المهندس يحيى ولد حدمين.. رجل الدولة بين نزاهة الأداء وسياط الاستهداف

أربعاء, 26/02/2025 - 21:03

حين تترسخ أقدام الرجال في معارج المجد، ويثبتون في مواطن العزم، تشتد عليهم سهام المتربصين، وتتكالب عليهم جحافل الحاقدين، فالأمواج لا تعصف إلا بشجر النخيل الباسق، والريح لا تشتد إلا على من وقف شامخًا يناطح الصعاب. تلك سنة الحياة، وناموس التاريخ، وما تعرض له المهندس يحيى ولد حدمين إلا مثال ناطق على ذلك.

رجلٌ أفنى عمره في خدمة وطنه، متنقلًا بين المحطات المهنية بإخلاص نادر، بدءًا من صروح التكوين العريقة في كندا، وصولًا إلى إدارة أعقد الملفات الوطنية، حتى تربّع على سدّة الوزارة الأولى، فكان شعاره الإصلاح، وديدنه الصرامة، وبوصلته النزاهة. لكن، وكما هو معلوم، فإن من يفتح ملفات الفساد، ويكسر جدار الصمت حول العبث بالمال العام، لا بد أن يجد في طريقه خصومًا تتشابك مصالحهم، فيتخذون من الاستهداف سلاحًا، ومن التزييف مطيةً للنيل من سمعته واغتيال شخصيته.

لقد مثل المهندس يحيى ولد حدمين مدرسةً في الإدارة الحازمة، ورمزًا في محاربة الفساد، فلم يكن رجل المجاملة ولا صاحب الصفقات المشبوهة، بل كان عونًا للعدالة، وكابحًا لجماح التلاعب بالمال العام، الأمر الذي جعل منه هدفًا لكثير من الجهات التي تضررت من نهجه الإصلاحي الصارم.

فعندما فتح ملفات فساد الأرز وكشف عن اختلالات مهولة بقيمة 5 مليارات أوقية، لم يكن يدرك أنه بفعله هذا يضع قدميه على جمر الاستهداف، وحين حال دون تسرب 25 ألف طن من الأرز الفاسد إلى موائد المواطنين، كان يضع حجرًا في طريق قوى الفساد، التي اعتادت على نهب المال العام دون حسيب أو رقيب.

لم تتوقف حربه ضد الفساد عند هذا الحد، بل شملت التدقيق في أوضاع الموظفين، فاكتشف وجود أكثر من 2000 موظف يتقاضون عدة رواتب، وهو ما كلف خزينة الدولة 1.5 مليار أوقية سنويًا، كما أماط اللثام عن زيف ادعاءات البنوك التي ظلت لعقود تقدم تقارير كاذبة عن الإفلاس، وما إن حاصرها بالحقائق حتى سددت للخزينة 6 مليارات أوقية سنويًا.

لم تكن هذه سوى نماذج من حربه التي شنها على الفساد، لكن المفارقة أن من كان بالأمس رأس الحربة في مكافحة التلاعب بالمال العام، وجد نفسه اليوم متهمًا في قضايا صنعها أعداؤه، وفُبركت له ملفات كان هو أول من كشف خيوطها وأحال المتورطين فيها إلى القضاء.

إن الاستهداف الذي تعرض له لم يكن مجرد مسألة قضائية عابرة، بل كان تصفية حسابات بامتياز، إذ أن الوزراء الذين وقعوا صفقات البيع والتفريط في المدارس لم يُستدعوا، وأعضاء اللجان الذين شاركوا في اتخاذ قرارات مفصلية لم يُسألوا، فيما كان نصيب يحيى ولد حدمين المرافعات والاتهامات، وكأنما يراد تحويل مسار الحقيقة وطمس معالمها.

اليوم، وأمام هذا المشهد الجائر، لا بد أن يُقال الحق، ولا بد أن يُنصف الرجل، فالتاريخ لا يكتب إلا بأحرف العدل، والعدالة لا تقوم إلا على ميزان الحق، ومن كان بالأمس سيفًا مسلولًا على الفساد، لا يجوز أن يكون اليوم ضحية لأباطيله وأربابه.

إن المهندس يحيى ولد حدمين لم يكن مجرد موظف حكومي عابر، بل كان رجل دولة من طراز رفيع، اجتمعت فيه صرامة الموقف، ونزاهة اليد، ورجاحة العقل، فكان أن أصبح خصمًا لمراكز النفوذ التي لم تستسغ أسلوبه في كشف الفساد وإيقاف نزيف المال العام.

فالعدالة لا تعرف الانتقائية، ولا تقبل الكيل بمكيالين، ومن رفع راية الإصلاح لا ينبغي أن يُقاد بسلاسل الافتراء، ولذا فإن صوت الإنصاف يعلو اليوم ليقول: لا تحكموا إلا بما يقتضيه الحق، ولا تسيروا إلا في درب العدل، فإن الحق مهما طال غيابه، لا بد أن ينجلي، وإن الظلم مهما استبد، لا بد أن ينهار.

"وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"
شيخنا محمد يب