عندما قَرَنَ المولى سبحانه وتعالى رضاه برضا الوالدين وعبادته بالاحسان إليهما , كان ذلك
دليلا واضحا لا لبس فيه أن الله لا يقبل عمل عبدٍ عاقٍّ لوالديه , وأنه خسِر الدنيا والآخرة ما لم يتب الى ربه ويحسن إليهما ويبرّهما.
كان رجل كبير في السن يرقد في المستشفى بسبب مرضه وهرم جسده , وكان هناك شاب يزوره كل يوم ويجلس معه لأكثر من ساعة , ويساعده على تناول طعامه واغتساله ونظافته , ثم يأخذه في جولة بحديقة المستشفى يؤنسه فيها ويحدثه أحاديث جميلة تُضحكه وتُدخل السرور الى نفسه , وبعدها يعيده الى سريره و يساعده على الاستلقاء فوقه , ثم يودعه ويذهب بعد أن يطمئن عليه .
وذات يوم دخلت عليه الممرضة لتعطيه الدواء وتتفقد حالته الصحية وقالت له :
“ ما شاء الله هل هذا الشاب الذي يأتيك كل يوم هو إبنك !؟
نظر إليها ولم ينطق , وأغمض عينيه ،
وقال في نفسه “ ليته كان أحد أبنائي .. “
وهمس همسا لا يسمعه أحد سواه وقال :
كلا ليس هذا أحد أبنائي إنما هو شاب محسن كان في ما مضى يتيما تسكن أسرته في الحي الذي كنا نسكن فيه.
وفي تلك الفترة ــ عندما كان صغيرا ــ رأيته مرة وهو يبكي عند باب المسجد بعدما تُوفي
والده فهدَّأْتُه ومسحتُ بيدي على رأسه.. واشتريت له بعضا من الحلوى ، فسكت وابتسم ثم ذهب الى منزل أسرته ,ولم أرَه بعد ذلك الوقت الا من بعيد .
لكنه , ومنذ علِم بوحدتي أنا وزوجتي في البيت ,وأن أولادنا هجرونا ,وكل واحد منهم مضى الى حال سبيله , بدأ يزورنا كل يوم لـيتفقد أحوالنا حتى وَهَنَ جسدي , وضعُف جسمي , ثم أخذ زوجتي معه إلى منزله وجاء بي إلى المستشفى للعلاج .
وعندما كنت أسأله , لماذا يا ولدي تتكبد هذا العناء معنا وتتعب نفسك وتتحمل كل هذه التكاليف.
كان يبتسم ويقول :
"ما زال طعم الحلوى التي اشتريتَها لي في فمي يا عمي.."
اقرأ الاصل من هـــــنا