كثيرا ما نسمع من بعض المهتمين بالشأن السياسي والمعارضين للأنظمة الموريتانية المتلاحقة أن إيجاد الدولة الحديثة (دولة العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي) مرهون باختفاء الجيش من حياتنا السياسية وإلى الأبد
بيد أن هذه الفرضية التي ينطلق منها هذا البعض تحاول القفز على حقائق لا يمكن تجاوزها ذلك أن دولة موريتانيا ومنذ استقلالها وحتى اليوم لم توجد فيها مؤسسة مدنية حزبية كانت أو نقابية لها من احترام الشعب وقوة التأثير والحياد ما يوازي أو يقارب المؤسسة العسكرية فى حياة وقناعات المواطنين
ففى الوقت الذي نجد فيه أفراد الجيش الموريتاني وقد ُطبّعوا عسكريا على حب الوطن والإخلاص له والتضحية من أجله والذود عن كرامته دون تمييز أو تحيُّز
نجد فى المقابل ُأطرا حزبية يُفترض فى القائمين عليها أن يكونوا قد كوّنوا رأيا عاما من خلال توجيه المواطنين وتوعيّتهم بالمشكلات السياسية ووضع المقترحات لحلها وتشجيعهم على المشاركة فى الشؤون العامة وبلورة آرائهم فى اتجاه معين
مع تمرينهم على ممارسة الديمقراطية داخل هذه الأحزاب
وبدل المفترض وجدنا قيادة حزبية تحتكر أطرها الحزبية وتحتجز لنفسها المقاعد الأمامية وإلى الأبد وتلخص الديمقراطية فى شيء واحد هو مطلب التبادل السلمي على السلطة
بهذه الطريقة ظل الجناح المدني عندنا مقصوصا لا تأثير له فى حياة الناس وظلت محاولة حيازته للسلطة محاولة فاشلة لأنها لم تستكمل الشروط والإجراءات اللازمة لتلك الحيازة
ففشل الأحزاب السياسية واحتكارها من قبل مشرعيها حال دون تحديث المجتمع ودمجه وصياغته صياغة جديدة تهيّئه لأن يقود ذاته بذاته
وفى وضعية كهذه يُصبح الحاكم الذي قد تربى فى مؤسسة عسكرية أفضل بكثير من مدني يحكم البلاد والعباد وهو مملوء بذاته ومشحون بقيّمه القبليّة
كما يُصبح ترك الدولة بين المدنيين فى ظل غياب قوة اجتماعية واعية وناظمة خطرا حقيقيا يهدد استمرارها
الأستاذ : سيدي محمد ولد محمد محمود