إذا اراد الله بعبده خيرا ,هيّأَ له الاسباب حتى يكون كل شيء ميسرا وسهلا , وقد ورد في الحديث القدسي المعروف
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم
" فقرة تقول :
أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم ، وإن أبَوْا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب ، مَن أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد ، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، أقول له : أين تذهب ؟ ألك رب سواي !
وقد حكي التابع الجليل مالك بن دينار قصة توبته بنفسه فقال :
: بدأت حياتي وأنا في قمة الضياع، كنت عاصياً سكيراً، أظلم الناس وآكل الربا، شديد الفجور وكثير المعاصي ولا أخشي فعل المظالم أو إلحاق الضرر بالناس، حتى أصبحوا يتحاشون التعامل معي من شدة ظلمي ومعصيتي ..
وفي يوم من الأيام اشتقت إلى الاستقرار بعد العربدة والفسق والفجور ,ففكرت أن اتزوج وأن يكون لدي طفل او طفلة ، وبالفعل يقول : تزوجت ورزقني الله بطفلة سميتها فاطمة ، كنت أحبها حباً جماً، وكلما رأيتها تكبر أمامي يوماً بعد يوم، زاد الإيمان في قلبي وزاد بُعدي عن المعاصي والآثام .
وعندما بلغت فاطمة عامها الثاني ، كانت كلما وجدتني أمسك كاساً من الخمر، تقترب مني وتزيحه بيديها بعيداً، وكأن الله عز وجل أرسلها تفعل ذلك مع انها لا تفقه شيئا بعد..
وعندما بلغت فاطمة ثلاث سنوات توفاها الله ، فعدتُ أسوأ مما كنت، فلم يكن لدي وقتها الصبر الذي عند المؤمنين حتي اقوي على البلاء وأتحمل الشدائد ، فتلاعب بيّ الشيطان وأعادني الى أسوأ مما كنت فيه .
وفي يوم من الايام جاءني الشيطان ووسوس لي بأن أسكرَ اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل طول حياتي ، فبت طوال الليل وانا أشرب وأشرب، حتى نمت , وحين استغرقت في المنام رأيتني تتقاذفني الأحلام حتي رأيت تلك الرؤيا العجيبة الغريبة..
رأيت وكأني في يوم القيامة وقد أظلمتْ الشمس وتحولت البحار إلي نار وزُلزلت الأرض واجتمع الناس إلى يوم لا ريب فيه، واستمعتُ الى منادٍ ينادي فلان ابن فلان هلمَّ للعرض علي الجبار، فيتحول لونه الى سواد شديد من شدة الخوف، حتي سمعت المنادي ينادي باسمي، فاختفي البشر من حولي وكأنه لا أحد غيرى في هذا اليوم ، ثم رأيت ثعباناً كبيراً قوياً يجري نحوي فاتحاً فمه ، فأخذت أجري وأركض من شدة خوفي، حتي وجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاً، فقلت له في رعب : أرجوك انقذني من هذا الثعبان، فقال العجوز : يا بني أنا ضعيف لا أستطيع، ولكن اركض بأسرع ما تستطيع في هذه الناحية لعلك تنجو .
يقول مالك بن دينار : فجريت حيث أخبرني، والثعبان يجري خلفي حتي وجدت النار أمامي، فعدت مسرعاً والثعبان يتبعني، عدت إلي الرجل واستحلفته بالله أن ينقذني، فبكي لحالي وقال : أجري نحو هذا الجبل لعلك تنجو، فبدأت أجري نحوه والثعبان خلفي حتي رأيت علي الجبل أطفالاً صغاراً، سمعتهم ينادون يا فاطمة انقذي اباك... يا فاطمة انقذي أباك .. يقول ابن مالك : علمت أنها ابنتي فاطمة التي ماتت وعمرها 3 سنوات، هي التي ستنقذني من هذا الموقف العظيم، فأخذتني بيدها اليمني ودفعت الثعبان بيدها اليسرى، ثم جلست في حجري كما كانت تفعل في حياتها وقالت لي يا أبتاه :
"ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله "
فقال ابن دينار : قلت لها يا بنتي أخبريني ما هذا الثعبان الرهيب ؟ فقالت فاطمة : يا ابي هذا عملك السيء وذنوبك , لقد كبَّرْتَها حتي كادت أن تبتلعك، وهذا الرجل الضعيف الذي كان يحاول مساعدتك هو عملك الصالح، أنت أضعفته وأوهنته في حياتك حتي بكي لحالك ,لكنه لا يستطيع ان ينقذك، ولولا أنك انجبتني ومتُّ وأنا صغيرة من غير ذنب لَما كان هناك شيء ينفعك .
يقول ابن دينار : فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ :
قد آن يارب .. قد آن يارب، قد آن يا فاطمة , ثم اغتسلت وخرجت لأداء صلاة الفجر، ونويت التوبة والرجوع إلي الحق ..
ذلك هو مالك بن دينار أحد أئمة التابعين وأحد أكبر العلماء العاملين , فالتوبة تجبُّ ما قبلها , فلنسارع بالتوبة قبل فوات الأوان.
أقرأ أصل القصة بالضغط هنــــــــــــــا