بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدي و مولاي رسول الله؛
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي } صدق الله العظيم.
{وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } صدق الله العظيم.
إخوتي أخواتي، السلام عليكم و رحمة الله تعلى و بركاته؛
أعمل منذ بعض الوقت على إنجاز عمل بحثي يرصد مختلف مناحي الحياة الوطنية لما يكتمل بعد، لكن و بالنظر للظرف الاجتماعي الدقيق و المقلق الذي نعيشه (أحداث 1-2 مايو المؤسفة) فقد أرتأيت أن أقاسمكم فقرة منه.
" إن حالة الإحتقان الاجتماعي، ليست سوى نتيجة حتمية لحالة التناحر السياسي المستفحل ولإنفراط العقد الاجتماعي بين المكونات العرقية و لتنامي حدة الفوارق بين الفئات الإجتماعية و لإنعدام التوازن في التنمية الجهوية و لصعوبة الولوج للخدمات العمومية، يضاف إلى ذلك تأثيرات العولمة على مجتمع ضعيف الحصانة لحداثة عهده بالحياة و الثقافة المدنية بشقيها المادي و الافتراضي.
لقد أدي إتساع هامش الحريات خلال العشرية الأخيرة لخلط كبير في المفاهيم و في الممارسات بين حرية مطلقة يكتوي المجتمع بنارها و حرية منضبطة يصلح بها المجتمع، و كما أن للحرية ضوابط تحميها فلها أيضا قيود تحمي منها، و كنتيجة حتمية لتقاعس الدولة أحيانا عن حماية حرية المجتمع من حرية الفرد و الجماعة و قيامها بذلك على استحياء أحايين أخرى، فقد وجد العنصريون و قادة الدعوات الإنفصالية و دعاة الفتنة و حملة الفكر الأرعن و المتطرف و أعداء الفكر التنويري و تجار المظالم فرصتهم لتأطير و قيادة المجتمع، مستخدمين في ذلك مختلف أدواتهم من شحن عرقي-شرائحي-جهوي-قبلي، و من نشر لخطابات الفتنة والكراهية، و من عزف على وتر المظلومية، و من تجييش للعواطف الدينية و الروحية، و من تهييج للشارع - عمال على بطال -، و من إستلاب ثقافي و حضاري...إلخ.
حدث كل ذلك و أكثر، في ظل مناخ يتميز بعدم الاستقرار السياسي و بالهشاشة في البنية الاجتماعية و بالميلان في ميزان العدالة الاجتماعية و تأثير الضغط الناجم عن إكراهات الحالة المعيشية. ينضاف إلى ذلك، غياب تام أو تمييع مقصود لمجتمع مدني، يفترض فيه القيام بدوره المعهود في إطلاق المبادرات الاجتماعية و الاقتصادية المحفزة للتنمية المحلية، وخلق فضاء توعوي وثقافي كابح للتشرذم الاجتماعي، و تنمية اتجاهات إنسانية وتنويرية في المجتمع تؤمن بالاختلاف وبالتنوع الثقافي وبالقبول بالآخر، و تأطير العمال و تثقيفهم و الدفاع عن مصالحهم و حقوقهم...إلخ.
لم يطل الإنتظار، فقد جاءت النتائج سريعة و مدمرة : تشرذم إجتماعي و توتر عرقي و دعوات إنفصال؛ إنهيار للمنظومة القيمية؛ سقوط للإجماع الأخلاقي؛ إختلال للبنية المجتمعية المعنوية؛ ظهور أفكار و تيارات دينية متطرفة مقابل موجات كفر و إلحاد و إستهزاء بالموروث الديني و الروحي؛ إنزلاق غير آمن للساحة العمالية يقابله إستغلال مفرط من قبل مشغليهم...إلخ
و هكذا، فقد نودي بدعاة الفتنة و الإنفصال قادة، و نصب العنصريون زعماء، و تمكن الأراذل من ركوب ظهور الأفاضل، و استصغر الشباب الشيب و عيروهم، و قام الجهلاء بإعتلاء أكتاف العلماء، و صعد الغوغائيون المنابر، و اعتمد الإمعة منظرا و مرشدا، و عد الفقراء الأغنياء أعداء و توهم الأغنياء بدورهم الفقراء قنبلة موقوتة، و صنف العمال أرباب العمل ذئابا فيما اعتبرهم أرباب العمل حملانا... إلخ.
بالنظر لمستوى التدمير الذي تعرضت له بنيتنا المجتمعية و تشكيلاتنا الاجتماعية و قيمنا الدينية و الثقافية لعقدين أو أكثر من الزمن و على مرأى و مسمع - حتى لا أقول مباركة - منا جميعا، فإن الوضعية السابقة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكل عنصر مفاجأة بالنسبة لأقلنا متابعة و دراية بالأحداث، لكن ما يثير الإستغراب و الدهشة و القلق هو الوتيرة المتسارعة خلال السنوات الأخيرة للظواهر الاجتماعية الهدامة و للأحدات المؤسفة و المتلاحقة و للأزمات متعددة الأوجه والتي أسهمت فيها و بنحو لافت - بقصد أو عن عجز – مختلف النخب من سياسية و إجتماعية و ثقافية و حتى دينية.
لا أنا و لا غيري، لا في سطور و لا في بحث، بإمكاننا أن نحيط لا بمقدار الضرر الذي ألم ببنيتنا الاجتماعية و لا بحجم الدمار الذي تعرضت له منظومتنا القيمية و لا بمستوى التمزيق الذي أصاب هويتنا الوطنية، فأقصى ما يمكننا تحقيقة هو محاولة إستكشاف قمة جبل الجليد أو إطلاق صرخة - لا أدري مدى فعاليتها - للفت إنتباه الجميع لخطورة الوضع التي إن استفحلت فستكون القاضية.
لن آتي بجديد، عندما أقول لكم إن بنيتنا الاجتماعية بخصائصها و بمميزاتها الحالية تمثل و بإمتياز البيئة النموذجية و الركن الأساس في عملية تفكك و إنهيار المجتمعات و من ثم وقوعها في براثن الفوضى. "
الحسين ولد احمد الهادي