الذين يثقون فى الأصدقاء فى هذا الزمان تنقصهم التجربة و لم يسبروا أغوار طبيعة المجتمعات الحالية،و من الأفضل تغليب الشك و الحذر المضاعف فى هذا الصدد.
فالخيانة و العلاقات المغرضة أصبحت هي المهيمنة الطاغية،و أما الثقة و الصدق فسمات موجودة ،و لكنها شديدة الندرة،و شخصيا جربت "آلاف الأصدقاء"،و كنت منفتحا و خدوما و ودودا و أخويا،لكن صحبة الحيوانات فى هذا الزمان أفضل بكثير من صحبة بعض البشر،من ذوى الغدر و الحقد و الحسد،و بوجه خاص فى مجتمعنا الموريتاني،و إن كان لابد من صداقات ،فليكن ذلك فى مستويات لا تتسم بالانفتاح،و ذلك أفضل و هو الأمان بعينه ،و صاحبه لن يندم،و قديما قيل فى المثل العربي البليغ،"من ترك الحزم ذل".
الصداقة فى موريتانيا عقيمة و لا قيمة لها ،إلا مع الحذر الشديد و المضاعف،و الله خير حفظا.
و لعل المجتمعات المقيمة فى الحضر ،بوجه خاص ،بحاجة ماسة لمراجعة الانفتاح الفوضوي الضار،لتبقى علاقات كثيرة فى ساحات أخرى ،لا يترتب عليها كبير ارتباط و تمازج.
الانفتاح الزائد مضر أحيانا بالدين و المصالح ،و الحزم،الوسطية و النباهة و الحذر.
قال تعالى:"ياأيها الذين ءامنوا خذوا حذركم".
و ربما يحتج علي البعض بذكر القرآن لبيوت الأصدقاء،من جملة البيوت التى يأكل فيها من غير حرج،و ربما من غير إذن،على قول قتادة،و لكن تغير الظروف و الأحوال و شيوع هشاشة الصداقة لحد مروع ،قد يلزم مضاعفة الحزم و الحذر،و ربما حتى لا يصدق إطلاق مصطلح صديق،على من تخلى عن أدبيات الصداقة و أخلاقياتها الرفيعة.
أما من التزم بالصداقة بمحتواها الإيجابي ،فلا غنى عنه،و له ما نص عليه القرإن و تواترت عليه المجتمعات البرئية من تقريب الأصدقاء و التمسك بالصلة بهم،لأن الأصدقاء الحقيقيين لا غنى عنهم،و لكنهم قليل فى هذا الزمان ،فانتبهوا.