لم يكن أحد منا يريد ما حصل من رفض مجلس الشيوج للتعديلات الدستورية، لأن الأغلبية الحاكمة ببساطة تملك الغالبية العظمي من أعضائه، ولأن "التعديلات الدستورية" في حقيقتها وجوهرها لا تتضمن ما يستحق رفضها من المعارضة ـ لو كانت ثمة معارضة منصفة ـ ناهيك عن الموالاة، ولكن الممارسة الديمقراطية علمتنا عبر محطات عديدة، ونماذج مختلفة، أنه قد تحصل بعض المستجدات أو المتغيرات غير المعقلن التي لم نكن نرجحها أو نحسب لها حسابا. ولكن عندما تحصل تلك الأمور التي تخالف ما كنا نتوقعه يجب علينا أن نتعامل معها، وكأنها ظواهر ديمقراطية، وهذا يعني أن نشتغل عليها من أجل دمقرطتها أي إلباسها لبوسا ديمقراطيا.
وذلك يستلزم منكم فخامة الرئيس اتخاذ الخطوات التالية:
أولا ـ التعاطي مع ما حدث وكأنه حدث ديمقراطي عادي، لا يتلزم تشنجا أو اتخاذ إجراءات استثنائية، بل يجب أن تنظرو في ما حدث بروية وهدوء وتأن وثبات، حينها ستدركون فخامة الرئيس أنه "رب ضارة نافعة" وأن ما حدث من طرف مجلس الشيوخ المحترم هو حركة "تافهة" لا معني لها سيتبين بعد حين أن السادة الشيوخ هم وحدهم أكبر ضحاياها وأكثر الخاسرين فيها .
لأن السياسة في حقيقتها هي فن الممكن، وليس من السياسة في شيء ولا من العقل في شيء أن يقوم منتخب بالتمرد علي طرح حزبه والخروج علي نسقه السياسي وانتمائه الفكري، مقابل تصفيقة ساخرة من معارض، أو صفير من مراهق، أو إشادة من كاتب كسول، لأن الفعل السياسي بكل بساطة هو "عمل" واقعي، على صاحبه أن يعرف مصلحته ويعرف كيف يصل إليها من دون أن يشغل نفسه ببنيات الطريق، أو التقاط صورة هنا أو إعطاء تصريح لقناة هناك، كما رأينا وللأسف من بعض الشيوخ المحترمين الذين ظهروا وكأنهم اطفال .
ثانيا ـ عدم الإنصات للذين يطالبون بحل البرلمان أو الحكومة، أو كتابة دستور جديد ...... ألخ
لأن كل هذه الأمور ستعطي للحدث بعدا لايستحقه أصلا ولا يستدعيه على الإطلاق، وستزيد من ضجيج وصخب الشامتين والمعارضة، الأمر الذي سيشوش علي المواطن البسيط، وربما يجعله يصدق أن النظام ضعيف، وأن الرئيس والحكومة هما غير متماسكين، وينحنون أمام كل عاصفة، حتي ولو كانت صغيرة مثلما جرى من عدم إجازة مجلس الشيوخ للتعديلات الدستورية .
لا شك سيدي الرئيس أنكم تدركون أن رسائل من هذا القبيل لا يجب أن تصل المواطن، الذي يراهن حتى هذه اللحظة على قوة الرئيس والحكومة ، وقدرة مؤسساته علي امتصاص الصدمات، وهذا ما يعطيه الأمل بأن جميع التحديات التي واجهته وستواجهه يمكن تجاوزها وتخطيها، بل وتحويلها لانتصارات.
ثالثا ـ العمل من خلال اللجنة المشرفة علي الحوار علي إيجاد حلول واتخاذ تدابير جديدة لتمرير التعديلات الدستورية بطريقة قانونية سليمة وهادئة، وذلك بعد الركون إلي القراءات والتأويلات الممكنة التي يتيحها الدستور، من طرف وطنيين مبرزين وخبراء بالمجال وهو لا شك يتيحها. وعنئذ سنكون مطمئنين جميعا علي أن التعديلات الدستورية سيصادق عليها وستجاز بأغلبية مريحة، لأنه تم استثمار ما حصل في مجلس الشيوخ بطريقة بناءة ومعقلنة، الأمر الذى سيضمن نتائج إجابية، وسيجعل موريتانيا في المستقبل غدوة للعالمين العربي والإفريقي، في القدرة علي امتصاص أزماتها السياسية وإدارتها بأناة وروية، وذلك بتوفير حلول مرضية وسليمة ولا تكلف أية خسائر. وبهذه الطريقة نكون أحسنا التعامل مع المقولة العسكرية : " إن الضربة التي لا تقسم ظهرك تزيدك قوة" وهذا الضبط ما نريده سيدي الرئيس أن يكون الرد الأمثل علي ما حدث أخيرا في "مجلس الشيوخ"
د. محمد ولد بادي