شكل حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقمة الأخيرة للمجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية "إكواس" خطوة متقدمة في مسار التطبيع بين إسرائيل و هذه المنظمة الإفريقية. و مع أن الاهتمامات المعلنة للمنظمة و الأهداف التي تأسست من اجلها سنة 1975 تنحصر أساسا في الجوانب الاقتصادية و التنموية كتطوير قطاعات الطرق و الطاقة و الزراعة و الاتصالات، إلا أن حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي مقابل غياب تام للقادة العرب في هذه القمة يحمل أكثر من رسالة سياسية و دبلوماسية.
دوافع الحضور
مدفوعة بهوس النفوذ الخارجي، تجد إسرائيل من مصلحتها حط الرحال في منطقة تعتبر مطية المصالح تأشيرة دخولها الرئيسية ، فإسرائيل باتت تستشعر النفوذ المتعاظم لدول منافسة كإيران و تركيا في القارة السمراء، التي تمثل عمقا استراتيجيا لا يستهان به، و سوقا استهلاكية ضخمة.
و بالإضافة إلى التخوف من الدورين الإيراني و التركي في إفريقيا، فإن حكام تلابيب بحاجة ماسة لتحسن صورتهم و سجلهم الأسود في الجرائم الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني أمام الرأي العام الإفريقي و لن يتأتي ذلك إلا من خلال دبلوماسية فاعلة و حضور سياسي و اقتصادي مؤثر.
و يمكن إبراز الدوافع الرئيسية للاهتمام الإسرائيلي بمنطقة غرب إفريقيا في ما يلي:
-تشويه المقاومة و ربطها بالإرهاب: اتخذت إسرائيل من ظهور الجماعات الجهادية في منطقة غرب إفريقيا على مدار الأعوام الأخيرة شماعة لوصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب و اعتبارها هي و الجماعات الإفريقية المتشددة الإفريقية وجهان لعملة واحدة،مستفيدة من ضعف وعي و فهم النخب السياسية الإفريقية لأبعاد الصراع العربي-الإسرائيلي بفعل تأثير الإعلام الغربي الموجه و الخادم للمشروع الإسرائيلي. فلم يفتئ المسئولون الرسميون الإسرائيليون الذين زاروا إفريقيا على مدار السنوات يلعبون على هذا الوتر الذي كان مهندسه الرئيسي السياسي الإسرائيلي آفيغدور ليبرمان عندما وصف سنة 2010 من العاصمة النيجيرية آبوجا حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية و بالتحديد حماس و الجهاد الإسلامي بالإرهاب و حملها مسؤولية تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط،، كل ذلك بهدف لجم التعاطف مع القضية الفلسطينية في هذا التكتل الاقتصادي الذي يمثل المسلمون فيه نسبة تزيد على 55% من ساكنته التي تمثل ديمغرافيا ربع سكان القارة السمراء .
-البحث عن كسب تأييد الأفارقة في المحافل و المنظمات الدولية: الصفعة الأخيرة التي تلقتها إسرائيل من طرف مجلس الأمن بعد تقديم السنغال لمشروع قانون مجرم للاستيطان صادق عليه المجلس ، جعل تلابيب تستحضر أن التعاطف مع القضية الفلسطينية لم يمت في مواقف الحكومات و الأنظمة الرسمية بإفريقيا جنوب الصحراء، لذا أدركت إسرائيل أن غيابها عن مجريات الحدث الدبلوماسي و السياسي بهذه المنطقة قد يصب في صالح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية و الإقليمية، فقد ظلت إسرائيل تظن خطأ أن التعلق بالقضية الفلسطينية على المستوي الرسمي الإفريقي مرهون بديناميكية الدبلوماسية العربية الداعمة لفلسطين في المحافل الإفريقية، لذا عندما تراجع طرح القضية الفلسطينية في الأجندات العربية المتعلقة بتعزيز التعاون مع إفريقيا خُيل إلي إسرائيل أن القضية الفلسطينية كتبت لها شهادة الوفاة في اهتمامات و مواقف الأفارقة.
-الوقوف على مصادر تمويل حزب الله:شكلت مصادر تمويل حزب الله الخارجية أحدي القضايا الأمنية التي أرقت إسرائيل على مدار السنوات الأخيرة، و باعتبار أن منطقة غرب إفريقيا تعتبر الركن الأهم من أركان القارة للأنشطة الاقتصادية و المالية للجالية اللبنانية المتهمة بدعم حزب الله ماليا، فقد انصب اهتمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية و دوائر النفوذ الاقتصادي على بعض بلدان هذه المنطقة المعروفة بالتأثير الاقتصادي و السياسي للجالية اللبنانية كليبريا و ساحل العاج، و في الأخيرة أطلقت إسرائيل عدة مؤسسات استثمارية لمنافسة اللبنانيين في مجالات التأثير الاقتصادي و المالي عبر تشجيع حركة استثمار رجال الأعمال الإسرائيليين بساحل العاج كما أقامت شركات للحراسة و الأمن بهدف تشكيل قاعدة بيانات عن رجالات حزب الله بالبلد و خارطة انتشارهم و مستوي تأثيرهم الاقتصادي،و تتولي شركة فيزيوول ديفنس الإسرائيلية-الكندية تأمين مطار فليكس هوفيت بوني الدولي بالعاصمة الاقتصادية آبدجان و كذلك تأمين ميناء آبدجان المستقل مما يعني أن حركة الأفراد و الواردات و الصادرات الاقتصادية للبلد خاضعة للرقابة الإسرائيلية.
-تعظيم التبادل التجاري مع هذا الجزء من إفريقيا:ظل اهتمام إسرائيل الاقتصادي بهذا الجزء من إفريقيا مقتصرا على دول قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فحجم التبادل التجاري بين إسرائيل و إفريقيا يظهر أن علاقات تلابيب بالقارة السمراء في المجال الاقتصادي لازالت ضعيفة جدا، حيث كشف معهد الصادرات الإسرائيلية في تقرير له سنة 2015 أن حجم صادرات إسرائيل نحو إفريقيا تبلغ فقط 1.6% في حين تصل الواردات من إفريقيا 0.5 % ، مما يعني أن استفادة إسرائيل من سوق بحجم تكتل إكواس الاقتصادي ، و الذي يبلغ حجم مستهلكيه 340 مليون نسمة و يمتلك مقدرات اقتصادية هائلة و متنوعة (الثروات مناجم الذهب و النفط و الأراضي الزراعية و اليورانيوم و القطن و الكاكاو و الذهب و الثروة الحيوانية) لازالت جد ضعيفة.
أدوات الاختراق
مهدت الدبلوماسية الإسرائيلية على مدار السنوات الأخيرة لمساعي اختراق غرب إفريقيا، فقبل حوالي سبع سنوات اعتبر ليبرمان في أحدي زيارته لإفريقيا أن إسرائيل ستدخل قريبا هذه المنطقة بشكل قوي و فاعل، و أن ثمة دولا افريقية صديقة ستلعب أدوارا كبيرة لتهيئة التقارب الإسرائيلي مع إكواس، ذكر منها نيجيريا و غانا.
صحيح أن الحضور الإسرائيلي في فضاء منطقة غرب إفريقيا ليس متجذرا و لا تاريخيا، لكن إسرائيل بالمقابل تحتفظ بعلاقات مهمة مع بعض البلدان المؤثرة في هذه المنطقة كنيجيريا مثلا التي تسللت إسرائيل إليها عشية استقلالها عن بريطانيا سنة 1960، واستطاعت أن تنجح في إقامة منشآت اقتصادية مهمة هناك وكانت تمتلك شركة ضخمة للإنشاء و التعمير اسمها "نيوجيرسال". كما كانت إسرائيل داعما سخيا للانفصاليين النيجيريين في حرب ابيافرا الأهلية لعام 1967، و لديها جالية كبيرة و ذات نفوذ اقتصادي ضخم.
كما أن لإسرائيل علاقات وطيدة مع غانا، حيث ساهم حضور كولدا مائير لفعاليات تخليد استقلال غانا سنة 1957 في تطوير العلاقات بين البلدين، لكن العنصر البارز في تحسن العلاقات يرجع من جهة إلى الخلفية الدينية للزعيم الأفريقي الكبير، و الأب المؤسس لغانا أكوام أنكروما، الذي تربي على يد الإرساليات البروستانيية التي تؤمن بالعودة المزعومة لليهود إلى فلسطين، و من جهة أخرى إلى تأثر أنكروما و إعجابه بالجاميكي ماركوس كارفي المناصر لإسرائيل.
فلا شك أن تأثير هذين البلدين في القرار الإفريقي على مستوي "إكواس" إضافة للعلاقات الحميمة لنظام تلابيب مع نظام الرئيس المسلم الحسن واترا في ساحل العاج كانت من العوامل التي سمحت للقادة الأفارقة بالاحتفاء برئيس الوزراء الإسرائيلي في القمة الأخيرة لمنظمة تنمية دول غرب إفريقيا.
من ناحية أخري اعتمدت إسرائيل سياسية انفتاح جديدة على هذه المنطقة من إفريقيا بعد عزلة و إهمال أو هما معا، فأرادت أن تكون عودتها للقارة السمراء من جديدة قائمة على أسس صلبة و متينة لذا حصرت أدوات اختراق إفريقيا في جوانب التعاون الأمني و العسكري و الاقتصادي، مركزة على الاقتصاد بوجه خاص بالنسبة للدول التي يصعب فيها تحقيق اختراق علي مستوي الشعوب في المنظور القريب و التي تكون في الغالب دولا ذات أغلبية مسلمة.
فعلي سبيل المثال عندما نتصفح مجالات التعاون بين إسرائيل و بلد كالسنغال نجد أن ملف الزراعة يعتبر أحد الكلمات المفتاحية لهذه العلاقات، فإسرائيل جعلت الزراعة في صدارة تعاونها مع السنغال، و هي سياسية تطمح من خلالها تلابيب ليس فقط للتأثير في الاقتصاد السنغالي- الذي تعتبر الزراعة أحد أركانه الرئيسية- و إنما أيضا لتحقيق اختراق للوسط الريفي في بلد يعتنق أزيد من 95% من سكانه الدين الإسلامي، و يعتبر الوسط الريفي فيه أكثر محافظة من سكان المناطق الحضرية كما أن نسبة 70 % من ساكنته يعتمدون على الأنشطة المرتبطة بالقطاعين الزراعي و الرعوي.
قمة إسرائيلية افريقية
تعتزم تلابيب تنظيم أول قمة اسرائيلة-افريقية في أكتوبر/تشرين الأول القادم و ستحتضن هذه القمة توغو التي آلت إليها الرئاسة الدورية لإكواس أثناء القمة الأخيرة للمنظمة المنعقدة قبل أيام بمنروفيا ، هذه الخطوة تشكل شراكة متقدمة في مجال التطبيع بين إسرائيل و الدول الإفريقية و تأتي على غرار القمم الأخرى كالقمة الفرنسية-الإفريقية و القمة الهندية-الإفريقية ، و القمة الصينية-الإفريقية ،و القمة التركية-الإفريقية التي تسعي من خلالها هذه القوي لإحراز نفوذ اقتصادي بإفريقيا.
و سيتوقف مدي التقبل الإفريقي لإسرائيل على حجم الاستثمار الاقتصادي و ما ستضخه من أموال في مشاريع البني التحتية بالمنطقة و بوفاء نتنياهو باتفاق التفاهم مع قادة إكواس بضخ إسرائيل لمبلغ 1 مليار دولار للمنظمة في السنوات الأربعة المقبلة بهدف تطوير مشاريع الطاقة الخضراء في الدول الأعضاء.
إن غياب سياسات عربية لمحاصرة الدور الإسرائيلي بهذه المنطقة و هرولة جزء هام من النظام العربي نحو التطبيع مع إسرائيل في هذا التوقيت بالذات قد يساهم في رفع حرج التطبيع عن العديد من الأنظمة الرسمية الإفريقية التي لازالت تتشبث برفض التطبيع مع إسرائيل كمالي و النيجر و غينيا، كما أن ضعف توظيف دول شمال إفريقيا(المغرب و موريتانيا و تونس و الجزائر) للمشترك التاريخي و الاجتماعي و الثقافي و للتواصل الجغرافي مع دول فضاء منطقة غرب إفريقيا قد يصب في صالح الأجندات الإسرائيلية بالمنطقة.
إلا أن كل هذا لا يعني أن اسرئيل لن تواجه تحديات التغلغل بهذه المنطقة، خاصة من منطلقات الحسابات الأمنية فالعديد من أنظمة غرب إفريقيا لن تكون مطمئنة لتقارب مع إسرائيل قد يضعها في مرمي الجماعات الإسلامية المسلحة التي بدأ هاجس الخوف من ضرباتها العسكرية يؤرق الكثير من قادة دول أعضاء إكواس.
سيدي ولد عبد المالك-كاتب متخصص في الشؤون الأفريقية