
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية داخل الأراضي المالية، يواجه أحد أهم الروابط الروحية والاجتماعية بين موريتانيا ومالي تهديدًا غير مسبوق، وسط صمت لافت من القوى السياسية والمجتمعية في موريتانيا.
هذا الرابط يتمثل في شخصية الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله، الذي يُعد منذ ما يقرب من قرن من الزمن أحد أبرز رموز السكينة والاعتدال في المنطقة، وركنًا ثابتًا من أركان الاستقرار بين البلدين الجارين.
رمز تاريخي.. وكنز يتجاوز الحدود
منذ إن اتخذ الخليفة العام ، الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله مدينة أنيورو في مالي مقرًا لزعامة الطريقة الحموية، ليصبح مع مرور العقود شخصية محورية لعبت دورًا يتجاوز البعد الديني إلى التأثير الاجتماعي والسياسي.
فقد كان — ولا يزال — ملاذًا لحل النزاعات البينية، ومرجعًا للعلم والمعرفة، حتى أطلق عليه أتباعه وعموم سكان المنطقة لقب "بوي"، في إشارة إلى مكانته الجامعة وقدرته على خلق التوازن والانسجام.
تمثل الطريقة الحموية اليوم واحدة من أكبر الطرق الصوفية في العالم الإسلامي، ولها حضور قوي في موريتانيا، مالي، وعموم غرب إفريقيا، مما جعل من الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله شخصية ذات تأثير عابر للحدود.
تهديدات جديدة في قلب الصحراء
غير أن التحولات الأمنية العميقة في مالي خلال العقد الأخير، وظهور الجماعات المسلحة، وتداخل مصالح القوى الكبرى المتنافسة على النفوذ والثروات، جعلت هذا "الكنز" المشترك مهددًا أكثر من أي وقت مضى.
فمدينة أنيورو نفسها تقع على مرمى حجر من الأراضي الموريتانية، وتحديدًا من مدينة كوبني بولاية الحوض الغربي، حيث لا تتجاوز المسافة بينهما بضعة كيلومترات عبر طرق تعبرها القبائل والعائلات المشتركة تاريخيًا.
ومع ذلك، لم تُفعّل حتى الآن آليات حقيقية للتنسيق الأمني والإنساني التي تضمن حماية المنطقة وسلامة سكانها وزوّارها.
أهمية التنسيق الموريتاني المالي
يطالب سكان الحدود، إضافة إلى أتباع الطريقة الحموية في البلدين، بتقوية التنسيق بين نواكشوط وباماكو بشكل عاجل، حفاظًا على سلامة المنطقة، وتسهيل حركة المواطنين والتبادل التجاري، والأهم من ذلك حماية المركز الروحي في أنيورو الذي يشكل موردًا لا يُقدّر بثمن للسلام الاجتماعي.
فأيّ تهديد لمكانة الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله يعني تهديدًا مباشرًا لشبكات واسعة من التأثير الروحي والاجتماعي التي ظلت، لعقود طويلة، عامل استقرار بين شعوب المنطقة.
شخصية استثنائية في خدمة الدين والمجتمع
يُعد الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله اليوم أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في غرب إفريقيا والمغرب العربي، بعد أن كرّس حياته لخدمة الدين الإسلامي ونشر قيم التسامح والاعتدال، وتثبيت الروابط بين الشعوب.
وقد منحت هذه المكانة لزعيم الطريقة الحموية دورًا لا يمكن تجاهله في المشهدين الديني والسياسي في البلدين.
يبقى السؤال الملح:
هل تدرك السلطات الموريتانية والمالية — ومعهما القوى الإقليمية — أن حماية هذا "الكنز المشترك" ليست مجرد قضية دينية، بل هي رهان استراتيجي على الاستقرار والتعايش في منطقة تعصف بها الصراعات؟
إن التاريخ يُظهر بوضوح أن وجود الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله في أنيورو لم يكن يومًا مجرد حضور روحي، بل كان ولا يزال صمّام أمان يربط بين شعبين وجارين يحتاجان اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى صوت الحكمة والاعتدال.
أبي محمد بون

.jpg)
.jpg)
.gif)



.jpg)
