موريتانيا، والنفق المعتم !!!.

اثنين, 20/05/2024 - 12:26

موريتانيا أو البلاد السائبة أو أرض شنقيط أو بلاد الملثمين، هي رقعة جغرافية مترامية الأطراف تسكنها إثنيات وأعراق متعددة، تشكل إثراء لنسيجها المجتمعي.

حصلت موريتانيا على استقلالها عن المستعمر الفرنسي سنة 1960، ورغم أن هدف الإستعمار من ذلك أصلا هو ربط مستعمراته في غرب إفريقيا بشمالها.

 فإن المستعمر أهمل جانب الإعمار ولم يقم بإنشاء أية بنية تحتية في البلد إلا ما كان من مراكز لأغراض عسكرية.

 

لذا فإن الدولة الفتية أعلنت استقلالها تحت خيام، حيث لا بنية تحتية ولا مراكز حكومية يتم فيها إدارة البلد حديث النشأة.

ورغم مرور زهاء سبعة عقود على تأسيس هذه الدولة؛ فإن واقع هذه "القفار"، لا يزال على ذات الحال، فرغم الأنظمة المتعاقبة على هذا البلد، ورغم الثروات الطبيعية الهائلة

مقارنة مع قلة السكان فإن هشاشة البنية التحتية وانعدامها في كثير من الحالات هي السمة البارزة في المشهد الحضري بالمدن الكبرى ناهيك عن المدن الداخلية وأريافها!.

 

وقد كان من الأسباب المباشرة لهذا الواقع المزري؛ هو عدم الإستقرار السياسي الذي رزحت تحت وطأته البلاد ردحا من الزمن بفعل الإنقلابات العسكرية التي قادها ضباط من الجيش في "موجة هيستيريا حب السلطة"؛ حتى أضحى الموريتانيون يتوقعون في كل يوم أشرقت فيه شمس نهارهم، أن يستمعوا عبر الإذاعة الرسمية أو التلفزيون إلى تلاوة "البيان رقم واحد"،الذي يعني أن ضابطا عسكريا انقلب على زميله المنقلب على سلفه؛ في دوامة من الفوضى والإنقلابات أصبح البلد يلقب معها ببلد الإنقلابات العسكرية "بدلاً من بلد المليون شاعر!".

رغم أنما يسمى التجربة الديمقراطية التي أسس لها العسكر بداية التسعينات لم تكن إلا على مقاساتهم ولخدمة أجنداتهم ولم تكن ذات يوم في مصلحة الشعب وتنمية البلد، فلكي يضمن قادة العسكر الممسكين بزمام السلطة إلى يوم الناس هذا شرعيتهم المزيفة للحكم؛ أنشؤوا خليطا غير متجانس من زعماء القبائل ومشخية الطرق وموظفي الإدارة وقادة لبعض الإثنيات؛ سموه "النخبة!!!"، وبهذا الكوكتيل دجنوا المواطن وصادروا إرادته وحكموه بالباطل وساموه سوء العذابات وويلات الفقر والتهميش والهشاشة وانهارت القيم والأخلاق وأضحى النفاق والتملق سبيلا للرقي في المناصب واستشرى الفساد،وبدد المال العام في مواسم الحملات السياسية لشراء الذمم والتأثير على إرادة الناخبين.

كما قسمت الثروات قسمة ضيزى وأصبحت دولة بين أباطرة الفساد "ورجالات الأعمال"؛ الذين خلقتهم الأنظمة كجنود احتياط لتمريغ أنف المواطن والتحكم في لقمة عيشه.

 

وما تشهده البلاد من أزمات متلاحقة ومتنامية تزداد حدتها يوما بعد يوم ليس؛ إلا دليلا على أزمة كبرى يترنح فيها هذا الوطن كما تترنح "النخب السياسية المشوهة التى خلقتها أنظمة العسكر"؛ والتي عجزت عن الخروج عن طورها الوظيفي الذي أنشئت له رغم ادعائها حب الوطن والحرص على مصلحته، وأي مصلحة تلك التي لم يستطع أصحابها إرساء قواعد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإشاعة روح المواطنة والسعي في المصلحة العامة بعيدا عن المصالح الشخصية!؟

 

لذا نجد تلك النخب متقوقعة على ذاتها، همها إرضاء الحاكم والتزلف له والتسبيح بحمده -مادامت مصالحها الضيقة مصانة،ونصيبها من الكعكة محفوظ- فتراها تتسابق في مبادرات الدعم اللامشروط والمساندة اللامحدودة لهذا الحاكم بل المطالبة بأن يتوج ملكا، وإطرائه بثناء لا يستحقه إلا "الباري سبحانه وتعالى" ، حتى إذا ما أفل نجمه وهوى سلطانه أداروا له الظهر وقلبوا له المجن.

 

 ووسموه بأقذع الأوصاف وقالوا إنه شر مستطير وهو رأس كل بلاء لهذا الوطن والمواطن، في عادة ألفوها وفي "قرابين"؛ وجب عليهم تقديمها لخطب ود الحاكم الجديد وليس نظام "العشرية"؛ كما يسمونه عنا ببعيد.

 

أليس المحمدين هما من كانا في السلطة فما الذي جرى حتى يصبح أحدهما "شيطانا والآخر قديسا".!!!؟

 

نعم إنها موريتانيا التزلف والنفاق والتملق "ونخب العسكر"؛ التي تبدل وجوهها وجلودها ومواقفها عند كل تغيير عسكري بلبوس ديموقراطية العسكر.

 

فإلى أين تتجه موريتانيا مع هذا الواقع المؤلم والخطير، واقع أضحت فيه البلاد مجالا طاردا لسكانه فازدادت هجرة شبابه إلى الخارج، وليست حمى الهجرة إلى الولايات المتحدة الآمريكية إلا خير دليل على ذلك، حيث أفرغ البلد من خيرة شبابه وأضحى مشردا في دول العالم.

 

واقع مزري يعيش فيه المواطن فقرا مدقعا، يعاني فيه من انعدام أبسط مقومات الحياة، فالماء الذي لا تمكن الحياة دونه، أصبح أقصى حلم لديه، ناهيك عن الكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية فهي بالنسبة له مستوى ترف، لا تصله طموحاته.

 

 

واقع مؤسف لم ينجح فيه النظام إلا في تدجين رموز معارضة كانت وإلى وقت قريب تدعي الوصل بالشعب والحرص على مصلحته ومعارضة الأنظمة القائمة لترتمي فجأة في أحضانه بقضها وقضيضها، وكأن نضالاتها لصالح الشعب قد تحققت في رفاهيته وأمنه واستقراره وإبعاد أحذية العسكر الخشنة عن  السلطة ودحرها من القصور كي تستقر على الثغور!

 

واقع مرير أضحى صاحب النفوذ فيه هو الآمر الناهي، طرد فيه المنقبون التلقيديون من مقالعهم وأجهز على نشاطهم الذي وسمه الرسميون ذات يوم بأنه "رافعة اقتصادية للبلد"،ولم يشفع لهم ذلك فهمشت طبقاتهم الكادحة وقطعت أرزاقهم لصالح شركات التعدين لما لذلك من تمكين للقوي على حساب الضعيف.!!

 

واقع مرير عانت فيه قطاعات الصيد البحري والزراعة والتنمية الحيوانية، وقطاعي التعليم والصحة وليست احتجاجات الطلاب والمعلمين والأطباء عنا ببعيد.

 

واقع مؤلم يشهد تفكك النسيج الإجتماعي وشيوع خطاب الكراهية والعنصرية، وتطفح على السطح من خلاله طفيليات بذور الفتنة يغذيها واقع الفقر والحرمان والتهميش وعدم تكافؤ الفرص بين أبناء هذا الشعب!

 

في الآن الذي تبدد فيه خيرات البلد بل يتم إثقال كاهل الأجيال التي لم تولد بديون لا قبل لهم بها، دون ان يكون لتلك الأموال الهائلة أي أثر على أرض الواقع، وبمقارنة بسيطة جدا بين ما قام به "غيث" في إنشاء قرية كاملة بكل بنياتها بمبلغ زهيد مقارنة مع ما أنفقته وكالة تآزر ومفوضية الأمن الغذائي!.

 

نجد أن المليارات الأوقية التي تم الإعلان عن إنفاقها بولايات الداخل والعاصمة لا أثر إيجابي لها في التخفيف من الأزمات التي يتخبط فيها هذا المواطن الفقير.

 

كل هذا يأتي في ظل واقع أمني؛ إقليمي ودولي مشتعل، وليس ما يحدث في حدودنا الشمالية والشرقية إلا برهانا ساطعا على الخطر المدلهم الذي يتربص الدولة وكينونتها.

 

فكم قتلت المسيرات المغربية من أبناء هذا الوطن في الشمال!؟

وكم قتلت قطعان فاغنر ومليشيات الجيش المالي من أبنائنا في الحدود! وكم أحرقوا من تجمعات وكم روعوا وهجروا من أبناء هذا الوطن!؟

 

حتى وصل الأمر بهم إلى انتهاك سيادتنا الوطنية باختراق حدود بلدنا ونشر فيديوهات التباهي بذلك، منكسين علمنا الوطني ومرددين عبارات استفزازية ما كان لها أن تمر !!.

 

 

فأين الرد المناسب والحازم على هذه التحديات؛ أليست لنا أوراق ضغط على مخزن المغرب وعلى انقلابيي مالي!؟

 

أليست موريتانيا بموقعها الإستراتيجي تمثل الشريان الإقتصادي لكلا البلدين!؟

 

أليس قرارا واحدا صائبا يمكن أن يحل الأزمتين بإغلاق الحدود عن الجانبين ومنع دخول بضائع الجارة في الشامل ومنع خروج الحاويات والمؤن من ميناء نواكشوط صوب باماكو!؟

(ال ماهاب اركوبك لا تهاب انتكاس بيه).

 

ولكن أين الرجل القوي الأمين الشجاع الذي سيرد للدولة هيبتها وللمواطن كرامته.!؟

 

 

يأتي هذا التساؤل الذي يطرحه وبحده كل مواطن شريف يحز في نفسه هذا الواقع المر الذي يعيشه البلد ونحن على أبواب "مسرحية انتخابية"؛ ستبدد فيها أموال هذا الشعب وستوكل فيها الأمور إلى غير أهلها.

 

ونحن نقف على بعد أيام معدودات من ذلك الحدث، تبدو الأمور قاتمة أكثر من أي وقت مضى، نقف على مفترق طرق أهم مميزاته:

 

- مسرحية انتخابية هزيلة، ولعبة مكشوفة تم انتقاء لاعبيها بعناية بالغة، وتم تجييش "نخب العسكر" من موظفين سامين حاليين وسابقين ورجالات أعمال ومشيخة تقليدية لتكريس نفس النهج؛ عبر الترغيب والترهيب.!

 

- إتاحة الفرصة كاملة لجناح المتطرفين، الذين يحملون شحنة عنصرية وبذاءات لفظية، في استقطاب الكثير من أبناء هذا الشعب الذين لن يصوتوا لهذا النظام حتى ولو كان الشيطان هو منافسه.

 

 

فإلى أين تتجه موريتانيا وهل إلى سبيل في أن تخرج من نفقها المعتم!؟

 

 

الكاتب، احمد جدو ولد محمد عمو.