كانت الزيارة التي أداها الوزير الأول يحي ولد حدمين لقرى أفجار وبورات ومقاطعتي باركيول ومقطع لحجار ذات دلالة خاصة ورسالة قوية من النظام للرأي العام الوطني ولخصومه بأن مرحلة جديدة من الحكم قد بدأت.
فلقد تعود الكثير من الفاعلين على التعامل مع النظام في شكل قوى مشتتة ومتصارعة، هدف كل واحد منها القضاء على الآخر و لو كان الأمر على حساب التوجه العام للسلطة.
هذه الوضعية التي تشبه بالنسبة للبعض حالة من الفلتان كبلت النظام عن مواجهة خصومه والاكتفاء بحالة الشد والجذب بين أقطابه، وهو ما وقف حائلا دون تطبيق الكثير من الاستراتيجيات الكبرى، وكاد يقضى على كيان الدولة نفسه.
تلك الصراعات والاختلاف في الرؤى، هو ما أدى لشلل عمل المؤسسات الدستورية، إذ لم تنتخب الجمعية الوطنية إلا بعد سنتين من انتهاء مأموريتها، وتم التمديد لمجلس الشيوخ بجميع فئاته وما الأزمة السياسية الحالية إلا تجليا من تجليات ذلك.
زيارة الوزير الأول ولد حدمين وما واكبها من حفاوة دفعت بجميع أركان النظام إلى التعبئة لها وحشد الجماهير لاستقباله - ليس من المناطق المزورة وإنما تجاوز الأمر إلى المناطق المجاورة لها- تبرز أن ولد عبد العزيز قد غير استراتيجيته، وقد تبين له بصورة واضحة أن السلطة القوية لا بد لها من رجال أقوياء مستعدين للمواجهة والدفاع عن النظام والتصدى لخصومه بكل الوسائل.
ولهذا قذف بالوزير الأول يحي ولد حدمين، الذي يعتبر حسب خصومه قبل أصدقائه، أنه رجل سياسي بامتياز ويمتلك قدرة فائقة في معرفة الخريطة الاجتماعية لموريتانيا، حيث عمل الرجل قبل زياراته إلى القيام بمسح للمناطق المزورة ومقابلة جميع الفاعلين فيها والوقوف على الصراعات البينية والتعامل معها بالشكل الذي يخدم النظام في حملته الحالية لانجاح التعديلات الدستورية.
وقد استطاع الرجل أن يستغل تلك الخلافات للتعبئة، دون الوقوع في مستنقعها الآسن، وقد اتضح الأمر جليا من خلال توسيع مجال اللقاءات، حيث أغلق المجال أمام اللقاءات الفردية وفتحه واسعا للقاء المجموعات والاستماع إلى رؤيتها ومطالبها العامة بما يفيد في تنمية مناطقها.. مؤكدا على عدم الخوض في القضايا السياسية التي تفضى إلى الخلاف.
وقد استطاع ولد حدمين أن يخلط الاوراق أمام المعارضة من خلال القذف بالمأمورية الثالثة للرئيس ولد عبد العزيز، وهو المطلب الذي قد يزيد الطين بلة أمام معارضة قاطعت المشاركة في التصويت على التعديلات الدستورية التي لا تتضمن بالتأكيد هذا المطلب، وإن كان الهاجس الأكبر للكثير منها.
لقد نجح الوزير الأول في نظر بعض المراقبين أن ينقل العمل الحكومي من وضعية المتفرج إلى وضعية الفاعل في الشأن السياسي، كما أنه أجبر جميع الفاعلين في الأغلبية إلى التحرك لحشد التأييد للخيارات الكبرى الوطنية والتي جعلت الكثيرين يشكون في أي تحرك لتنفيذها، فكثيرا ما دعا النظام إلى انتخابات وتراجع عنها، غير أن حضور الرجل وكاريزميته استطاعت أن تحرك المياه الراكدة وتحرك الساحة السياسية، وكما يقال فإن في الحركة بركة.
وكالة المستقبل