لم يخفِ قادة المنتدى رفضهم الشديد ووقوفهم ضد مضامين مقترح التعديلات الدستورية؛ خاصة تلك المتعلقة بإضافة شريطين بلون أحمر كرمز واعتراف وتثمين لتضحيات الشهداء في سبيل الوطن؛ حسب المقدمين لمشروع التعديلات
الدستورية ومن يدور في فلك مناصرتهم.
لقد اعتمد قادة المنتدى كل أساليب الرفض والتنديد والوقوف ضد المساس بالعلم الوطني؛ بغض النطر عن التفاوت والاختلاف بين التغيير الكلي والجزئي والتحسين بالإضافة والتثمين والاعتراف، وعمد هؤلاء في ذات الوقت
إلى تزكية العلم الموجود بألوانه التي ربطوها -دون غيرها- بالوطنية والميول الشرعي والتراث الجمعوي المتفق عليه؛ حسب تقديمهم. إن ماذهب إليه الذاهبون من القوم من تزكية ومباركة ألوان وشيطنة واستقباح
أخرى؛ لا يخلو من التوظيف السياسي والافتعال من أجل تحقيق مآرب وطموحات ايديولوجية تمثل الخلفية والمنطلق..
وطبعا لا الألوان المزكاة عندهم بأفضل من الأخرى التي استقبحوها؛ إن ماهو التحرك السياسي الذي يشيطن ويزكي من أجل الوصول إلى أهداف معينة غالبا ما تكون سياسية محضة ومن عجائب المفارقات في بلادنا أن الأهداف السياسية
البحتة غالبا ما يُخذل بها المواطن ويُخان بها الوطن، ليس لعيب في السياسة نفسها وإنما هي طبيعة السياسي عندنا!؛ يحابي لمصلحته الضيقة، ينتصر لها، يتاجر بالدين من أجل ذلك، يتخلص من القبيلة، يظهرها، يعتنق
التعزي بها لذات الأهداف.
إن التناقض الذي وقع فيه الساسة عندنا ويقع فيه الآن قادة المنتدى عندما يعارضون تغيير أو إضافة أو تحسين العلم بدعوى الوطنية والحفاظ على الموروث ويقدمون رموز التطبيع مع الكيان الصهيوني النجس القذر؛ لهو أمر
غاية في الغرابة بل هو عين الوشاية في النفس بإظهار كُنه المغيب فيها علىحقيقته.
دائما ما تظهر طبيعة السياسي الموريتاني على أنه متلون حربائي انتفاعي ولسان حاله وإن حبسه بين فكيه يردد: أين ما وجدت المصلحة الحزبية بل بالأحرى الشخصية فثم الوطنية!!؛ وسواء قال قائل أو برر سياسي أو متسيس
آخر أن التطبيع أمر يرجع إلى رئيس الجمهورية في كل الأزمنة و أن الرئيس في تلك الفترة هو الذي ينبغي أن يلصق به عار الفعلة؛ فإن القول الفصل الذي لا حيد عنه إلى بعظيم اعتذار هو أن التطبيع مع اليهود الغاصبين لأرض
المسلمين المستبيحين لأعراضهم قبل أغراضهم أكثر خبثا وأشد نتانة من شرب الخمر التي يلعن شاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه .. إلخ الحديث.
ينبغي علينا أن نفهم أن سياسة الكيل بمكيالين والعزف على كل الأوتار واستغفال المواطن واستخدام الحيل السياسية وإن خبثت؛ كلها أمور أصبح المواطن يعي مداركها ويلفظها بل يمجها ويمقتها ويبتعد جادا عن حياضها
الملوثة؛ لأنه ببساطة متناهية ملَّ الكذب والخداع والتصنع والتشبع بالمفقود وبدأ في التحرر من كل القيود؛ وإن كان بطيء التجاوب إلا أنه يسير صوب النقطة الحاسمة التي تجعله صاحب الكلمة الفصل الذي لا يخدع ولا
تنطلي عليه حيل السياسيين ولا تتشابك عليه حبائلهم وقابل الأيام كفيل
بالإيضاح أكثر.