1.سقطات تفقأ العيون و تدمي القلوب الذي يتتبع سقطاتنا سواء على المستوى الشعبي في دائرة المدنية أو المستوى الرسمي على المستوى الحكومي لا بد أن يخلص إلى أننا ما زلنا رغم مرور ست و خمسين سنة بعيدين بمئات السنوات الضوئية عن أسوار الدولة القانونية التي يغلب فيها المد التعاملي الجماعي التكاملي المتمدن على التوجه الفردي الأناني الغالب و المستوحى من الفطرة الصعلوكية لحكمة التعايش في أمان و تقاسم الموجود و المبتكر و المتصور بعدالة و إنصاف على مقاييس تحدد فيها المستويات المعرفية و العلمية و المهاراتية و القدرات الشخصية تفاوت التدرج إلى الملكية و المقام الريادي و التوجيهي.. و أننا ما زلنا في مرحلة التعامل الفج بمنطق الغاب الذي تحاول شجرة التدين الحربائي التقمصي أن تستره عبثا و لا علاقة للدين القيم بمثل ذلك.. سقطات و هفوات صغيرة و كبيرة عن إدراك و متعمدة و في كل مكان من دوائر الدولة و فضاء الحياة التعاملية اليومية.. فلا عجب أن ترى المهني العارف و المتمرس المتمكن يأتمر بأوامر الأمي و البادئ .. و لا عجب أن ترى قوة الشاي و لفته من المترفين لفظا و غاية طاغية على حراك المكاتب و أدائها.. ثم لا عجب أن تجدها خالية بعه إلا من فضلات الطعام و أوراق مبعثرة تشي بكل أسرار القطاع .. و لا عجب أن ترى السيارات و الطرق و الأشباح و المتسولين و البنايات التي لا يتوقف العمل فيها و لا يتواصل في عبثية السيزيفية و هزلية التسيير الأرعن.. و لا عجب أن ترى حفنة من أبناء رعاء الشاء يتطاولون في البنيان و تشاهد المحسوبين على المعرفة و العلم يتهافتون على تعالهم يقبلوتها وعلى موائدهم يقتاتون على فتاتها... و لا تنتهي الهفوات و لا السقطات عند هذا الحد مطلقا في بلد يختار أهله البداوة و فوضويتها على المدنية و صرامتها و علما بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان مدنيا لأنه ولد ببكة و بعث بها و قبره بيثرب و ما نزل القرآن إلا بهما فإما مكي و أما مدني، و يحبذون السطو و الاغتصاب على العمل و الكسب الحلال و شرب الشاي و صبو مدامته التي تُسِيءُ مِنَ المَرْءِ تأديبَهُ كما يقول المتنبي و لا ترفعون للوطن قدرا أو يحفظون له وقتا.
2. ذر الرماد في العيون
لو أن مشاركاتنا في المعارض الدولية كانت لتعين على تحسين سمعة البلد و الرفع من مكانته لهان كل ما يصرف من مال الخزينة على هذا الحضور الذي يحمل للعالم نماذج من صناعاتنا و أنماطا من إبداعاتنا و مشاركة عملية لاختصاصيين و صناعيين و رجال أعمال متمرسين يحملون في جعبهم ما يبهر ضيوف المعرض الآخرين ليحملوهم بالنتيجة على الاستثمار في البلد و ليبرموا معهم شراكات في طياتها من التحويل التكنولوجي Transfert des technologies ما يؤسس لصناعة وطنية ببصمات محلية من بعد ما يحصلوا على ضمانات بإقامة وحدات إنتاجية في البلد من خل أذونات التصنيع Licence de fabrication أو إقامة سلاسل التركيب chaines de montage و من الصفقات ما يفتح باب تشابك المصالح و تبادل الخبرات. و أما الذي دأبنا عليه من الحضور المسرحي بمشورات غرضية و نزعات التفاخر و المباهاة فكونه لا يعدو ذرا للرماد في العيون و إيهاما بأننا على مستوى الدول المشاركة و بدليل تواجدنا. إنها أموال طائلة تصرف طيلة شهور السنة على سياحة أفراد. و الأمر ذاته يحصل عند التظاهرات الفكرية و الفنية الدولية حول السينما و المسرح و الفنون الجميلة و ما لنا في كل ذلك إن صدقنا أنفسنا فنحضرها بالأشخاص في غياب المحتوى من مادة التظاهرة ثم نعود بشهادات المشاركة التي هي في حقيقة الأمر شهادة على الحضور الوهمي الدونكيشوتي حيث كنا نصارع طواحين الهواء. فمتى نكف عن ذلك إلى أن نكون نكون مؤهلين فنحفط ما وجهننا و نوفر مصاريف مجحفة؟
3. جنت على نفسها براقش
في القرن الواحد و العشرين و البلد لا يملك مصنعا وطنيا بنته مهارات محلية، و لا ملعبا أولمبيا بالمواصفات العالمية و لا مستشفى مكتمل الأجنحة أطباؤه أكفاء و يؤمه الموطنون باطمئنان، و لا نفقا يخفف زحمة مرور و لا جسرا أو قنطرة كذاك، و لا قطارا بعرض الوطن و لا طريقا سريعا آمنا و لو مقابل رسوم، و لا مركبا صناعيا لصناعات خفيفة تلبي حاجات أولية، و لا شغيلة ترفع باعتزاز و شموخ و حب في البلد تحديات التخلف و البناء و لا شبابا حيا من الرياضيين و الفنانين يبهرون و يسلون و يمثلون، لا مربين يغرسون حب الوطن في عقول النشء و يعدونه لرفع تحديات المستقبل... إنه واقع بلدنا ـ شعبا و دولة، و وطنا و أمة ـ الذي ليس طبيعيا، شئنا ذلك أم أبيناه اتنبهنا إليه أم تغافلنا عنه تحايلنا عليه أم تغابينا. لا المُواطن بعد ستة و خمسين سنة من الدولة المركزية تغير في تفكيره و سلوكه و لا عمد إلى فك طلاسم و عقد الماضي ليبرأ للحاضر و يأخذ بوسائله فيحول بالإرادة و العمل وضعه المزري إلى رخاء و نعيم و يتخلص بفكر العصر الوضاء من قيود الظلامية ليلتحم بمفاهيمه المجردة من كل أوهام "قانون الكهوف" و أباطيل حكم الخرافة. و لا السياسيون و المثقفون اغتسلوا بماء معارف العصر و لا استفادوا من تجارب جاهزة للاستخدام نقيت عبر الحقب الماضية في مخابر بعيدة من دواعي الارتكاس الفكري و أسباب التخلف و "الكهوفية" و عقلية القرون الوسطى ذات الغلبة الفروسية القهرية، إذ كيف بنا شعبا لا ينتج في أي حقل كان و لا يحدث نهضة زراعية و النهر جاري و لا صناعية و الأرض حبلى بالمعادن و لا يؤسس لعادات أو ثقافة شاطئية و المحيط معطاء، و لا مدارس أو معاهد أو جامعات أو مراكز أو غيرها تهيئ الرجال و النساء لاستغلال الخيرات على أديم الوطن، و لا مصانع تحويلية أو صناعية تلبي من مقدرات البلد أقل حاجاته التنموية و للشعب أدنى اكتفاء ذاتي من مجمل تصديراته لخيراته الضائعة، و لا مسارح أو معاهد لدراسة الفنون و الحفاظ على الفلكلور و لا مهرجانات و لا تظاهرات أدبية بمستويات لائقة تبدد غشاوة الادعائية و تؤسس لنهضة صادقة ينطلق معها الإبداع على أسس سليمة، و لا ملاعب رياضية ترعى المواهب و تصنع الرياضيين الأكفاء القادرين على تمثيل البلد في الألعاب الدولية و تهيئ و تدعي إلى حب الرياضة و اكتساب فضائلها.
4. اين الثوابت و عمق الذاكرة؟
هل ما يقوم به البعض منا من محاولات مسرحية لا ترقى إلى أي مستوى لإيهام الرأي العام حتى لا نقول واهمين الرأي "الوطني" الذي لما يتشكل بعد أن لنا أبطالا عليهم إجماعنا و أنا نرى فيهم أنفسنا و تاريخ و مجد بلادنا و رفعة أمتنا؟ لا شك أن الجواب هو النفي القاطع حيث الأمر مجرد محاكاة سخيفة للدول و الأمم من حولنا و التي تمتلك ثقافة الاعتزاز و الفخر برموزها من أبطال و علماء و مخترعين و أدباء و مربين و تعتني بأسمائهم و ذكراهم بما دافعوا عنه و رسخوا من ثوابت أممهم و ما سجلوا لكيانهم من استقلال و بنوا من عزة نفس لأهله، لا يشكك فيهم أي مواطن و لا يتجاوز حدود احترامهم و تقدير صفاتهم و خائصهم تغص بأسمائهم و حضورهم و عبق تاريخهم و حسن مناقبهم و عظمة سيرهم الساحاتُ و المنتزهات التي تزدان بهم و الفضاءات الثقافية و الفكرية التي يعلو شأنها بهم و المؤسسات و أجنحة المستشفيات و كليات الجامعات و ردهات المدارس و أقسامها، و هم رموز بلدانهم يحملون كل معاني مفهوم البطل قومي كما هو الحال مع الأمير عبد القادر في الجزائر، وعمر المختار في ليبيا، و ان خلدون في تونس، و جمال عبد النصر في مصر، و جان دارك في فرنسا، وغيوم تال سويسرا، و خوزيه ريزال في الفلبين، و جون هاس في جمهورية التشيك، و ايمري ناجي في المجر، جوزيبي غاريبالدي في إيطاليا، سيمون بوليفارفي كولومبيا وفنزويلا وبيرو، غاندي في الهند و مصطفى كمال أتاتورك في تركيا.فأين ثوابتنا و عمق ذاكرتنا؟
5. أقلام على عتبات التغيير ببيان التعبير
كتابات قليلة لكنها رصينة و بناءة أطلع عليها من وقت لآخر في بوابات بعض الموقع الالكترونية موقعة بأقلام موريتانية نيرة واعية هادفة متطلعة و عميقة؛ كتابات تخرج عن روتين التكرار و بجرأة تمدها الشجاعة و النزاهة الفكرية تجافي التقيد المستكين المهين بثوابت ذهنية وهمية و قيم محسوبة زيفا و ادعاء على الفكر بالية متحجرة بعيدة عن حركة التطور الفكري الذي تجاوز زمانها و غطى على مدارك أهلها. كتابات سيكون لها شأن في مستقبل قريب و ستصبح مراجع تنويرية لمدرسة ترجيح حركة التطوير الفكري و ترقية النضج الثقافي في ملاءمة إفرازات الواقع التي ترفض الخرافة أيا كان مصدرها و ملاذها و تتحدى إهانة العقل البشري الذي تنقشع عنه رويدا رويدا سحابات الانهزامية الفكرية و تبتعد رُدُود الفعل التلقائية، المتهورة، الاندفاعية و يضيق مدى أمراض القلوب لينحسر في السجن الأزلي وراء آفاق رحابة الصدور و سمو العقل؛ مدارس تخرج في فصولها عبر العالم المتوازن رجال ما أضاعوا كنههم و ما طالهم المسخ عن جوهرهم المعتقدي و الإنساني و لكن حملوا الحداثة و التنوير على التكيف معه و أمدوه بمخزونه الذي لا ينقطع و حياضه التي لا تجف. إنها كتابات لاذعة جارحة بنصوصها الطافية على السطح و لكنها جراحة استئصال الأورام و البلسم الشافي للمتعفنات المطلية بزغب الزيف و الجهل و التخلف. و كتابها فرسان الكلمة الجريئة الصادقة و ركاب مطايا إلى التحول المنتظر فيطرقون الأبواب الموصدة ليزعجوا ثلاثة المتحصنين وراءها من العابثين بمقدرات الأمة بدون حساب و المستهترين بمقومات العدل و المساواة و المانعين من العبور إلى رحاب الحداثة و من الاسهام في صياغة العولمة، ليسوقوهم إلي محكمة التاريخ حتى تنظر في جرائمهم الكبيرة و تحكم عليهم بالنفي الأبدي من ذاكرة الوطن.
6. حين لا تصمد المنطلقات التاريخية
و مرة أخرى أتحفتني إحدي القنوات النابضة بالأفلام الوثائقية التي تهتم بالحضارات الإنسانية الراقية و الشعوب المتقدة الذكاء اللامعة و المدن القديمة الناطقة بهندستها المعمارية المعجزة و تخطيطها الرائع و وسائل ريها المبتكرة التي لا دخل في تصميمها مطلقا للهندسة الحديثة و معداتها و حساباتها؛ أتحفتني إذا هذه القناة بوثائقي رفيع المستوى جزل المحتوى عن تاريخ سلطنة عمان العريق و عن تضاريسها و أهلها و صناعاتهم العتيقة و مساكنهم و حصونهم المنيعة الشاهقة التي صمدت أمام الأعداء و عوادي الزمن لتعطي ملمحا استثنائياعن العمانيين و بين حضارتي اليمن و الشام اللامعتين، فعرفت أن الشعب العماني مثل حي للشعوب التي لا تحمل سمات ضعف و تشتت المنطلقات التاريخية في بحر الزمن و لا وجود في تاريخه لبقع سوداء و مساحات جرداء من التواصل بين حقبه لأن شواهد كل منها في تاريخه الممتد إلى أقدم العصور ماثلة حية للعيان يمسك بخيطها الذي لا انفصام فيه ورته السويو البنية العقلية النديو الأيدي من طين الترميم و الرطبو اللسان من انسيابية ملحمة البقاء و الاستمرار. شعب يعرف معنى الحرفة فانها من صهر الحديد إلى بناء السفن و من السد إلى الزراعة و من الزراعة إلى تشيد البيوت الراسخة و التي مازال بعضها صامدا منذ خمس مائة بربت و تعاقبت بين جدرانها أجيال و أجيال. فلا عجب إذا أن تكون السلطنة مستقرة و أن ينعم أهلها بالطمأنينة و الرخاء على اختلاف ألوانهم و و تباين خصوصياتهم، فالكل يعرف أصله و موطنه و تاريخه و دوره و واجباته و حقوقه. فأين من تاريخنا المضطرب ذلك الخيط الذي لا انفصام فيه يمسك به الجميع فلا يتشتتون و يصمدون معا إلى بؤر الفرج فيواصلون البناء للبقاء كل من موقعة لا يتخلى من كبر أو زيغ عن دوره؟
7. لنكن حقا سنيين.. فذاك أنجى
لا للشيعة و دعوتها، لا للشيعة و مدها، لا للشيعة و حسب.. لكن .. أين السنة و أهلها؟ أين السنة و عدلها؟ أين السنة و مسالكها إلى البر و الإيمان و القوة و العدل؟
هل الذي نراه من تفشي عقيدة النفاق و أمراض القلوب و ضياع المروءات و استباحة الأعراض و أكل المال العام سنة؟
و هل السنة ما نراه من حفظ متون كتبها و إتيان عكس محتوياتها بالقول و الفعل؟ و هل هي ما نشاهده من تباين بين الفقر المدقع و الغنى الفاحش و لا إتاء لزكاة و لو بضرب العصا؟ و هل هي ما نشهد عليه من صراع أئمة المساجد على فارق وقت الصلاة و تكفير مبطن بعد إساءة ظن؟ و هل هي حضور المساجد بحال التقشف و استقبال الدنيا بالزنة؟
و هل السنة إلا أن يُتبع أكثرنا حبا في الجاه و المال و أكثرنا سعيا إليهما بكل متاح من شطط الفعل و غياب الإيمان بالعقاب و الحساب؟ و هل ما نشهده من تقديس أفراد إلى حد العبادة سنة؟ و هل شراعات هذه الطوائف سنة؟ و هل مستجلب سنة مبتورة من روحها إلى أخرى موغلة في الخرافة هو السنة؟
إن السنة أسمى من أن تهان و أغلى و أصدق و أنجى كي تصان. أدعو الجميع كي يكون سنيا نية، قولا و فعلا.
8. بعمر الزهور و رؤوس الشياطين
إنه العود الفظيع إلى مفاهيم ما قبل الدولة و ارتكاس شديد أمام العلامات الخجولة التي كادت تتحقق سبيلا إلى الانفتاح على مفاهيم عصر تقييم الإنسان بقدراته و عطائه للمجموعة البشرية جمعاء، و هو انكسار جديد أيضا أمام حركة التاريخ بقيام "العصاباتية" العشائرية و القبائلية من مرقدها تجسدها مباركة تجميع المترفين من الشباب و تسليحهم بالتشجيع و التمويل و الحماية بعد كل حماقة أو فظاعة يرتكبونها سعيا إلى تعزيز مدارك الخوف لدى الآخرين وعند المستضعفين من العشيرة و القبيلة. و تدعى هذه الحركة الشيطانية في الموروث الجاهلي "امخاسير لخبار أو ملاعيك العشير و شطاح" أي الغلاظ و الشداد الأفظاظ الذين يعتمد عليهم لرد "عبد صابئ"، أو "إهانة شاعر زل لسانه"، أو "تأديب آزناكي" رفض أن يُعتدى على عرضه، أو من أجل إثارة فتنة مفتعلة لحاجة في أجندة العشيرة أو القبيلة.
شباب في سن الزهور أبناء وجهاء من زمن "السيبة" و رجال مال من "نهب الدولة" و ضباط سامين مهابين و مسؤولين كبار في وظائف قيادية و تسييرية، يحملون رؤوس الشياطين، يهينون الشيوخ، يضايقون و يزيحون عن طريقهم من صمد، يعاكسون و يتعدون على شرف النساء و يحملون على متن سياراتهم الفارهة المظلمة الزجاج الأسلحة النارية و تراخيص المرور المفتوحة... يتاجرون في الممنوع، يعيثون فسادا و لا يكترثون.