أكد الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز أن "الخلاص قريب"، داعيا المواطنين الموريتانيين للانضمام له من أجل إنقاذ البلاد معا يوم 29 يونيو القادم، وإعادة البلاد إلى ما وصفها بـ"طريق الازدهار والوحدة والسكينة".
وقال ولد عبد العزيز في رسالة وجهها من سجنه إلى الشعب الموريتاني، إنه يجب على الجميع أن يتحرك، بإصرار وعزيمة، وأن يسعى ويرسم أمامه هدفا واحدا فقط هو: التغيير، تغيير عميق يعيد تشكيل المجتمع، ليتأصل في الديمقراطية، وينمّي روح التضامن وروح الوطنية الإيجابية.
وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين رسالة مفتوحة مواطني الأعزاء،
إن خطابي لكم اليوم من مكان احتجازي التعسفي، ليس لطلب شفقتكم إزاء مصيري؛ فلطالما اعتدت معايشة ابتلاءاتي ومحني بتقبل وحكمة، كما تذوقت نجاحاتي بترو واعتدال؛ مؤمن بأن الحياة مليئة بتسلسل غير منتظم من العسر واليسر، ربما هو ما يدفع الإنسان للجد والاجتهاد.
بل إنني أعود إليكم الآن وأخاطبكم، لأن الأمر بات خطيرا، ليس حبا في السلطة؛ فمعظمكم يعرف علاقتي بها.
في عام 2003 كانت السلطة متاحة، وفي عام 2005 تصرفت لإنهاء المعاناة التي كان يعيشها الشعب بأسره في الوقت الذي كان فيه أبطالُنا في "المعارضة" يجتمعون في "المجمع" بفندق الأحمدي لينحنوا أمام الطغيان والاستعباد والفساد، رافعين راية الاستسلام إلى أقصى درجة. وفي يوم من أيام عام 2005، امتنعت عن التقدم لأدفع نحو تأصيل وترسيخ الديمقراطية في البلاد وفي العقول. لم أكن لأتقدم حتى أغسطس 2008 عندما أُجبرت على التدخل والأخذ بزمام الأمور بعد رؤيتي لتحول البلاد وانزلاقها نحو عدم الاستقرار بشكل لا مفر منه.
كانت أولويتي آنذاك هي إعادة البلاد إلى المسار الصحيح، وتأسيس الديمقراطية، وتعزيز سيادة القانون ومؤسساته، ومكافحة الفساد والتفاوت الاجتماعي، وتأمين البلاد بشكل ُمثبت ومعترف به من الجميع. بعد فترتين من السلام والإنجازات العظيمة، غادرت السلطة، وفقًا لما ينص عليه الدستور، على الرغم من المطالبات من الداخل والخارج للبقاء فيها، غادرت بدون ندم أو مرارة، سعيدًا باستعادة حقوقي وحرياتي كمواطن عادي. ولكن منذ ذلك الحين، توالت علي الاتصالات ولم تتوقف من بعض المواطنين القلقين من مجريات الأحداث والمخذولين من المنعطف الذي آل إليه تسيير وتدبير شؤون البلاد، منهم من يتهمني بحق
بأنني كنت الراعي لهذه السلطة التي يصفونها بالافتراضية.
اليوم، البلد يعاني، بلدنا في وضع يستدعي ويستوجب تدخلنا جميعا أينما كنا حيث تتعرض مبادئ الديمقراطية وأسسها للاستهتار من قبل فريق في السلطة متحد فقط من أجل مصالحه الشخصية، والذي يمارس الاستبداد والإقطاعية والجهوية كنظام للسلطة. كل هذه الآفات مجتمعة تلقي بظلالها السوداء وتأثيراتها السلبية على كافة قطاعات الحياة في البلاد. الأمن يزداد تدهورا داخل البلاد، حيث يتم قتل مواطنينا المسالمين الساعين لتحصيل لقمة عيش كريمة للبقاء على قيد الحياة، بدم بارد على حدودنا الشمالية والجنوبية الشرقية وبالعشرات دون حزن أو أسى ممن يتولون اليوم السلطة. المدن الكبرى في البلاد تسقط الواحدة تلو الأخرى في الظلام الدامس، في حين كان البلد، قبل عشر سنوات، يصدر فائضا من الطاقة إلى بلدين مجاورين. مثل ذلك كمثل انتشار العطش وتوسعه رغم الجهود المبذولة في الماضي والنتائج الإيجابية التي تم تحقيقها والحصول عليها. توقفت أو أهملت المشاريع الكبرى في مجال المياه.
في مجال الصحة وعلى الرغم من التقدم المذهل الذي حدث في العقد الماضي وبالرغم من أهمية هذا القطاع الذي يعتبر قاطرة لتطور البلد، يموت هذا القطاع ببطء ضحية للفساد ولإهمال السلطة الغائبة له وعدم مبالاتها به. مؤسسة طب الأمراض الكبدية والفيروسات، حيث كان من المقرر إجراء أولى عمليات الزرع، دخلت في حالة من الركود أخرت وحالت دون تحقيق كل طموحات البلاد وآمال المرضى. طب الأنكولوجيا الذي تم إنشاؤه خلال العشرية الماضية بعد طول انتظار، وفي وقت قياسي، لم يشهد تطوراً يذكر بل ويفتقر أحياناً إلى وسائل الصيانة لتجهيزاته.
أما التعليم الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة أن يستعيد طريق التحسن من خلال تشييد بنية تحتية حديثة ومراجعة البرامج التعليمية وملاءمتها مع احتياجات سوق العمل، فقد دخل هو الآخر في حالة من الخمول الناتجة عن التخبط والفساد وسوء التدبير.
المؤسسات العامة والشركات الكبيرة التي تمت إعادة هيكلتها وتنقيتها والتي كانت تحقق أرباحا، توجد اليوم كلها، وبعد مرور خمس سنوات، في حالة من شبه الإفلاس التام ومطالبة بالديون الضخمة من طرف البنوك المحلية. وهذا هو الحال بالنسبة لشركة الكهرباء الموريتانية SOMELEC، وشركة الماء SNDE، وشركة توزيع الغاز Somagaz، وشركة الخطوط الجوية MAI، وأُخريات كثر...
ارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية، بفعل زيادة الضرائب والرسوم لنفخ ميزانية موجهة أساسا نحو التسيير والإنفاق على البذخ؛ سيارات فاخرة، طائرة رئاسية... هذا النمط الغير منطقي من الحياة الفاخرة الذي لا يمكن لدول أغنى منا ممارسته يتحمله المواطن الفقير ويدفعه من دمه وعرق جبينه، المواطن الذي لا يجد وظيفة بسبب ارتفاع البطالة، والذي لا يستطيع علاج نفسه وهو مريض، والذي يعيش محاصرا يرهقه الشعور بعدم الأمن والأمان والعطش والظلام. إذا حاول التخلص من توتره بالتعبير لفظيا أو كتابيا لوضع حد لمعاناته، يتم تحديد هويته والتعرف عليه سريعا ويتم سحبه أمام العدالة القبلية للدولة ليتم إطلاق سراحه بعد تخويفه وترهيبه.
لا أحد يتحدث عن الصحافة الحرة، السلطة الرابعة في بعض الدول، هذه التسمية لم تعد موجودة عندنا، حيث أصبحت القنوات الخاصة تحت سيطرة الإذاعة الوطنية لتكون لها منصة توزع أصداءها وترتل أنغامها، ما أفقدها روحها تحت ضغوط القيود أو بمفعول الدراهم. لقد شهدت ميزانية الضغط على وسائل الإعلام والمدونين زيادة بنسبة 300% خلال 4 سنوات في الوقت الذي لم تشهد فيه ميزانية الصحة سوى زيادة ضئيلة بنسبة 38% على مدى 4 سنوات، لا تتناسب مع زيادة ميزانية الدولة التي بلغت في مجملها أكثر من 100% خلال هذه الفترة مقارنة بعام 2019. في قمعها للشعوب، جرت العادة أن تمارس الديكتاتوريات سياسات العصا والجزرة، لكن النظام الخاص بنا يتميز بممارسة الترهيب والتجويع.
على الصعيد العسكري، كان البلد في وضع مريح مقارنة بمحيطه، فقد تمت إعادة هيكلة وتكييف القوات المسلحة وقوات الأمن للتصدي لتحديات الساعة ولمواكبة تطور التهديدات. تم إنشاء مدارس تدريب للقوات البحرية والجوية، وتم تحديث قوات البحرية والجوية لمواكبة القوات الأخرى. ولكن تم تدمير كل هذه الجهود بسبب عجز السلطة الحالية وخمولها وحيوية ونشاط جيراننا في السنوات الأخيرة.
وبإلقاء نظرة سريعة على القطاعات الحيوية الأخرى في البلاد، فإن وضعها ليس أفضل بكثير. فقطاع الصيد الذي كان سابقا صمام أمان للأمن الغذائي والمالي تمت إدارته بالزبونية والمحسوبية، مما أدى إلى منح امتيازات مبالغ فيها لسفن الصيد الأجنبية، بما في ذلك تضييق شباك الصيد وما سبب من أضرار، والسماح بالصيد في مناطق التكاثر الممنوعة.
وبالنسبة لقطاع المناجم، الذي تمت مراجعة معظم النصوص الخاصة به خلال العقد الماضي لجعلها أكثر مردودية وفائدة للبلد وفي نفس الوقت جاذبة للمستثمرين، يتم اليوم تنظيمه بتساهل يتحدى كل الضمائر. هناك تدخلات عديدة تعيق هذا القطاع وتجعل الدولة تخسر مصالحها لصالح الشركات متعددة الجنسيات.
لا يوجد قطاع في الحياة لم يتأثر بهذه المأمورية الرئاسية؛ مأمورية من الكوارث واليأس والحزن والبؤس والتدمير. هذه السنوات الخمس التي تولى فيها هذا النظام قيادة البلد أغرقتنا في جميع أشكال المصائب وأنواع المصاعب وزادت من فقرنا، وأضعفتنا، وأبعدتنا عن كل الآمال، ودفعت بشبابنا، قوة الأمة الحية، إلى الهجرة.
هذه اللوحة غير المكتملة والمظلمة وغير المشرفة هي التي نواجه ونعيشها ونتألم منها. ولتغييرها ولإعادة البلاد إلى المسار الصحيح، يجب علينا جميعا أن نتحرك، بإصرار وعزيمة، وأن نسعى ونرسم أمامنا هدفا واحدا فقط هو: التغيير، تغيير عميق يعيد تشكيل مجتمعنا، ليتأصل في الديمقراطية، وينمي روح التضامن وروح الوطنية الإيجابية.
تغيير يطرد ويستأصل نهائيا الأمراض والآفات التي تنهك مجتمعنا مثل القبلية والجهوية والعرقية وكذلك التعصب الطائفي وغيرها من الأمراض الأخرى. تغيير يُكيف البلاد مع واقعها وإمكانياتها ويأخذ في الاعتبار مكوناتها ويمنح مكانة كبيرة للعدالة والمساواة.
تغيير في هدوء يتم عبر صناديق الاقتراع لصالح الجميع، هذا أمر ممكن. لأنه سيكون دائما هنالك باب مفتوح لفعل الأشياء بشكل جيد عندما نتسلح بالقناعة وبالشعور بالواجب.
هنا، أيها المواطنون الأعزاء، شبابا وشيوخا، نساء ورجالا، أينما كنتم، خلف قطعان ماشيتكم الصغيرة أو في حقولكم تحت أشعة الشمس المشرقة أو في مشاغلكم، أو أثناء ممارسة حرفكم اليدوية أو في متاجركم، تسعون وتبذلون كل قوتكم لتلبية احتياجات عائلاتكم الملحة. يتجه تفكيري وتعاطفي وأتقاسم نفس الشعور مع كل أولئك الذين دفعتهم قساوة الحياة إلى التنقيب عن الذهب، والذين يتعرضون للصعوبات وللخسائر جراء مزاحمة ومضايقة وظلم أتباع هذا النظام الفاشل؛ والذين لا يزالون يتحدون الموت والعقبات الضارة بصحتهم من اجل الحفاظ على كرامتهم وشرفهم.
أقول لكم إن الخلاص قريب وأطلب منكم جميعا الانضمام إلى لكي ننقذ بلادنا معا في الـ29 من يونيو 2024 ونعيدها إلى طريق الازدهار والوحدة والسكينة.
لن أنسى أطرنا، سواء كانوا في خدمة الإدارة العامة أو في القطاع الخاص، سواء كانوا معلمين او أساتذة يضحون من أجل تربية وتعليم الأجيال أو أطباء وممرضين، يمارسون جميعا في ظروف صعبة لكي يوفوا بالتزامهم تجاه الوطن. هذا النداء الخاص موجه أيضا إلى جميع مواطنينا في الأمريكيتين وأفريقيا وأوروبا وفي آسيا، الذين دفعتهم عقود من الظلم والحرمان إلى التشرد المرير، تاركين أحبائهم وأرضهم الأصلية، أحيانا بالمخاطرة بحياتهم. أتذكر الرجال والنساء الشجعان الذين دافعوا ببسالة عن الوطن بدمائهم وحموا ثرواتنا الثقافية والتقليدية وحموا ديننا، وأفكر في جيل الضباط وضباط الصف والجنود الشجعان الذين استلموا راية الدفاع عن الوطن في كل قطاعات القوات المسلحة والأمن ليواصلوا التضحية والتفاني والإخلاص في خدمة الوطن، وهم يدافعون عن كل شبر منه، هؤلاء يستحقون من الوطن كل الامتنان والشكر حتى لو لم يكن ذلك للأسف، هو الحال في كثير من الأحيان.
إلى حكماء البلاد، أقول لا تتركوا إرثا سيئا للأجيال القادمة، دعونا نصحح أخطاءنا! إلى الشباب من النساء والرجال، اتحدوا، تجاوزوا ذواتكم، ولتدركوا حجم قوتكم وتأخذوا مسؤولياتكم بقوة وكونوا محركي وقادة التغيير المطلوب الذي يتمناه وينتظره اليوم الجميع.
إلى الجميع وفي الختام، أطلب وعيا جماعيا بالخطر الذي يهددنا ويحدق بالبلاد والعمل بجد لوضع حد نهائي له والتطلع نحو مستقبل مشرق، يضيء ويفتح الطريق لكل التوقعات.
"لا يمكننا التحكم في سلوك الآخرين وتصرفاتهم، ولكن يمكننا التحكم في اللحظة التي نقرر فيها أن لا نستمر في تحملها".
محمد ولد عبد العزيز الرئيس السابق للجمهورية الإسلامية الموريتانية مرشح في الانتخابات الرئاسية / يونيو 2024 نواكشوط، 27 أبريل 2024 من مكان عزلتي.