حينما حطت الطائرة بمطار القاهرة كنت بين اليقظة والنوم أخرج من غفوة مفعمة بالأحلام .. أرفل بمخيلتي ووجداني خارج الزمان والمكان فأنا أصل الأرض المباركة أرض الأنبياء والأولياء والصالحين .. أرض العظماء الذين ارتبطوا بمصر منذ أقدم الدهارير .. فنوح عليه السلام دعا لإبنه الصالح "حام" الذي قد يكون أول من حكم مصر بقوله: "اللهم إنه أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد".
ويروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فذلك خير أجناد الأرض .. فقال ولم يارسول الله؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم الدين".
مصر كانت دائما أرض الأنبياء والصالحين والقديسين فقد احتضنت إبراهيم الخليل ، وإسماعيل ، وإدريس ، ويعقوب ، ويوسف ، و 12 سبطا وولد بها موسي وهارون ويوشع بن نون ودانيال وأرميا ولقمان ومنها مؤمن آل فرعون الذي ذكر في القرآن ومنها الرجل الصالح الخضر وآسية امرأة فرعون وأم إسحاق ومريم ابنت عمران ومنها زليخة التي تزوج منها يوسف عليه السلام ومنها أم المؤمنين مارية القبطية التي أنجبت لرسول لله صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم ..
أما الملوك بناة الحضارة والقادة الفاتحون فهم فسيفساء أرض مصر العصية...
نشوة ما مثلها نشوة أن تطأ قدمك الأرض المباركة وتعايش الشعب العظيم الذي صد التتار والمغول والصليبيين والصهاينة والذي يتصدي اليوم ببسالة لجحافل الفكر المأزوم فكر الارهاب والتطرف ويحبط بتضحيات جسام نبوءات الفوضي الخلاقه ويعيد الزمن العربي والاسلامي إلى مجراه الحضاري .. إلى هذا الحد من تهافت الخواطر كان الركاب قد نزلوا وتقدمت مني المضيفة مستفسرة: هل أنت بخير سيدي؟ هل تحتاج مساعدة؟
أجبت أنا بخير..!!! لكنني لست كباقي الركاب هم ينهون رحلة من الدار البيضاء وأنا أعود من رحلات لا بداية لها ولا نهاية نحو وجهة عابرة للزمن ..!!!
حملت حقيبتي وتسللت خارج الطائرة لتلفحني نسمات الصباح القاهري وتعيدني إلى كلكل الواقع إلى مصر كما هي الآن .. فهذه المرة أزورها ضمن وفد لقيادات الاعلام الافريقي مكون من 25 دولة وكما كان الحلم منعشا كانت الزيارة حافلة بالمفاجئات السعيدة أولها مطار القاهرة الدولي الجديد الذي كان بوابة دخولنا والذي يسخر آخر تقنيات السفر والاستقبال لجعل الوصول مريحا وممتعا .. ثم كانت حفاوة استقبال د. حازم فهمي مدير الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية وعباراته الفياضة بمعاني المحبة والاحتضان "مرحبا بكم أيها الأشقاء الأفارقة .. ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" تحركوا في أي اتجاه ونحو أي مكان وقابلوا من تشاؤون .. نحن منكم وأنتم منا هكذا كان الماضي وهكذا هو الحاضر وهكذا نستشرف المستقبل المشرق لقارتنا.
خلال فترة تواجدنا في مصر التي استمرت من 26 فبراير إلى 15 مارس 2017 عشنا على الميدان صدقية ما قله الدكتور حازم لحظة الوصول وأدركنا أنه غيض من فيض مشاعر المصريين من كل المستويات فقد أكرموا وفادتنا وفتحوا لنا صدورهم وقلوبهم وعقولهم ومكاتبهم وبيوتهم على مدى 3 أسابيع كنا خلالها موضع حفاوة لا تستغرب على شعب مصر الكريم الأصيل المضياف.
متعة اللقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي
تجولنا على مدى 10 أيام في مدن مصر وقراها وأريافها ومواقعها الأثرية ولمسنا ما تنعم به البلاد من حرية وأمن واستقرار ولمسنا ميدانيا ما تشهده من أوراش بناء متسارعة لتحقيق التنمية المستدامة في شى المجالات وقابلنا كوكبة لامعة من مختلف الفاعلين المصريين الخصوصيين والعموميين وجمعتنا لقاءات مكاشفة صريحة مع قامات مرجعية سامقة على رأسها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا توادروس بابا الكنيسة القبطية الأرتدكسية ورؤساء لجان البرلمان ورؤساء رجال الأعمال وقادة القوات المسلحة وقوات الأمن ومسيرو مرافق حيوية هامة كهيئة قناة السويس والرقابة الإدارية بالإضافة إلى عينة متكاملة من قادة الرأي الاعلاميين والمفكرين والساسة .. وتفاعلنا بكل حرية مع مصريين عاديين من مختلف المشارب.
وتتويجا لكل هذا التواصل العفوي البناء كنا على موعد مع فخامة الرئيس المشير عبد الفتاح السيسي يوم 12 مارس 2017 حيث انتقلنا مباشرة من وادي الملوك بضواحي الأقصر إلى القصر الرئاسي بالقاهرة .. هنالك قابلنا الرئيس عبد الفتاح السيسي وبمجرد طلعته تحطمت صور نمطية كثيرة فالرجل أنيق متحضر هادئ مهذب مثقف ومقنع تشعرك حميميته وصوته الدافئ وعباراته الودية بأنك تعرفه من زمن بعيد كما لو كانت تربطكما علاقة أعمق من المظاهر.
عبد الفتاح السيسي قائد محنك ورئيس وهو صاحب فكر ومشروع ورؤية واضحة فيه الكثير من قومية ووطنية عبد الناصر وسعد زغلول وفيه شيء من برغماتية أنور السادات وشجاعة وتضحية عبد المنعم رياض هو ابن مميز للقوات المسلحة وابن بار لمصر ولكل أهل مصر وهو متميز بشجاعته وإنسانيته وثقافته الواسعة وإحاطته القوية بكل الملفات المحلية والاقليمية والدولية .. هو رجل المرحلة الذي يقود مصر بحكمة وتبصر نحو أفق يؤمن لها الإبحار الآمن في أشرعة الزمن الجديد.
رحب الرئيس في مستهل كلمته بنا وتقبل كل أسئلتنا بصدر رحب ورد عليها ردودا شافية وافية.
فعن علاقة مصر بإفريقيا أكد الرئيس بأن إفريقيا في القلب والوجدان وأن مصر إفريقية في دمائها في ماضيها وفي حاضرها وستظل كذلك في مستقبلها .. مصر تطمح لعلاقات إفريقية متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل وتشبيك الجهود فى شتى مجالات العمل التنموي لعموم إفريقيا من خلال المؤسسات القائمة وانسجاما مع رؤي وتطلعات قادة إفريقيا وشعبوها.
وعن موضوع المياه أكد الرئيس ان مصر تحترم كل المواثيق الدولية التي تحفظ الحقوق للجميع ولا يضايقها أن يستغل الأشقاء الإثيوبيون سد النهضة لتوليد الكهرباء على أن لا يؤثر ذلك في حصص دول المجرى ودولة المصب من مياه النيل التي تعتبر مصر ثبات منسوبها قضية استراتيجية ، فمقاربة مصر هي صيانة مصالح الجميع وتعزيز أوجه التعاون والتكامل بين دول المنبع والمجرى ودولة المصب.
وبالنسبة لموضوع الإرهاب تحدث الرئيس عن كل الجهود الوقائية والعلاجية التي تقوم بها مصر لمكافحته والقضاء عليه وتجفيف منابعه مشيرا إلى أن مصر تضحي وتصبر على أذي أطراف لم يسمها داعمة للإرهاب ، وأكد أن مصر التي قدمت تضحيات جسيمة واثقة من النصر المبين وأنها تخوض معارك التنمية وصنع الغد المشرق لكل أبنائها فمصر باقية والارهاب زائل.
وتحدث الرئيس عن سعي مصر مع أشقائها في المغرب العربي ومع أصدقائها الدوليين لإيجاد حل لأزمة ليبيا التي تشترك مع مصر في حدود تصل 1200 كلم وتربطها بها أواصر أخوة أزلية وعبر عن حرص مصر على وحدة ليبيا وصيانة حوزتها الترابية وحقن دماء أبنائها ومساعدتهم لحل مشاكلهم والتفرغ لبناء دولة ليبية جديدة تتسع لكل مكونات الشعب الليبي.
واختتم الرئيس حديثه بأن خبرة مصر ومواردها رهن إشارة الأشقاء الأفارقة وأنها بهم ومعهم تتطلع لبناء غد إفريقي أفضل يعيد أم القارات منبع الحضارات موطن الثروات لصدارة عالم الألفية الثالثة وما بعدها معتبرا أن إفريقيا هي قارة المستقبل.
أحمد مصطفى