تشهد منطقة الريف، شمالي المغرب، اضطرابات وغضبا شعبيا مستمرا منذ 7 أشهر.
وكان شرارة الغضب الأولى مقتل بائع السمك، محسن فكري، مطحونا في شاحنة نفايات، عندما أراد استعادة سلعته التي صادرتها الشرطة منه.
بادرت السلطات المغربية إلى التهدئة واحتواء الحادث الفظيع، فأرسلت وزراء وكبار المسؤولين، إلى مدينة الحسيمة، وأصدرت المحاكم إدانات في حق الضالعين في مقتل فكري. ولكن يبدو أن الأمور كانت قد أفلتت من يد المسؤولين، وعائلة الضحية.
وتبنى الشارع القضية، في مسيرات ومظاهرات تجاوزت مطالب القصاص والعدالة، إلى العزلة و البطالة والفقر والخدمات الاجتماعية التي تفتقر إليها منطقة الريف، التي تعد من أفقر المناطق في المغرب.
تقع منطقة الريف على البحر المتوسط وهي منطقة جبلية معزولة، ويتميز أهلها بالشدة والاعتزاز بتاريخ منطقهم في مقاومة الاستعمار الإسباني. ويحتفظ أهل الريف في الذاكرة الجماعية بجمهورية الريف التي أسسها ما بين 1921 و1927رمز المنطقة عبد الكريم الخطابي، الزعيم الذي تجاوز صيته ومكانته حدود المغرب.
وتعرض أهل الريف إلى قمع سلطات الاستعمار الإسباني أثناء مقاومة الخطابي، استعملت فيه الغازات السامة، ويعتقد أن آثارها لا تزال موجودة إلى اليوم، إذ تسجل المنطقة أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في المغرب.
ويفتخر أهل الريف أيضا بوقوفهم في وجه السلطة، إذ تعد مدينة الحسيمة مركز الاحتجاجات التي تعرف "بانتفاضة الخبز" عام 1984. وكانت الحسيمة أيضا المدينة الوحيدة التي وقع فيها قتلى في احتجاجات 2011.
وتتميز منطقة الريف بالخصوصية الثقافية، إذ أن أغلب سكانها ينتمون إلى القبائل الأمازيغية، يحتفون بتقاليدهم ولغاتهم الشعبية، ولكن هذه الخصوصية أخذت أبعادا اقتصادية واجتماعية.
فمصادر الدخل الرئيسية في الريف هي الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى أهاليهم، وأموال التهريب وزراعة القنب الهندي. ويحمل أهل المنطقة مسؤولية هذه الوضعية إلى الملك الراحل، الحسن الثاني، الذي يبدو أنه لم يغفر لهم الثورة على ملك والده في عامي 1958 و1959، إذ أن الاستثمار في المنطقة شبه منعدم، حسب أهل الريف، وهو ما أدى إلى ازدهار زراعة المخدرات.
ويعتقد أن عشرات آلاف الهكتارات تزرع اليوم بالقنب الهندي في الريف من قبل 800 ألف شخص.
ويتسلل نحو 50 ألف شخص من سكان الريف إلى مدينتي سبتة ومليلة التابعتين إداريا لإسبانيا من أجل في رحلات تهريب تشمل المخدرات والسلع الاستهلاكية وغيرها من المواد، مثل الملابس والخمور، والتبغ.
وحاول الملك محمد السادس فك العزلة عن الريف، إذ أعلن مشاريع لتطوير شمال البلاد، وقرب منه مسؤولين من المنطقة، ولكن يبدو أن الاستثمارات التي أعلن عنها اقتصرت على المدن الكبيرة ولم تصل إلى القرى والمناطق الأكثر عزلة.
وشهدت منطقة الريف على مر السنين هجرة عدد متزايد من أبنائها لعدم توفر أسباب المعيشة في منطقتهم، على الرغم من ازدهار وتطور العديد من المدن المغربية الاخرى واستفادتها من البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والاقتصادية، مثل الدار البيضا والرباط وحتى طنجة.
وأمام هذه الضغوط والأوضاع الصعبة، أمسك الشباب في الحسيمة، بحادث مقتل واحد منهم، في ظروف مأساوية، للتعبير عن غضبهم وتوصيل مطالبهم إلى أعلى سلطات البلاد.
وكان ناصر الزفزافي، الشاب العاطل عن العمل، يتحدث باسمهم ويعبر عن معاناتهم، وهو يقاطع خطيب الجمعة في مسجد مدينته، ليتحدث عن ظروف المعيشة الصعبة والبطالة والفقر وغيرها من الآفات التي يعاني منها أهل الريف.