واصلت أسعار خامات الحديد تراجعها خلال تعاملات مطلع الأسبوع الجاري، وسجلت بذلك خسائر للأسبوع
الرابع على التوالي، حيث انخفضت بحوالي 31% عن ما كانت عليه في فبراير المنصرم (95.05 دولارا للطن)، لتصل مع نهاية تداولات يوم الثلاثاء الماضي إلى 63.8 دولار للطن حسب مؤشر بلاتس، قبل أن تعود للارتفاع من جديد قبل أمس وأمس الخميس لتصل إلى 65.75 دولارا للطن.
اختلال حالة السوق هذه، وعدم استقرار الأسعار توقعناه، وذكرنا العوامل التي تقف وراءه في مقالنا السابق بعنوان "مستقبل أسعار خامات الحديد بعد التراجع الأخير" لكننا لم نتوقع أن تشهد الأسعار هذا الهبوط دراماتيكي خلال أسبوعين من الشهر الجاري.
اليوم و في ظل هذا الواقع الجديد، ووسط توقعات بالمزيد من الهبوط في الفترة المقبلة، لا يسعنا إلى أن
نطرح أكثر من سؤال .... ما الأسباب الرئيسية التي وقفت وراء الهبوط السريع في الأسعار؟ وهل ستشهد في المستقبل القريب العودة إلى مسارها التصاعدي ؟
هناك العديد من الأسباب الرئيسية المتداخلة التي أثرت بشكل جذري خلال الفترة الأخيرة على ميزان العرض والطلب في سوق خامات الحديد العالمي وخاصة السوق الصيني، مما أدى إلى هبوط سريع وحاد في الأسعار خاصة خلال الشهر الجاري، ونكتفي هنا بذكر خمسة منها قد تكون الأكثر تأثيرا ، وهي :
1 -: ارتفاع الإنتاج الصيني من خامات الحديد
تشير بيانات السوق الصيني إلى حصول زيادة في إنتاجها الداخلي من المادة الخام بواقع 15.9% خلال الربع الأول من السنة الجارية، حيث وصل إلى حوالي 298.19 مليون طن، وكانت أكبر هذه الزيادات خلال مارس المنصرم بواقع 18% حيث بلغ حجم الإنتاج حينها 113.61 مليون طن، كما تشير البيات الأولية إلى أن حجم الإنتاج الداخلي الصيني خلال أبريل الجاري قد يكون الأعلى منذ أكتوبر 2014.
2 -: زيادة الفائض في المعروض بالسوق العالمية
قدرت سيتي جروب (Citigroup Inc) الفائض في المعروض من خامات الحديد في السوق العالمية خلال السنة المنصرمة بحوالي 70 مليون طن، وتوقعت أن يصل هذا الفائض إلى 90 مليون طن خلال هذه السنة نتيجة للزيادة في الإنتاج على مستوى البرازيل وأستراليا والصين.
وقد انعكس هذا على السوق الصيني المحرك الأكبر للطلب على المادة الخام حيث يعاني حاليا من وفرة في المعروض، وزيادة في المخزون على مستوى الموانئ، تقدر بحوالي ( 132مليون طن).
3 -: المضاربة على العقود خام الحديد الآجلة
يحذر بعض محللين هذه الأيام من هوس صيني بأسواق عقود السلع الآجلة، والتأثيرات المحتملة لذلكعلى
أسعارها، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 611% من المخزون الهائل على مستوى الموانئ الصينية الذي ذكرنا سابقا تعود ملكيته للسماسرة الموردين المضاربين، بينما تملك شركات الصلب الصينية 39 % المتبقية، وهذا ما يعكس بجلاء القلق لدى المحللين من تحول اهتمام المستثمرين الصينيين من أسواق الأسهم والسندات إلى أسواق المواد الخام، و التي على رأسها خام الحديد .
4- : هبوط أسعار الصلب في السوق الصيني
كشف تقرير صدر مؤخرا عن أن أسعار الصلب في السوق الصيني شهدت هبوطا حدا خلال الفترة الأخيرة، حيث سجلت أسعار حديد التسليح ( حديد البناء) انخفاضا بحوالي 80 إلى 270 يوان للطن حسب المناطق، كما شهدت أسعار لفائف الصلب المدلفن الساخن انخفاضا خلال أسبوع واحد بحوالي 230 يوان للطن، وشهدت أيضا ألواح الصلب متوسطة السمك انخفاضا في أسعارها بحوالي 240 يوان للطن.
وقد يكون هذا الهبوط الحاد في أسعار الصلب نتيجة لتراجع الاندفاع الذي شهده قطاع العقاري الصيني خلال السنة الماضية، و انخفاض مبيعات السيارات خلال الربع الأول من السنة الجارية. و قدرت رابطة صناعة الحديد والصلب الصينية أن أسعار جميع منتجات الصلب انخفضت بحوالي 20% خلال شهر الأخير.
5-: الوضعية الجيوسياسية العالمية السائدة
يعتقد بعض المحللين أمثال السيد كاسبر بورجيرينغ (Casper Burgering) من بنك إيه بي إن امرو (ABN AMRO) أن التوترات الجيوسياسية مثل الضربة الصاروخية التي نفذتها البحرية الأمريكية ضد سوريا، والوضع الراهن في كوريا الشمالية، والانتخابات البرلمانية المبكرة في المملكة المتحدة، والانتخابات الرئاسية المنتظرة في فرنسا وغيرها كلها أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على سلوك المستثمرين في سوق المعادن. وذكر تقرير صادر مؤخرا عن غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات قد كشف عن انخفاض أسعار معظم المعادن الحديدية وغير الحديدية خلال الأسبوع الماضي ببورصة لندن.
هذا بالإضافة إلى انحصار التفاؤل الذي هيمن على الأسواق سابقا نتيجة الإعلان عن خطة الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب لتجديد وصيانة البنية التحتية للولايات المتحدة الأمريكية.
لا أحد يعرف بالتحديد إلى متى ستواصل أسعار خامات الحديد انخفاضها،كما أنه لا احد يستطيع أن يجزم باستحالة عودة الأسعار إلى مسارها التصاعدي خاصة بعد قفزتي الأربعاء والخميس اللتان تشيران إلى أنه لا تزال هناك عوامل في السوق تدعم هذا المسار التصاعدي.
يربان الحسين الخراشي