مدلهمة هي الأوضاع السياسية في البلد وملطخ إلى حد السواد مستقبل أيامها القريب مما يدفع بالمحللين والمهتمين بالشأن العام إلى الإسهاب في التكهنات والتوقعات المتعلقة بتلك الأيام القادمة ، وهذا في حد ذاته يعتبر انجازا يجبُ أن تحتفي به الأغلبية ورموزها لأن رئيس الدولة استطاع بكلمة له على قناة فرنس24 إفحام كل إنسان في هذا المستنقع "طبعا سأدعم من أرى أنه أهلا لقيادة البلد" وعلى ما يبدو أن وقع تلك الكلمة كان كبيرا جدا فأقسم ظهور رجال وألوى عنق آخرين ولخبط أجواء أقوام كانوا يتوقون إلى تلك اللحظة ، لكن والحال هذه والناس والمحللون وركاب التاكسي في عاصمتنا الحبيبة ومن يحمل قلبه مثقال ذرة من حب هذا الوطن ومن هو مهتم بشأن العام يتقاولون في مرحلة ما بعد 2019 ويحاولون بناء على فراستهم الخاصة والممزوجة بالتجربة العميقة لحكم هذا الرجل الذي صرح بأنه مغادر ، استوقفتني نقاط أحبُ أن أدونها أنا أيضا بوصفي مواطن بسيط أحملُ في قلبي الحب كل الحب لهذا الوطن الأبي وأتنمى أن لو يجمعني البدرُ بلياليه المعطرة من شذا بيروت ، وأن أزور في حبه أنا وهو العلياء نرتشف من رحيقها ما شأنا ونسكن هناك ، حيث لا دسائس ولا خداع ولا مؤامرات ولا فقر ولا تهميش ولا اضطهاد...
هناك فرضيات عدة وأشخاص على الواجهة مقدمون كاقتراحات لمرحلة ما بعد 2019 ومع أن الكثير يجزم على بعضهم ويراه مناسبا إلى أني لا أوفقهم الرأي لأسباب سأعرضها إن شاء الله ، لكن قبل ذلك يجبُ أن أبين أن الهرم السلوطي فينا مقسم وظيفيا إلى اعتبارات جهوية وعرقية حتى ، فالرئيس محتم عليه بعد انقلاب 1978 وبعد نجاح انقلابات أخرى حدثت داخل ذلك الانقلاب ، أن يكون من أهل الشمال أو تربطه بهم صلة عميقة لكي ترفعه عن واقع التجاذب والاختلاف والحرج الاجتماعي الفعلي بين من أهل "الكبلة والشرق" ثم أن الوزير الأول يكون من أهل الشرق تعويضا عن التهميش والإهمال وتقديرا لحجم الخزان الاجتماعي الكبير الذي تحظى به المنطقة في حين أن المنطقة الغربية (الكبلة) تسيطر على مفاصل الدولة الأخرى لأنهم أهل الثقافة والمعرفة وووو ....
بناء على ذلك يمكن أن نقدم ملامح أولية لطبيعة الرئيس القادم دون تحديد شخصه ، ونعترف بعد ذلك أن كل هذه التأويلات والقراءات مقصودة من أجل إشغال الناس عن هموم المواطنين وعن عطش أهل النعمة وعن ما سيلحق بالمجتمع وبالجمهورية مستقبلا لو أجاز البرلمان الدستور الحالي ، مما يعني أننا نتعامل مع اناس لا تهمهم المصلحة العامة إلى بالقدر الذي يسعون من خلالها إلى تحقيق أهدافهم ومطامعهم ...
هناك أشخاص باتت تسميهم الناس وتعرفهم وتحاول الناس عن قصد أو عن غير قصد أن تجعل قائمة إختيار الرئيس المستقبلي بينهم وهم (العقيد ولد بايه ورئيس الحزب السابق محمد محمود ولد محمد الأمين وبعض الأصوات ترقع اسم كل من سيد محمد ولد محم وبعض آر يقول بولد محمد الأقظف بالإضافة إلى قائد الأركان العامة للجيوش الحالي ، ولد الغزواني) ، وأرى كما قلتُ بعكس ذلك لاعتبارات منها:
ولد العزواني : القائد الفعلي للجيش بعد ولد عبد العزيز والصديق المخلص له والذي يشهد الجميع على وفائه له ، كما أنه عسكري من الطراز الثقيل وله علاقات واسعة وقبول كبير في أوساط الذين يعملون معه والذين خارج مؤسسته العسكرية أيضا ، صامت يفكر أكثر مما يتكلم على ما يبدو ، لكنه ليس لديه أي طموح سياسي أو رئاسي بشكل خاص ، بدليل أنه إذا كان يطمح للرئاسة لما بقت العلاقة بينه وبين ولد عبد العزيز جيدة على هذا النحو منذ 2005 إلى حد الساعة ، ذلك أن صاحب الطمع والطموح المتفرد مستحيل أن يصادق أحد أو يصافيه بالدرجة التي يصادق بها ولد الغزواني ولد عبد العزيز ، ولو كان يطمح للرئاسة لساءت العلاقة بينهم منذ زمن فالسلطة لا بد لها من تفرد ولو اشترك فيها اثنين لفترة معينة لاستبدّ أحدهما بالآخر .
ولد محم : شخص نافذ وسياسي محنك وداهية من العيار الثقيل اعتمد عليه ولد عبد العزيز في لحظات حرجة وأصبح يثق به نتيجة لما حقق في تلك اللحظات منها ، قيادته نواب حجم الثقة سنة 2008 قبل الانقلاب بقليل لتعم الفوضى السياسية ، مما دفع ولد عبد العزيز للتحفظ به وإبقائه في جنبه طيلة هذه الفترة ، ومن أمثلة ذلك أنه به خاض ثلاث أشواط في الانتخابات البلدية 2013 لكي يضمن نجاحه ، ثم سحبه إلى التمثيل الوظيفي بدل التمثيل البرلماني عندما علم بضعف شعبيته فأوكل إليه الوزير الناطق باسم الحكومة قبل أن يعينه رئيسا للحزب الحاكم ، هذا الرجل من أهل الشمال مما يعني أن فيه معيار مهم من المعاير المتواضع عليها لكنه مستبعد لأنه شخص قوي ، فمن غير المنطقي أن يدعمه عزيز للرئاسيات لأن الأمور بعد نجاحه ستتقلب وسيكون عليه "اي ولد عبد العزيز" الخروج طوعا أو كرها من المشهد السياسي .
محمد محمود ولد محمد الأمين : شخص إيديولوجي يحظى بتقدير كبير عند النخبة ، ومقرب اجتماعيا من ناحية الخؤولة من الرجل الثاني في هذا النظام "ولد الغزواني" مع أنه ينتمي إلى إحدى قبائل الشمال ، لكني استبعد دعمه وترشيحه لمعايير منها أنه قُدم للمشهد عند أول لحظة شاع فيها أن ولد عبد العزيز سيدعم مرشحا في انتخابات 2019 ، فغير منطقي أن تقدم الشخصية التي ستحكم البلاد أو يتنازل لها عزيز عن كرسيه بهذه السهولة ، ضف إلى ذلك قوة الفضاء الاجتماعي الذي ينتمي له ، فقد يتحكم فيه ويجعله يخرج عن الدائرة التي رُسمت سلفا له...
أما مولاي فاستعبده لانتمائه الجهوي ولأخلاقه الإدارية فالرجل رجل إدارة وليس رجل سياسة ومكر ودهاء ، أي أنه من النوع الذي يفكر تفكيرا عقليا وينفذه بدون مراوغة ... والله اعلم ....
أما ولد بايه فإن له علاقة خاصة جدا مع عزيز ومن أقرب مقربيه لكن به سذاجة وبساطة يستحيل أن تتعامل معه بها كل المتواجدين حاليا في فلك داعمي النظام ، ثم إن عند أهل الشرق "الخزان الانتخابي" منه موقف وعنده هو آخرين منهم ورغم عدم محورية ذلك ونسبية دوره قياسا مع دور الدولة إلا أنه يبقى مطروحا كخيار يُضعف من فرص خيارات أخرى ..
وعلى العموم فإن السيناريوهات المقبلة جد صعبة والحقيقة الحقة لم تنكشف بعد ولن تنكشف هذه اللحظات ، ضف إلى ذلك أن اختيار شخص توكل إليه السلطة أمر في غاية الصعوبة ، فإذا نظرنا إلى العامل الشخصي قلنا أن سيدي استطاع أن يخرج عن طوع العسكر مما حتم عليهم ردة فعل مباغتة وانقلاب عاجل ... لكن السيناريو الذي اعتقد أن يؤخذ به هو إفساح المجال للمعارضة من اجل أن تحكم سنة أو سنتين في ظل قيد أمني وإعلامي كبير ،لتُفرز لها مشاكل تبرر انقلابا أو انتخابات استثنائية تعيد النظام الأولي إلى الواجهة ولو كان ذلك دون رأسه الحالي ...
باب ولد سيد أحمد لعلي