عطلة الرئيس: حضور المعنى وغياب الصخب / محمد ولد لحظانا

جمعة, 15/08/2025 - 10:29

في زمن تغلب فيه المظاهر على الجوهر، قد يمرّ فعل بسيط في شكله، لكنه عميق في دلالته، إذا ما قُرئ كما ينبغي. أن يختار رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني قضاء عطلته بعيدًا عن ضجيج المراسيم وبهرجة الاستقبال، ليس تفصيلاً بروتوكوليًا عابرًا، بل رسالة واضحة: المكانة لا تُقاس بطول الصفوف ولا بعلوّ الهتافات، بل بصفاء النية وانشغال القلب بما هو أعظم من الذات.

ذلك الهدوء المتعمّد لا يعبّر فقط عن أسلوب شخصي، بل يكشف نمطًا قياديًا نادرًا. ففي بيئة سياسية اعتادت أن تزن المواقف بقدر الصخب المرافق لها، يأتي هذا المشهد ليذكّر بأن الجوهر أعمق من العرض، وأن القيادة الحقيقية تُقاس بفعل الصواب لا بمظاهر التقدير العابر. فقضاء العطلة بين الأهل والأحبة لا يحتاج إلى استعراض أو صخب، بل يكفيه أن يكون زمنًا صافيًا يستعيد فيه المرء إنسانيته بعيدًا عن أضواء المنصات وعدسات الكاميرات، وكأن الرسالة تقول: هناك أوقات يُقاس فيها الحضور بعمق المعنى لا بسطوع الصورة.

وإذا ما تحوّل هذا الهدوء إلى ثقافة عامة، فإنه يصبح نموذجًا يُحتذى في كل مستويات المسؤولية. ففي وقت قد يختزل فيه البعض قضاء العطلة في الداخل في الاحتفالات والصور والزخم الإعلامي، يجيء هذا النموذج ليؤكد أن القيمة الحقيقية ليست في الضجيج المرافق، بل في المعنى الذي يحمله الفعل نفسه. عندها يصبح التجرّد من الطقوس الزائدة علامة قوة، ودليل انشغال بالمصلحة العامة لا بالسعي لتكريس صورة شخصية. أما حين تُساء قراءة الرسائل أو تُستغل لأغراض ضيقة، يفقد المجتمع فرصة ترسيخ قيم التواضع والابتعاد عن الاستعراض، ويضيع الجوهر وسط صخب بلا جدوى.

وهكذا نفهم القيادة: حين يكتفي صاحب القرار بفعل الصواب بصمت، ويترك للآخرين حرية أن يلتقطوا المعنى أو أن يفوّتوه، يبقى الفعل في جوهره درسًا خالدًا، يعلّم أن التأثير الحقيقي لا يحتاج دائمًا إلى صخب أو ضجيج، بل إلى نية صافية وحرص على ما هو أبقى من الذات.

محمد لحظانه، المستشار الفني لوزير التجهيز والنقل مكلف بالنقل الجوي