مخطئ من ظن أن تجربة "عثمان سونكو" و "باسيرو ديوماي فاي" في السنغال يمكن استيرادها إلى موريتانيا. هناك ثابت معرفي تقر به كل العلوم الاجتماعية، وهو أن لا مجتمع يتطابق كليا مع مجتمع آخر نظرا لاختلاف المحددات التاريخية والثقافية والاقتصادية. واعتبارا لذلك، فإنه لا مقارنة بين موريتانيا والسنغال رغم ما يربط بين البلدين من تاريخ مشترك وحسن جوار.
إذا كانت الديموقراطية الموريتانية ما زالت تشق طريقها وتنشد إثبات وجودها، فإن الديمقراطية السنغالية تجاوزت صفة الوجود إلى صفة البقاء. إنها باقية لأنها متجذرة. ومتجذرة لأنها ناجحة. وناجحة لأنها فاعلة. الديمقراطية في السنغال نظام سياسي متماسك يقوم على مؤسسات قوية ومتينة من جهة، وعلى طبقة سياسية ومواطنين وجنود متضلعين من ثقافة «الشيء الثابت» من جهة أخرى. أول نائب للسنغال تم انتخابه في البرلمان الفرنسي عام 1914. وعانق البلد التعددية الحزبية منذ العام 1974، وحقق بنجاح عملية تناوب ديمقراطي على السلطة 3 مرات، ولم يشهد أي انقلاب عسكري طوال حياته. وهو بذلك يختلف عن بلادنا اختلافا كبيرا يجعل المقارنة بيننا في غير محلها.
هناك بفضل مؤسسات الدولة الراسخة، والفصل الحقيقي بين السلطات، والصحوة السياسية، ومهنية الإدارة والجيش، والخبرة الانتخابية المتراكمة، والسيطرة على نزاهة وعدالة الاقتراع، يشعر المواطن بالاطمئنان على أمن واستقرار بلده بصرف النظر عن الرئيس المنتخب. ولذلك، يمكنه أن يصوت مرتاح البال؛ لا يخشى نقص خبرةٍ ولا قِلة تجربةٍ من هذا المترشح أو ذاك، لأنه في النهاية يعول على صلابة المؤسسات أكثر مما يعول على شخص الرئيس المنتخب.
أما هنا، فإن الديمقراطية من حيث هي ثقافة وممارسة ومؤسسات ما زالت في طور التأسيس. ونعلم جميعا ما لرئيس الجمهورية من صلاحيات وقوة في نظامنا السياسي. يكاد يكون الفاعل الأوحد في البلاد، صاحب القدرة المطلقة والغلبة على كل شيء. وعليه، فإنه يتعيّن علينا أن نقيس الأمور على مقياس التجربة والخبرة العملية والإلمام بشؤون الدولة وملفاتها، بالإضافة الى النضج ومحاسن الأخلاق عندما نختار رئيسا للجمهورية.
ومن هذا المنطلق، فإن التصويت يوم 29 يونيو 2024 لصالح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني والسير معه على طريق سالك أقرب إلى الحكمة والصواب من مغامرة "اتفَرْكيشْ" والسير على طريق مجهول.
محمد فال ولد بلاّل