تماما كقوانين الطبيعة، فإن الإستقطاب السياسي لا بد أن يُسمِعَ صوته في كل مرة. لا بد لكل فعل من ردة فعل و لا بد لكل رأي من رأي آخر و لكل مقام مُخضرَموهُ و جَهابِذتُهُ و لكل زمان شُروخه و شيوخه.
فمثلا، من حيث الشكل، فقد صوتت أغلبية من الشيوخ ضد مقترح الحكومة حول التعديلات الدستورية، وهو ما تخوله دستوريا أحكام المادة 99 ، أما من حيث المضمون فإنه لا خلاف على أن مصدر تخوف و تحفظ بعض الشيوخ الرافضين هو التصويت بإلغاء المجلس، أي الغرفة العليا، مع ما يعنيه ذلك من فقدان مرتباتهم و امتيازاتهم. ويسمي هذا مصلحة.
و من حيث الشكل، فقد تم التوظيف السياسي بجدارة للتصويت ب “لا” من طرف الشيوخ، أما من حيث المضمون، فلا يختلف اثنان أن تصويت الشيوخ كان بدون شك مجرد مظهر لخلل داخل صف الأغلبية و قلة من ممن يعتبرون أنفسهم في خندق واحد مع رئيس الجمهورية و توجهاته المعروضة عليهم علنا، و هو أمر لا يدل على أي نوع من الأداء السياسي للمعارضة رغم التوظيف التحريضي. ويسمي هذا مزايدة.
و من حيث الشكل، فقد اعتقد البعض أن تداعيات موقف بعض الشيوخ الرافضين سرا و الداعمين علنا، من شأنه إضعاف الأغلبية الرئاسية و دعائمها التشريعية، فبسطوا لهم السجاد الأحمر و اقترحوا كتابة أسمائهم بماء الذهب، أما من حيث المضمون فإن الأمر سيكون فرصة سانحة لتنظيف قطار الأغلبية و دعم رؤية الحزب الحاكم كحزب شجاع يستحق بجدارة توجيه و تنسيق التيارات الداعمة. ويسمي هذا درسا.
و من حيث الشكل فإن المؤتمر البرلماني كان ليكون المسار الأقل تكلفة، أما من حيث المضمون فإن هذا المسار لو كان حصريا، لكانت الديموقراطية رهينة لعدد من الأفراد، يمكن أن يسافروا في أقل من ثلث مقاعد إحدي طائرات الموريتانية و لما كان بالإمكان إطلاق تسمية “حامي وضامن الدستور” على رئيس الجمهورية. ويسمي هذا بديلا.
و من حيث الشكل، فإن الغرفتين البرلمانيتين هما مصدر التشريع و التقنين، أما من حيث المضمون فإن الشعب وحده هو مصدر الشرعية، ومن ثم فإن استشارة الشعب-تحت المادة 38 – هي الخيار الأوحد في ظل جدال دستوري لن ينتهي إلا ليبدأ من جديد. ويسمي هذا فرضَ عينٍ.
و من حيث الشكل، فإن معارضي التعديلات يصفونها ب”الكارثة” أما من حيث المضمون، فإنهم مصابون بالإحباط لأن الرئيس لا يريد “مأمورية ثالثة”، و هو ما كانت المعارضة تراهن عليه و تعتبره حدثا مؤكدا، بَنَت عليه كافة سيناريوهاتها التكتيكية. ويسمي هذا سحب بساط.
و من حيث الشكل فإن بعض المُشككين يُطْنِبون في انتقاد التعديلات المقترحة، أما من حيث المضمون فإنهم يفشلون في شرح “الأخطار” المترتبة على هذه التعدبلات وفي أغلب الحالات، يخرج هؤلاء باستنتاج مجاني بأن تعديلا حول “مأمورية ثالثة” سيخرج لا محالة من عباءة المجالس الجهوية، إن لم يكن من فضفاضة العلم المقترح. ويسمي هذا تأزيما.
و من حيث الشكل فإن البعض لا يتجاوز قضية التشبث بالعلم الحالي و الذي لا يعرف أحد لماذا يرمز بالضبط، أما من حيث المضمون فإن الأمر يتعلق بحزمة من التعديلات ذات القيمة لمستقبل البلد. ويسمي هذا حراكا.
و من حيث الشكل فإن إضافة خطين أحمرين هو مجرد لون ثالث إلى ألوان العلم، أما من حيث المضمون فإن العلم المقترح سيعود بنا لذكري دماء الشهداء من أمثال بكار، سيد احمد، سيدي، سيد اعل، ،عبدول كان،وجاهه، ول مياره، ول عبدوك، ول امسيكه، ول باريك، ول بحاي، اسويدات.. مرورا إلى آلاف شهداء المقاومة، مرورا إلى شهداء تورين و الغلاوية، مرورا إلى آلاف الذين ماتوا من أجل أن تعيش موريتانيا. ويسمي هذا تخليدا.
و من حيث الشكل، فنقول لرئيس الجمهورية لقد أعطيتَ فرصة مناسبة لكل الفاعلين الدستوريين، أما من حيث المضمون فتَقولُ له أغلبية الشعب السائرة معه “فإذا عزمت فتوكل”. ويسمي هذا سيادة.
و من حيث الشكل فإن عشرات الأصوات تباكت على مواد دستورية غير مُحَصنة و غير ذات قيمة تأسيسية حقيقية، أما من حيث المضمون فإن الإصلاحات المنتظرة هي التي يجب أن تصنع الفرق عبر رؤية وطنية و طموحة. ويسمي هذا تخوفا.
و من حيث الشكل فيعتقد بعض السياسيين بإمكانية تخلي الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن توجهه الذي أعلنه للشعب و المتعلق بعرض جملة من التعديلات الدستورية التى تخدم الأمة، أما من حيث المضمون فإن الجميع يدرك أن زعيما خاطر بحياته مرات من أجل الأمة، لن تُثَبِطَ من عزيمته مجموعة من السياسيين الحالمين بالوصول إلى السلطة. ويسمي هذا اتْغَشْمِي.
وبين فهمنا للشكل و المضمون، يتعين على الجميع التحلى بالذوق العام و النأي عن التخوين و التجريح. فلا وصاية لأحد على أحد و لا يحق لأحد التفكير بالنيابة عن أحد و التوجهات خيارات و المواقف خيارات و القناعات خيارات و بطبيعة الحال.. ويْ و نونْ خيارات. السلام عليكم.