب دائماً على هذه المشكلة بطريقة علمها إياه أحد أصدقائه في حانة من حانات بوسطن، حيث يقول: "في إحدى المناسبات كانت كل أموالي في يد أحد أكبر زبائني، وفجأة بدأ رجل عنيد بالرد على مكالماتي، قائلاً لي إنني أتقاضى منهم أسعاراً مبالغاً فيها، وأنهم سيعيدون التفاوض على الفاتورة الخاصة بي".
وكنت في إحدى الحانات، أشكو من عدم تلقي مستحقاتي، فقام الرجل الذي كنت معه بالإمساك بربطة عنقي قائلاً: "إما أن تفعل شيئاً لحل هذا الموضوع أو أن تصمت".
ويقول ماكورت إن صديقه ذلك أخبره عن أحد عمال البناء لم يحصل على أجره من أحد الزبائن، فحمل مطرقة وقال إنه سيحطم الجدار الذي بناه إذا لم يدفع له صاحب المنزل أجرته.
يقول ماكورت: "كانت تلك إجابتي. فقد هاتفت الشركة وقلت إنني سأبدأ في حفر الأرض وإخراج الكوابل منها".
وبعد فترة وجيزة من البلبلة والتهديدات، قاموا بدفع كامل المبلغ المستحق.
ويعمل ماكورت الآن مديراً تنفيذياً لشركة "جراناهان ماكورت كابيتال" (جي أم سي) التي لها استثمارات متعددة حول العالم. وتمتد هذه الاستثمارات من شبكة الاتصالات الأيرلندية "إينت" إلى شراكة مع المملكة العربية السعودية لتطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية.
وتشمل استثمارات شركة "جي أم سي" في الآونة الأخيرة الشركة التلفزيونية "أيه إل تي في دوت كوم" والتي تهدف إلى مساعدة الناس في الدول النامية على الحصول على أجر مقابل تسجيل أشرطة فيديو على هواتفهم النقالة، سواء كان ذلك لتغطية الأخبار أو لإنتاج فيديوهات وثائقية.