سطع نجم وزير مالية جنوب إفريقيا كوردان برافين المقال قبل أسابيع و المعروف بمواقفه الصارمة ضد فساد الرئيس جاكوب زوما و ذلك بعد أن وصلت الخلافات بين الرجلين بخصوص تسيير المال العام مرحلة اللاعودة.
برافين ليس سوي وزير عينه زوما قبل سنوات بهدف إصلاح الاقتصاد البلاد، و كان بإمكانه التركيز على مناط التكليف و عدم حشر نفسه في تسيير الرئيس للأمور العامة خاصة ما يتعلق بالإنفاق العام و ما يثار من شبه و تهم حول فساد الرئيس زوما. إلا أن الرجل قلب حسابات ولي نعمته زوما بإظهار إرادة صارمة في محاربة الفساد، فلم يكتفي بوضع برامج لإصلاح الإختلالات الاقتصادية التي يواجهها أهم اقتصاد في القارة السمراء و بإعادة ثقة المستثمرين و إنما وقف بحزم في وجه فساد الرئيس و أصبح عقبة كأداء أمام نهب المال العام.
لم يُعرف عن برافين- رغم كونه قيادي قديم بحزب المؤتمر الوطني- تنظيم مهرجان بمسقط رأسه لمدح النظام أو حتي التطبيل للإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في فترته.
أقيل برافين بعد أن أصبح عنصرا مزعجا في الحكومة و بعد أن بات شخصا غير مرغوبا فيه من طرف الرئيس زوما و ديناصورات الفساد في السلطة وفي حزب المؤتمر الإفريقي الوطني الحاكم ، وبمجرد إقالته تراجع معدل صرف عملة البلاد "راند" أمام الدولار كما عبرت مجموعات اقتصادية و استثمارية عن مخاوفها من انعكاس هذه الإقالة على تحسن الأداء الاقتصادي للبلاد، الذي يُعتبر برافين مهندسه الرئيسي.
ذهب برافين عن منصب في حكومة زوما إلا أنه احتل بالمقابل موقع إعجاب وتقدير و احترام في نفوس مواطنيه و ترك سمعة طيبة و حصل على تعاطف شعبي كبير خاصة لدي الشرائح الفقيرة، و ذلك بعد أن غلب المصلحة العليا على متعة المنصب و شهرته، كما استطاع بمواقفه الحازمة ضد فساد الرئيس أن يؤسس لمعسكر إصلاح مقابل معسكر فساد داخل بنية النظام.
ذكرتني قصة برافين بحال معظم وزراء ولد عبد العزيز-بمن فيهم طبعا وزير ماليته- اللذين يسبحون بحمده و يظهرون التفاني في الدفاع عن سياسياته و التغاضي عن شُبه الفساد اللامتناهية التي تحوم حول الرجل و بعض أفراد دائرته الاجتماعية الخاصة- و الاستنتاج الذي خرجت به هو أننا للأسف لازلنا نفتقر لنموذج من الوزراء بإمكانه امتلاك مواقف وطنية شجاعة كتحدي الوزير برافين.
فالوزير عندنا اليوم شريك في الفساد ترتعد فرائصه من المقربين اجتماعيا للرئيس ولد عبد العزيز فلا يمكن أن يرد لأحدهم طلبا، يحابيهم في الترقيات و الامتيازات إن كانوا معه في قطاع وزاري، و يتودد لهم بالتسهيلات و الصفقات إن كانوا من العاملين في هذا المجال.
إن محاربة الفساد ليس معناها التشهير بصغار المسئولين و معاقبتهم، و فرض الضرائب المجحفة على المواطنين و تقليص و شطب امتيازات و علاوات صغار الموظفين، لكنها خطوة أساسها الشفافية الذي كرسته الشريعة الإسلامية العادلة في مبدأ "من أين لك هذا؟"و الذي يتم توجيه دون تمييز لكل من يولي من أمور المسلمين شيئا، ما لم يمتلك وزراء القوة في الوقوف في وجه السلطان الفاسد فإننا سنبقي أمة منسلخة من قيم الإصلاح.
سيدي ولد عبد المالك-كاتب موريتاني