يتم خلال مجلس الوزراء ـ منذ ما بعد تأسيس الدولة من طرف المستعمر الفرنسي و إعلان استقلالها جمهورية عام 1960 ـ تعيين الموظفين من متوسطي و سامي الأطر و كبار المسؤولين في الدوائر الحكومية على أسس "محاصصية" استرضائية مكافآتية، قبلية/عشائرية/ إثنية / شرائحية بعقلية سقيمة من زمن ولى، و تحالفات سياسوية مريبة بمنطق المافيوزية على خلفية الفساد و سوء التسيير و الدهس على أفئدة أغلب المواطنين المثخني الأجسام بجراح الغبن و الظلم و الإقصاء و لا ديكَ صارخُ؛ محاصصة مُثبطة لروح الوطنية الضعيفة أصلا و مبطئة لحراك البلد الذي يلف أطرافَه مخاطُ العجز المُقَيّد عن قيام أية مخططات بناء، و المُعين على التكريس التام لخيبة الأمل باحتمال استواء دولة القانون على عود المساواة و الديمقراطية. و إذ التعيينُ لا يخضع مطلقا لحاجات مدروسة ملموسة و متطلبات محددة، فإنه يثقل بالنتيجة، العكسية السلبية على نحو حاد و دائم، كاهلَ الميزانية و يقوضُ بناء القواعد و يمنعُ تشييد صروح البقاء.
وضعية خطيرة جعلت ركودَ هذا البلد لا يشبه، في واقع الحال المتسم بالبُعدِ عن مَسار التحول، أيَّ بلد آخر على الرغم من مقدراته الهائلة من المعادن، و امتلاكه طرفي برزخ ماء فرات و ماء أجاج، و ثروة حيوانية معتبرة.. فأهلُه حُماة عُهود الماضي و عقليات التفاوت الطبقي و المحاصصة القبلية الاضطرارية بمزاج التقلبات النفسية للمتنفذين و تغير موازين قوى التسلط و القهر.
و إن هذا التقوقع المقيت في ثنايا الماضي لَيحدث نهارا جهارا على خرخشة قشور الأخذ الزائف - نظريا - بالتحضر و المدنية، وفي غياب النخب المنتجبة (الفكرية و العلمية و السياسية و الأدبية) مع تعمد إبقاء القوالب على ماضويتها كما يشهد حال التناقض المخيم، و التخبط الحاصل، و استفحال حالات الغبن و الحيف، و تأخر البلد التنموي عن الركب الإقليمي و القاري و الأممي، و التشبث بوهم بقاء الحال على ما هو عليه في بلد، بما هو عليه، أقرب في بنيته الهشة إلى بيت الورق الذي تسقطه الرياح عند هبوبها و تذرو أوراقه في كل اتجاه و حتى يبقى السؤال الملح الذي ظل دائما يطرح نفسه:
- أين المهرب إذا لم يكن ثمة بُد من الوثوق بمثقفيه لضعف عطائهم و شدة استعلائيتهم، و لسياسييه لسوء خطابهم و حربائيتهم و تقلب مزاجهم، و تجاره لمكرهم و سوء استثمارهم، و أغنيائه لحرمة مالهم و غيهم، و حكامه لسوء بطانتهم و جورها، و أئمته لمحاباتهم..
- ثم أين المهرب إذا لم يكن بالإمكان التثبت من فقرائه لنفاقهم و مقهوريه لخنوعهم و شعرائه لإرجافهم و غوايتهم؟
حالات وضع كله من إفرازات غياب الرؤية و سوء التقدير و ضعف الهمة و غلبة "السيبة" فكرا و سلوكا و العجز عن اكتساب و توطين و ترسيخ مفهوم الدولة.