بعد مرور 21 سنة على زواجه، بدأ القاسم يشعر بمشاعر حب عميقة تجاه امرأة أخرى
غير زوجته , لقد وجد فيها من الحب والحنان ما لم يجده عند أي امرأة أخرى ، ثم بدأ يزورها بشكل شبه يومي.
وليست هذه المرأة سوى أمه التي مات زوجها وترملت منذ 19 عاماً، وقد ألْهتهُ مشاغل العمل والحياة ودراسة أولاده ومشاكل الاسرة , عن مسؤولية رعايتها والاهتمام بها ، فكان لا يزورها إلا نادراً ، لكن زوجته الطيبة طلبت منه الخروج إليها وزيارتها , بل وقضاء وقت طويل معها , فهي أصبحت كبيرة وضعيفة وتحتاج اليه أكثر من أي وقت مضى ..
في يوم من الايام ــ وبعد أن عاد الزوج من عمله اليومي ــ اتصل بوالدته ودعاها إلي العشاء ، لكنه فوجئ بسؤال أمه له :
هل أنت بخير ؟ رسَم السؤال على وجهه شبح ابتسامة، ولكنه شعر بداخله يتمزق ، حيث أن والدته لم تكن معتادة على مكالمات من هذا النوع منه ، مما جعلها تقلق من مجرد دعوة عشاء بسيطة ، فقال لها : نعم يا أمي انا بخير ولكنني أريد أن اقضي معك بعض الوقت، فقالت أمه : أنا وانت فقط ؟ فكر قليلاً ثم أجاب : نعم بمفردنا فأنا أحب ذلك كثيراً .
وفي الموعد تماماً مرّ عليها وأخذها ، وكان يشعر ببعض القلق والاضطراب ,وعندما قابلها وجدها هي ايضاً قلقة ، غير مصدقة ما يحدث وتشعر بداخلها أن هناك مشكلة ما لحقت به ، ولكنها حاولت أن تضفي على الجو بعض المرح كعادتها قائلة : لقد أخبرتُ الجميع أنني سأخرج اليوم مع ابني، وهم ينتظرون الأخبار التي سأقصها عليهم بعد عودتي بالتفاصيل، فضحك الرجل وزال التوتر من داخله .
ذهبا معاً الي مطعم هادئ وجميل وبدأ يقرأ لها قائمة اسعار وجبات العشاء في الورقة لأنها لا تستطيع أن ترى إلا الاحرف الكبيرة فقط.
وبينما كان يقرأ ,نظرت إليه بابتسامة عريضة وقاطعته قائلة : “كنت أنا من أقرأ لك وأنت صغير” ، فابتسم الرجل وهو يقول : الآن حان موعد تسديد جزء بسيط جداً من ديني تجاهك يا أمي، ارتاحي أنت ، ثم تحدثا طويلا في كثير من القصص القديمة والذكريات حتي أنهما نسيا الوقت تماماً إلى ما بعد منتصف الليل، وعندما عادا إلي المنزل قالت الأم : المرة القادمة التي نخرج فيها سيكون العشاء علي حسابي أنا ، فضحك الابن وقبَّلَ يديها وودعها، وبعد مرور ايام قليلة توفيت الأم بنوبة قلبية، فحزن الأبن حزناً شديداً ولامَ نفسه كثيراً على الايام التي أضاعها بعيداً عنها، وبعد مرور عدة ايام على وفاتها وصلته ورقة عبر البريد من المطعم الذي ذهب إليه معها وهي عبارة عن ملاحظة صغيرة مكتوبة بخط أمه تقول :
بُنيّ لقد قمت بدفع الفاتورة مقدماً ,حيث كنت أعلم أنني ربما لن أكون موجودة معك ، فدفعت ثمن العشاء القادم لشخصين , لك ولزوجتك، لأنك لن تقدر ما معنى تلك الليلة بالنسبة لي……أحبك ياولدي , أحبك” .. بلَّلت دموعه الورقة وهو يقرأ هذه الكلمات.
لا شيء أهم من الوالدين , وخاصة الأم، فامنحها الوقت الذي تستحقه فهو حق الله وحقها وهذه الأمور لا ينبغي ان تؤجل .