كنت هذا المساء ضمن حفل تدشين المركّب الجامعي الجديد شاهدًا على تدعيم التعليم العالي عندنا بِمَعْلَمة حديثة بارزة، مُزودة بمختلف التجهيزات الحديثة التي تُعزِّز العصرنةَ وتحديثَ التداول العلمي في البلاد.
وكنتُ يومَ أمسِ شاهدًا على انطلاق تطبيق “هُوِيَتِي” الذي يُشكِّلُ فتحًا حقيقيا وغير مسبوقٍ في مجال خدمة المواطن، الذي سيصبح من الآن قادرا على إنجاز كل ملفاته المدنية من بيته وعبر هاتفة، مُوَفِّرًا بذلك الوقتَ وتعبَ التنقل والزحام والطوابير.
وهو أمرٌ سعى هذا النظامُ لتحقيقه منذ مجيئه، وتجَسَّدَ في الدفع الألكتروني للمسابقات، والاستغناء عن استخراج ملفات التسجيل الدراسي.
ونحن جميعًا نتذكّر مستويات التعب التي كان يخضع لها المواطن العادي للحصول على تلك الأوراق، ونتذكر الطوابير الممتدة لشبابنا أمام مراكز دفع ملفات الترشح للمسابقات، بشكل مُزعج ومُرهِق، ونتذكر حجمَ الانتقادِ المُحِقِّ عبر صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي لهذه الآليات التي أرهقت المواطنَ دون التفكير في حل حاسم لهذه المعضلات.
وأستغرب اليومَ تمامَ الاستغراب غيابَ هذه الصفحات والمنصات عن تداول وتثمين هذه المنجزات الوطنية، والإسهام في تبصير المواطن بأهميتها وآليات اسخدامها، وقياس رَجْع الصدى بالنسبة للمستفيدين الكُثُر من هذه الخدمات العمومية التي تُعلِي من شأنِ المُواطِنِ وكرامتِه، وتسعى للمساهمة في إسعاده.. أليس هذا عملا إعلاميا أصيلا؟
إن الموضوعية تقتضي أن الجسارة في انتقاد النواقص، ينبغي أن توازِيَها أمانةٌ في تثمين المُنجز، والدعوة لمواصلتِهِ، وتكثيفِ الأفكارِ التي من شأنها دفع الإنجاز نحو الأمام، ذلك ما يقتضيه منطقُ العقل والإنصاف.
وأرى أن الكثيرَ من الإنجازات البارزة للعيان اليوم، والتي تمس حياة المواطن البسيط، وتلتَفتُ إليه بعين الدولة الرَّاحِمة، لم تجد بعد من الخدمة الإعلامية ما تستحق.
إننا في هذا النظام لسنا من (الذين يحبون أن يُحمَدوا بما لم يفعلوا)، معاذ الله، لكن تجاهُلَ المشروعات الخادمةِ للمواطن، وغمْطَها حقها في التغطية والتحليل، وإنارة المواطن حولها، ليس منطقا للإعلام المُنصف أبدًا.
إن الخطوات الكبرى التي تم قطعُها في تدعيم المدرسة الجمهورية، وضعًا للأسُس، وبناءً للحجرات، واكتتابًا غير مسبوق للمدرسين، وسعيا لتوحيد الأجيال الصاعدة تحت نسقٍ تأطيري موحدٍ زِيًّا، وبرامجَ، وتصورا عن القيم والأمة والوطن.
وإن دخول مائة ألف أسرةٍ متعفِّفَةٍ لسِجل الضمان الصحي، واستفادتها من دعمٍ مالي دَوْرِي، وبناء آلاف المساكن للمتعففين.
وفتح آلاف المشاريع المدرة للدخل للشباب، في “مشروعي مستقبلي” وغيره.
وبناء الكثير من المباني العمومية(البرلمان - المجلس الدستوري - المجمعات الوزارية - المستشفيات والمدارس والساحات العمومية، والجسور التي يجري فيها العمل الآن، بالإضافة إلى الأعمال الكبرى في إطار الزراعة والري، والكهرباء، والطرق.
وإن مسيرة الإنصاف التي من خلالها تم رفع الكثير من المظلوميات التي خضع لها مواطنون وموظفون من فصلٍ ظالمٍ وتعسُّفٍ.
وإن أجواء الانسجام السياسي، والتوحد الوطني الذي ساد بعد أن كادت أوصالُنا تتقطع تحت نيْر دعايات التفرقة والصراع.
وكذلك ملف العلاقات الخارجية الذي تألقت فيه بلادُنا بحنكة واتّزان، واستفادت من مواقع مرموقة في مختلف المنظمات الإقليمية والدولية، وكان ملف تخفيف الديون حاضرا في ذلك السياق،
وإن الانحيازَ للهُويةِ، والعنايَةَ بالإرث الحضاري للبلد، من دعم للمحاظر، وإنشاءٍ لجائزة رئيس الجمهورية لحفظ وفهم المُتون المحظرية، وتأسيسٍ لدار المصحف الشريف، وتسجيل للمحظرة كتراث إسلامي وعالمي، في المؤسسات الإقليمية والدولية، واكتتاب للأئمة والمؤذنين …..
إن ذلك كله يستحقُّ أنْ تُسلّطَ عليه أضواء الإعلام -والإعلام الحديث بشكل أخصّ- بإنصافٍ وموضوعية مقنعة بعيدًا عن سَيِّئَتَيْ التملقِ والتحامُل.
وإلّا سيكونُ هذا الإعلامُ مغالطًا لشعبِه، حين يُركّز على النواقص دون أن يحتفي بالمُنجز، ويُنِيرَ الشعبَ حوله.
ستبقى النواقص كثيرةً بالطبع نظرا لحجم استحقاقات التنمية الضاغطة، لكنَّ حجمَ المُنجز في هذا الظرف الوجيز يدعو إلى الفخر ولله الحمد.
الداه سيدي أعمر طالب