أيها القارئ العزيز قد وجدت نفسي من منطلق أن درع الفتنة و الفساد و الخروج على السلطة و عن الجماعة أولى من كل شيء و لو كان ذلك الشيء ديمقراطية أو حقوق إنسان أو حريات عامة لزاما علي من باب المسؤولية و التواصي بالحق و حب الوطن الذين هم من الإيمان أن أتوجه إلى الجميع و خاصة أولي الأمر بدء بفخامة رئيس الجمهورية و الحكومة و العلماء و انتهاء بالسياسيين و المثقفين و المسئولين عن تربية الأجيال ( معلمين، أساتذة، آباء، أمهات) بهذه الرسالة التي تحمل مصلحة دينية و وطنية متمثلة في درع الفتنة للحفاظ على وحدة مجتمعنا و انسجامه و أمن و استقرار البلد، هذه الفتنة التي كادت أن تقع في انواكشوط خلال بعض الأحداث المتتالية والتي يجب أن تكون دروسا لنا نستخلصها قبل فوات الأوان لكي لا نقع في الندم و الوصول إلى ما لا تحمد عقباه من تفرقة و اقتتال فيما بيننا، هذا الاقتتال الذي يعتبر خسرانا و شقاوة لأصحابه لأنهم فقدوا حياتهم في الدنيا و مآلهم في الآخرة النار، حيث يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة و السلام ( القاتل و المقتول كلهم في النار) العياذ بالله نسأل الله السلامة و العافية .
و سأقتصر هنا على أهم تلك الأحداث و ذلك لخطورتها علينا جميعا أمة و وطنا ألا و هي ظاهرتي الاعتداء و العنصرية اللتين تجلتا علنا و ميدانيا خلال أحداث أزمة النقل الأخيرة في انواكشوط و التي تحولت و انحرفت إلى اعتداء البعض على الأشخاص الأبرياء و ممتلكاتهم، و الخطير و المؤسف في الأمر أن هذه الأحداث كان عنوانها العنصرية البغيضة و الفئوية المشينة و الفوضى الخلاقة، حيث كان أصحابها من فئات معينة استهدفوا فئة أخرى بالضرب و السلب و النهب حتى وصل الأمر إلى القتل، حيث كادت الأوضاع أن تتحول إلى فتنة لا تبقي و لا تذر، هذه الفتنة التي قال عز و جل عنها في كتابه المحكم ( الفتنة أكبر من القتل) صدق الله العظيم و قوله صلى الله عليه و سلم ( الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ). و السؤال المطروح هو لماذا يقوم هؤلاء بهذه التصرفات و الأفعال الجاهلية ؟ هل أنهم تخلوا عن تعاليم دينهم أم تناسوا أن مجتمعهم هو ذلك المجتمع الذي توحده روابط الدين الواحد( الإسلام ) الذي هو دينا جميعا و الدم المختلط لكوننا ذرية بعضها من بعض و الانسجام الاجتماعي الراسخ الذي وجدنا عليه الآباء والأجداد و الأرض المشتركة موريتانيا الأم و الحاضنة التي ولدنا فيها و تربينا و عشنا تجمعنا المحبة و الإخاء هذا من جهة، و من جهة أخرى كأن دولتنا ليست كدول العالم الأخرى التي لكل واحدة منها قيم و مبادئ من قبيل الدين و السكينة العامة و السلم الاجتماعي و الوحدة الوطنية و الترابية على الجميع احترامها باعتبارها مقدسات يجب أن تقف عندها حريات و سياسات و حقوق هؤلاء. و بالطبع بعد تلك الأحداث تساءل الجميع عن ما هي الأسباب؟ و ما هي الحلول ؟ و للجواب على تلك الأسئلة سنركز على تحليل موضوعي و مختصر يبتعد عن العواطف و المواقف السياسية و الاجتماعية ينبني على ذكر الأسباب و الحلول الأساسية و الحقيقية لهذا الموضوع الحساس.
الأسباب و من أهمها:
_ فتح الدولة الباب واسعا أمام الحريات الفردية و السياسية بدون حدود و لا قيود مما أدى ببعض الأشخاص و خاصة السياسيين البعيدين من تعاليم الإسلام السمح و المرضى بالكراهية و الأنانية و التمصلح لانتهاز جو الحريات المطلقة لبث و نشر خطابات العنصرية و الفئوية، الكراهية و الانتقام، التفرقة و التباغض....الخ من أمور كانت غريبة على مجتمعنا لترسيخها في بعض الأوساط الاجتماعية و ذلك للوصول إلى مصالحهم الضيقة من منافع سياسية و مادية ولو كان ذلك على حساب المجتمع و الوطن بصفة عامة.
_ تقصير الكثير من أئمتنا و مثقفينا و مؤسساتنا التربوية ( المدرسين و الأساتذة) و الاجتماعية ( الأمهات و الآباء و الأهالي) و المدنية ( منظمات و هيئات مجتمع مدني) في القيام بواجبهم الديني و الوطني في ما يخص تعليم و نشر قيم و تعاليم ديننا الإسلام التي تدعو إلى إفشاء السلام و الفضائل كالتآخي و المحبة و الإحسان و الصبر و العدل و المساواة و التكافل و التسامح. و الصدق و حب الأوطان....الخ و تنهى عن الرذائل كالفسوق و البغضاء و التنازع و الاعتداء و الظلم و البخل و الكذب و النفاق....الخ
_ عدم صرامة الدولة في مواجهة و معاقبة أصحاب هذه الاعتداءات والخطابات المحرضة على ا لعنصرية و تفكيك اللحمة الاجتماعية و المهددة للوحدة الوطنية، فبدل من ذلك فهي اعترفت ببعض أصحابها و شجعتهم بالتغاضي عن تصرفاتهم و ترخيص الأحزاب و المنظمات و الهيئات و النقابات للبعض الآخر ليتخذوها منابر لنشر التنافر و الحقد بين شرائح و أفراد المجتمع الواحد الحراطين و البيظان و العنصرية بين الفئات لكور و البيظان و الحسد و البغض بين طبقات الفقراء و الأغنياء و ذلك تحت يافطة الدعايات الكاذبة من حقوق الإنسان و الديمقراطية و حرية الرأي.
_ شعور البعض من فئات و طبقات و أفراد المجتمع بالغبن و التهميش و الحرمان من الحقوق و خيرات البلد و التغرير بالبعض الآخر بهذا الإحساس من قبل بعض السياسيين المتمصلحين و الناقمين و الحاقدين أصحاب النظرة السوداء، و بالطبع أن هذا الشعور إذا استمر قد يؤدي ببعض الأشخاص ممن ليست لهم قناعة إيمانية و سعة صدر تمكنهم من صبر بعض بلاء الدنيا من فقر و كروب و هموم و التي قد تكون امتحان لهم من الله العلي القدير إلى فقدان الأمل و تسرب الحقد و الحسد إلى قلوبهم، و بالتالي الوصول لا قدر الله إلى حالات الانتحار أو الاعتداء على الآخرين
_عدم قيام الكثيرين ممن من الله عليهم بأموال و جاه و سلطة بواجبهم الديني و الإنساني في تقديم المساعدة المادية و المؤازرة المعنوية لإخوانهم من الفقراء و المساكين الذين هم في أمس الحاجة إلى ذلك، حيث نجد أغلب هؤلاء للأسف الشديد بدل حمدهم و شكرهم لله على تلك النعم و تسخيرها في ما أمر من طاعة و تواضع و إحسان و عدل و أعمال خير كالتصدق على الفقراء و المساكين و مؤازرة المظلومين و المحرومين و المستضعفين و نشر العلم و المحبة و الفضيلة يسخروها في العظمة و التجبر و الاستبداد و الظلم و البغي و البخل، مما يولد الحقد و الكراهية و روح الانتقام و الاعتداء لدى هؤلاء الفقراء و المهمشين، المظلومين و المحرومين و الذي قد يؤدي لا قدر الله إلى ما لا تحمد عقباه من فتنة و فساد ، بل تشتت و زوال.
_ تراجع هيبة الدولة بسبب عدم شعور الكثيرين بالخوف من سلطتها سواء الإدارية أو الأمنية أو القضائية وذلك لتهاونها في تطبيق القانون و مواجهة الخارجين عليه من أصحاب الفتنة و الظلم و الفساد ، حيث أصبحت الإدارة تتهرب من حل المشاكل القائمة بين المواطنين مهما كان نوعها بتركها حتى إيجاد تفاهمات و حلول لها من طرف المواطنين أنفسهم ،كما أصبحت السلطات الأمنية لا تستخدم قوتها في التصدي للمجرمين بحجة أنها تخاف من منظمات حقوق الإنسان ولهذا فهي تحيلهم إلى القضاء، هذا الأخير الذي تتعرض مهمته لاكراهات من قبيل المحاماة و الوساطة ....الخ لتبرئة هؤلاء المجرمين و الخارجين على القانون.
أما الحلول من أجل القضاء على تلك الفتن فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:
_ مساهمة الجميع من سلطات و علماء و أئمة و سياسيين و مثقفين و إعلاميين في جهود الدعوة إلى الله المرتكزة على الموعظة الحسنة و التذكرة النافعة و التي تعتبر من أهم الأمور في إصلاح أنفستا و مجتمعنا من خلال إفشاء المحبة بين الناس، هذه المحبة التي يقول فيها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ( لا يتم إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) و قوله صلى الله غليه و سلم ( و ا لله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال افشوا السلام بينكم )لأن هذا السلام هو الهدف في هذه الحياة وبالتالي فانه واجب علينا جميعا أن نفشي هذا السلام بين مكونات و فئات و طبقات مجتمعنا المسلم و المسالم لنحقق الإخاء و التسامح و التضامن و الاستقرار و أكبر دليل على ذلك هي النتائج الملموسة لعمل الدعاة و على رأسهم الداعية محمد ولد سيدي يحي التي بسببها اهتدى و تعلم و تربى الكثير من الناس كانوا في أمس الحاجة إلى ذلك، فهذه الدعوة التي أمرنا الله تعالى بها و مجد صاحبها بقوله عز و جل ( و ادعوا إلى ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة) صدق الله العظيم و قوله تعالى ( ومن خير ممن دعا إلى الله) صدق الله العظيم. إذن فهي الوسيلة الناجعة في تربية القلوب و غرس المحبة و الألفة بين الناس و نشر الخير فعلينا أن لا نقصر في القيام بها لأنها واجبة شرعا على كل مسلم و من أسباب صلاح أمورنا و النجاح و الفلاح في الدنيا و الآخرة.
_ تحقيق العدل و المساواة بين الناس بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية و الفئوية و القبلية و الجهوية في الواجبات و الحقوق ولن يتأتى ذلك إلا إذا تم وضع معايير شفافة للوصول إلى الحقوق مثلا في الترقيات الوظيفية التي يجب أن يحدد لها سقف زمني للتنقل من مسؤولية إلى أخرى كتحديد أربعة سنوات كشرط للترقية من رئيس قسم إلى رئيس مصلحة و من هذا الأخير إلى مدير مساعد و من هذا الأخير إلى مدير و هكذا دواليك و باعتماد الأقدمية و المهنية كمعايير أخرى في نفس الإطار و بتطبيقنا لذلك نقضي على مسلكيات الغبن و الإقصاء و الظلم و بالتالي إحقاق الحق و العدل و المساواة بين الناس و نكون بذلك امتثلنا ما أمرنا الله جل جلاله و العيش بسلام و استقرار و الوصول إلى السعادة في دنيانا و آخرتنا.
_ تطبيق الدولة فورا للقوانين التي وضعتها مؤخرا و المجرمة لكل أشكال العنصرية و العبودية و الاستغلال و المساس بمقدسات الأمة كالدين و الوطن وهي خطوة تذكر فتشكر للنظام، هذا الأخير الذي عليه أن يكون حازما في هذا الاتجاه للمحافظة على كيان المجتمع و استقرار البلد لترسيخ المكتسبات و مواصلة المسار التنموي مما يتطلب منه القيام بحل كل الأحزاب و المنظمات و الهيئات القائمة على أسس العنصرية و التفرقة و معاداة الدين و الوطن و وضع حد للحريات التي تمس من مقدسات الدولة كالدين و الانسجام الاجتماعي و الوحدة الترابية للبلد و رموز الدولة علمها و اسمها و مؤسساتها العسكرية و الأمنية و الإدارية و القضائية و المدنية .
_ مواصلة النظام لسياسته في محاربة الفساد و المفسدين لمواصلة التنمية و مكافحة الفقر و ذلك عن طريق تكثيف التفتيش في جميع المؤسسات و محاسبة من يثبت تورطهم قانونيا و فضحهم و إبعادهم في المستقبل من المسؤوليات المرتبطة بتسيير الشأن العام لأن تلك السياسة أعطت نتيجة في ترشيد المال العام و توجيهه لبرامج الدولة التنموية و الاجتماعية و التي مكنتها في السنوات الأخيرة من انجاز الكثير من المشاريع و المنشآت العملاقة في شتى المجالات الشيء الذي سيساعد في تخفيف الفقر و تحقيق المساواة بين جميع فئات و شرائح و طبقات المجتمع في ما يخص التوزيع العادل لثروات و خيرات البلد
_ التركيز على توحيد التعليم الأساسي والذي ستبدأ الدولة في تطبيقه حسب مصادر وزارة التهذيب الوطني في السنة المقبلة إنشاء الله عن طريق اختصار هذا التعليم الأساسي على المدارس العمومية لكي يدرس أبناء جميع الفئات و الشرائح و الطبقات في مدرسة واحدة لنصل إلى الهدف المنشود ألا و هو الانسجام و التآلف بين جميع أبناء المجتمع و تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الذي هو أساس العدل و المساواة.
_ زيادة الاهتمام بالفئات الهشة من المجتمع في أدوابه و القرى التي تعاني الأمية و الفقر الشديد و ذلك عن طريف تعميم فتح المحاظر النموذجية و المدارس للقضاء على الأمية و فتح دكاكين أمل في تلك الأوساط لتخفيف معانات هؤلاء من ناحية الفقر و العزلة و تكون الدولة بذلك ضمنت لهم حقوقهم كمواطنين في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية و بالتالي الاستفادة من مصالح و ثروات البلد والإحساس بعدم الغبن و التهميش و الإقصاء.
اللهم أحفظنا و أحفظ بلادنا و بلاد المسلمين إلى يوم التناد و جنبنا الفتن و المكاره و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت انك تقضى و لا يقضى عليك و انه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت و أصلحنا و أصلح ولاة أمورنا و أرزقهم بطانة رشد ترشدهم لما فيه الخير و السداد آمين .