المحامي ولد مولاي اعلي: الرئيس السابق يحاكم أمام محكمة غير مختصة (نص المرافعة)

خميس, 02/11/2023 - 13:09

اعتبر عضو فريق الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المحامي محمد المامي مولاي علي، أن موكله "يحاكم أمام قضاء غير مختص بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة".

اسمحولي في البداية وأنا أقف هنا في مجلس حق وعدل: أن أطالب بإنزال أشد العقوبة بمرتكبي جرائم الحرب ضد قتلة الأطفال والنساء والشيوخ العزل في قطاع غزة، هؤلاء ينتهكون القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جينيف الأربع وابروتوكولاتها الإضافية أمام صمت كل العام.

 

هؤلاء يصبون الحمم يوميا على رؤوس المدنيين العزل، في جرائم يندى لها الجبين ولا يمكن أن نصمت على ذلك، لابد من فعل شيء.

 

أعرف أن محكمتكم الموقرة غير مختصة في الموضوع، بل والقضاء الموريتاني برمته غير مختص في هذا الموضوع.

 

ولكن سمحت لنفسي بتقديم هذه المطالبة أمام محكمتكم الموقرة لسببين:

 

الأول: أني أرافع أمامكم محكمتكم الموقرة في قضية لا تختص فيها محكمتكم الموقرة ولا يختص فيها القضاء العادي برمته.

 

والثاني: أن من أدافع عنه في هذه القضية هو من طرد سفارة مرتكبي هذه الجرائم من هذه الأرض الطاهرة.

 

فجميل أن نتذكر ذلك في هذه الأيام العصيبة عليه في محبسه، والعصيبة على الفلسطينيين في غزة.

 

فكل التضامن وكل المؤازرة له ولهم، وعسى الله أن يقضي لهم بالنصر، وله بالبراءة.

 

السيد الرئيس....

 

أعرف أن الملف الذي بين أيديكم اليوم هو ملف سياسي بامتياز...... سياسي النشأة وسياسي المسار.

 

ولكننا الآن نناقشه أمام قضاء جالس، ونريد له نهاية قانونية قضائية عادلة يرفع الله بها الذكر ويحسن بها الأجر.

 

..............

 

-لذلك سنحاول نقاشه من الناحية القانونية الفنية الموضوعية بعيدا عن السياسة وتأثيراتها إن استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

-سنحاول ناقشه كما نناقش في هذه القاعة أي ملف عادي غير سياسي، في الحالات التي لا يكون فيها قصر العدالة ومداخله والطرق المؤدية إليه معسكرة.

 

-سنحاول ناقشه كما نناقش في هذه القاعة أي ملف عادي غير سياسي، في الحالات التي يلج فيها المحامون إلى هذه القاعة دون تفتيش ودون طابور.

 

-سنحاول نقاشه كما نناقش أي ملف عادي غير سياسي، في الحالات التي يجلس فيها المحامون الذين لايمثلون طرفا بعينه في القضية حيث شاؤوا، فلايتجنبون الجلوس قرب دفاع المتهمين.

 

-سنحاول نقاشه كما نناقش أي ملف عادي غير سياسي، في الحالات التي لا يمنع فيها الدفاع من الحصول على ملف موكله، ولا يصدر فيها القضاء قرارا منطوقه: "(فإننا نأمر بمنع الدفاع من الحصول على ملف موكلهم).

 

-سنحاول نقاشه كما نناقش أي ملف عادي غير سياسي، لا تسلم فيه أوراق الملف ممهورة باسم المحامي الذي استلمها بخط عريض يحجب بعض محتوياتها، حماية لها من التسريب في إيحاء بأن المحامي أقل أمانة من القاضي ومن كاتب الضبط في حفظ السر المهني.

 

سنحاول ... والنقاش كما يقال: هو فن التحدث عن التفاحة دون أكلها.

 

وستدركون أن القضية المنشورة أمام المحكمة اليوم ليست سوى:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

------------------------------------

 

السيد الرئيس،

 

إن ممثلي الدولة في هذه المحاكمة –وأعني بهم السيد فضيلة القاضي وكيل الدولة المحترم، والعمداء الفضلاء وكلاء الدولة المحترمون، لا صفة لهم في الادعاء ضد موكلنا لا في الدعوى عمومية (أي توجيه الاتهام) ولا في الدعوى المدنية التابعة.

 

---------------------------------------------------

 

فبالنسبة لفضيلة القاضي وكيل الدولة أو وكيل الجهورية، الممثل لسلطة الاتهام لم يمنحه القانون صلاحية توجيه الاتهام لموكلنا وذلك بنص: الفقرة 2 من المادة 93 من الدستور التي تقول: (لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية)

 

تماما كما لم يمنح القانون لمحكمتكم الموقرة صلاحية محاكمة موكانا طبقا للفقرة الموالية التي تقول:

 

( وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية).

 

--------------------------------

 

إذن لا النيابة العامة مختصة في اتهام موكلنا، ولامحكمتكم الموقرة مختصة في محاكمته.

 

هكذا بكل بساطة

 

---------------------------------------

 

السيد الرئيس،

 

الدفع بعدم اختصاص القضاء العادي كما قلنا سابقا- يخرج تماما عن مفهوم (الاختصاص) الذي يتحصن بالإحالة أمام المحكمة الجنائية بالمواد 183 و 211 و 548، لأن ذلك الاختصاص هو اختصاص داخلي، أي داخل منظومة القضاء العادي، لأنه يتعلق بالإجابة على سؤال: هل المختص هو المحكمة الجنائية أم محكمة الجنح أم محكمة المخالفات؟ ولذلك لا يجوز الدفع به أمام المحكمة الجنائية مادام الملف قد وصل إليها إعمالا لمبدأ أن: من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل، فمن أمكنه البت في الجنايات أمكنه البت في الجنح والمخالفات.

 

-----------------------------------------------

 

-بينما عدم اختصاص القضاء العادي المقصود هنا يخرج تماما عن ذلك، فهو يتعلق بقاعدة دستورية سامية تعطي امتيازا قضائيا لرئيس الجمهورية، يشكل قيدا دستوريا على اختصاص السلطة القضائية.

 

------------------------------

 

-فالدفع بعدم اختصاص القضاء العادي وعدم اختصاص النيابة العامة في توجيه الاتهام، لا يعد دفعا شكليا إذ لا ينصب على مدى صحة إجراءات الخصومة الجزائية، ولا دفعا موضوعيا لأنه لا ينصب على موضوع الخصومة الجزائية، وإنما هو دفع بعدم القبول لأنه دفع بانتفاء الولاية القضائية عن موضوع الدعوى العمومية.

 

----------------------------

 

وهذا الدفع معروف أمام المحاكم الجنائية، ولدينا عدة قرارات من محكمة النقض المصرية تؤكد أحكاما بعدم قبول الدعوى العمومية الجنائية بسبب الامتياز القضائي.

 

(استعراض القرارات)

 

هذا ما قرره القضاء المقارن، والفقه المقارن.

 

----------------------------------

 

اذن الدفع بالامتياز القضائي هو دفع بعدم القبول، وهو من النظام العام، وتمكن إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.

 

----------------------

 

اذن لا مناص من التصريح بعدم قبول الدعوى العمومية ضد موكلنا لعدم اختصاص النيابة العامة في تحريكها، وعدم اختصاص القضاء العادي بنظرها.

 

------------------

 

وفي هذا المجال خاض الزملاء كثيرا في الفقه والقضاء المقارن، ولاداعي لتكرار ذلك.

 

لكن ربما يغيب عن البعض أن الممارسة القضائية الوطنية، والقضاء الدستوري الوطني، وحتى الفقه الدستوري المحلي، يجمعون على ما قرره القضاء المقارن والفقه المقارن وعرضه الزملاء أمامكم.

 

-------------------------

 

وسنأخذ أمثلة سريعة على ذلك.

 

*-مثل قرار وكيل الجمهورية المحترم الذي صرح فيه بعدم اختصاصه بسبب الامتياز القضائي، والذي قال فيه: (نشعر السادة الشاكين... بقرارنا حفظ الشكاية المذكورة بدون متابعة لأن الوقائع المعروضة فيها لا تدخل ضمن اختصاص وكيل الجمهورية نظرا لكونها منسوبة لعضو في الحكومة أثناء ممارسته مهامه، وذلك طبقا لأحكام المادة 93 من الدستور و المواد 19 20 21 22 من القانون النظامي المتعلق بمحكمة العدل السامية ..الا أنه يمكنكم القيام بالحق المدني.. نواكشوط الغربية بتاريخ 04/03/2019 وكيل الجمهورية).

 

(يستعرض).

 

وهنا لا يخفى أن الممارسة القضائية لم تأخذ بفكرة الأعمال المنفصلة والمتصلة، لأن الأفعال حينها أفعال منفصلة تماما، فهي متعلقة بجريمة التمييز، والتمييز لا يدخل في صلاحيات الحكومة وفق منطق وكلاء الدولة المحترمين.

 

----------------

 

طبعا لايخفى عليكم أن النيابة العامة شعبة من شعب القضاء، يمارسها قضاة، وأعمالها تصنف فقهيا ضمن الممارسة القضائية وإن لم تصنفق فقها قضائيا.

 

فلماذا لم تقل النيابة المحترمة حينها إنها أفعال متصلة وتدخل في اختصاص القضاء العادي؟

 

لماذا كانت الباء تجر حينها ولم تعد تجر اليوم؟

 

------------------

 

*-ومثل قرار المجلس الدستوري، رقم 027 بتاريخ 14 سبتمبر 2007، بمناسبة بحثه لدستورية القانون النظامي المتعلق بمحكمة العدل السامية المصادق عليه من الجمعية الوطنية سنة 2007، الذي يصرح فيه بالامتياز القضائي، قال المجلس الدستوري:(نظرا إلى أن مسؤولية محكمة العدل السامية كبيرة، إذ تنظر في التهم الموجهة إلى رئيس الجمهورية والوزير الأول والوزراء، لذلك فإن المجلس الدستوري يتحفظ على مجانية عملها).

 

(يستعرض).

 

فالمجلس الدستوري الموريتاني يرى أن التهم الموجهة إلى رئيس الجمهورية والوزير الأول والوزراء تختص فيها محكمة العدل السامية).

 

وإلا لقال في قراره حينها ..إذ تنظر في بعض التهم التي توجه لرئيس الجمهورية .

 

لكنه استخدم أل العهدية الحصرية.

 

---------------------

 

*-ومثله استشارة الفقيه القانوني لوكورمو في يوليو سنة 2020 قبل أن يتعهد في الملف ويكون طرفا فيه، حيث صرح بهذا الامتياز القضائي وبالاختصاص الحصري لمحكمة العدل السامية.

 

(يستعرض)

 

فهل يعقل أن الباء كانت تجر في يوليو 2020 ولم تعد تجر في أكتوبر 2023؟

 

في القانون المقارن

 

 لست بحاجة للتذكير بقرار المجلس الدستوري الفرنسي رقم 408/98 بتاريخ 22/01/1999 الذي قرر منع الإذن بالمصادقة على معاهدة روما (المحكمة الجنائية الدولية) -التي تعاقب الرئيس على أفعال منفصلة تماما عن صلاحياته الدستورية كالاعتداء والابادة- إلا إذا تم تعديل الدستور، لأن المادة 68 من الدستور تمنح امتيازا قضائيا للرئيس وتمنع مساءلته. وهي مطابقة للمادة 93 من الدستور الموريتاني.

 

(يستعرض).

 

-------------------

 

وبالفعل واستجابة لهذا القرار أجري التعديل الدستوري رقم 568-99 بتاريخ 9 يوليو 1999 فأجاز الانضمام لمعاهدة روما استثناء على مقتضيات المادة 68 المطابقة حينها للمادة 93 عندنا.

 

(يستعرض)

 

فلماذا احتاجت جمهورية فرنسا لتعديل الدستور بسبب توأم المادة 93 فكانت باؤها تجر، وباؤنا نحن اليوم لاتجر؟

 

------------------

 

أما بالنسبة لمقتضيات تعديل الدستور الفرنسي سنة 2007 الذي ميز بين الأفعال المتصلة والمنفصلة، فالمادة 93 عندنا لم يطلها لاتعديل 2001 ولاتعديل2007. لايوجد اطلاقا.

 

----------------------------

 

أحترم الرغبة والتطلع للقيام بتعديل دستوري مثله...احترم ذلك وأقدره ..بل وأدعو إليه.

 

لكن إلى ذلك الحين لامناص من تطبيق القانون الموريتاني.

 

وهذا هو موقفنا منذ بداية هذه القضية.. نعم للتعديل ولا للتعطيل.

 

------------------------------

 

وهنا نطرح التساؤل: ماذا لو أخذنا بما يراه وكلاء الدولة (نيابة ومحامين) بشأن نظرية الأفعال المتصلة والافعال المنفصلة ؟

 

والجواب أنه ستعترضنا معضلة حقيقية وهي أن تعديل 2007 في فرنسا عندما أخذ بهذه النظرية نص معها على لازمة إجرائية لاتنفك عنها، حماية لرئيس الجمهورية، وهي أن المواضيع المنفصلة ترفع فيها الدعوى أثناء المأمورية ثم تجمد الإجراءات وتنشط بعد شهر من انتهاء المأمورية.

 

------------------------------

 

هذه الإجراءات غير منصوصة عندنا إطلاقا.

 

فحتى لو اعتبرنا نص المادة 93 من الدستور نصا أدبيا استعاريا، واستنتجنا منه أن المقصود هو الأعمال المتصلة دون المنفصلة، فأين سنجد لازمتها الإجرائية؟

 

تحريك الدعوى أثناء المأمورية ثم تجميدها وتنشيطها بعد شهر من انتهاء المأمورية؟ هكذا في فرنسا.

 

أين سنجد هذا النص الإجرائي؟  ق ا ج ؟ الدستور؟ ق الفساد؟ بطبيعة الحال لن نجده.

 

-------------------------------------

 

وهنا سندخل في معضل كبير، وسنفتح بابا كبيرا للانتقاص من مؤسسة رئيس الجمهورية، ومن رمزيته كمجسد للدولة.

 

لأننا سنتيح لكل شخص أن يتقدم بشكوى أو يرفع دعوى ضد رئيس الجمهورية اليوم أمام المحاكم، وسيكون لزاما على المحاكم أن تستدعي الرئيس وتحاكمه وهو أثناء مأموريته طالما كان موضوع الدعوى منفصلا.

 

لأنه لامناص من تطبيق النصوص العامة عليه مادام النص الاجرائي الخاص الوارد في القانون الفرنسي غير موجود عندنا.

 

---------------------------------------

 

أرأيتم حجم الخطر ؟ ومقدار الضرر؟

 

تصوروا معي كم من الدعاوى الجزائية والمدنية سترفع ضد رئيس الجمهورية لأغراض كيدية، ويكون القضاء ملزما بالتعامل معها بحجة الأفعال المنفصلة!

 

إنهم بهذه النظرية يعرضون مركز رئيس الجمهورية لمخاطر حقيقية، مما سيشكل خطرا على الدولة برمتها، فرئيس الجمهورية يجسد الدولة كما هو معلوم.

 

ثم إن المنظومة القانونية الوطنية لا تضع مكانا لتطبيق نظرية الفصل والوصل هذه:

 

فمثلا: عندما تناول قانون الإجراءات الجنائية مسألة تلقي شهادة أعضاء الحكومة، ، لم يبوب إطلاقا على استدعاء رئيس الجمهورية للشهادة أمام القضاء العادي.

 

وذلك لأن الشاهد الماثل أمام المحكمة يكون مسؤولا جزائيا في حالة امتناعه عن أداء الشهادة وفي حالة شهادة الزور، وتحاكمه المحكمة التي يمثل أمامها في الحالتين (المواد 296 و 312من قانون الاجراءات الجنائية)، بينما رئيس الجمهورية لا يكون مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسته لمهامه بنص المادة 93 من الدستور، ولذلك لم يبوب قانون الاجراءات على أدائه للشهادة.

 

بالرغم من أن جريمة الامتناع عن أداء الشهادة وجريمة شهادة الزور هما من الأفعال المنفصلة.

 

ولكن القانون لم يتح له المثول أمام المحكمة بسبب الامتياز القضائي وامتناع المساءلة، وقد ناقش القضاء الفرنسي هذا الموضوع كثيرا فلا داعي للتطويل به.

 

وحتى عندما نحاول تعسفا تطبيق نظرية الأفعال المتصلة والافعال المنفصلة فإنها لن تسعف النيابة العامة لأن كل ما نسبت لموكلنا هو أفعال متصلة بقيامه بمهامه، ويكفي للتدليل على ذلك ما نسبه أمر الإحالة للسيد وكيل الجمهورية في الصفحة 8 من أمر الإحالة حين حديثه عن مخالفة قانون الصفقات قال: " بأمر مباشر من الرئيس السابق أثناء ممارسته لوظيفته"

 

--------------------------------------

 

إذن لامناص من الامتثال للآءات المادة 93 من الدستور التي تقول: لايكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله ..لايتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف البرلمان..).

 

ولاشك أن السادة القضاة سيمتثلون للاآات الدستور وقد أدوا اليمين على ذلك في يمين تقلد الوظائف القضائية المتضمن قولهم: (" أقسم بالله الواحد الأحد أن أودي مهامي بإخلاص وبكل حياد مع احترام الدستور وقوانين الجمهورية وأن أحافظ على سر المداولات) الخ.

 

وبالامتثال للاآت الدستور، والحرص على مركز رئيس الجمهورية المجسد للدولة سيتضح لمحكمتكم الموقرة أننا فعلا أمام :

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

---------------------------------------

 

السيد الرئيس.

 

الامتياز القضائي لرئيس الجمهورية كما قلنا يجعل وكيل الدولة الموقر غير ذا صفة في توجيه الاتهام إليه.

 

لكن دعوني أقول لكم شيئا آخر، وهو أن وكلاء الدولة الآخرون الموقرون ، وأعني عمداءنا الذين يحملون توكيلا مكتوبا من الدولة بزعمهم، هم أيضا لاصفة لهم في هذا الادعاء أيضا.

 

------------------------------------

 

السيد الرئيس:

 

إن الوكالة التي استظهر بها المحامون المحترمون والموقرون ليكونوا بها "وكلاء للدولة" لا تخولهم هذه الصفة، لأنها ببساطة لم تصدر عن ذي صفة في إصدارها.

 

فهي صادرة عن معالي وزير المالية.

 

(تستعرض)

 

---------------------

 

السيد الرئيس صلاحيات وزير المالية محددة بدقة في المرسوم رقم 349/2019 المحدد لصلاحيات وزير المالية، وقد ذكر في المادة 3 منه أنه يوقع العقود "في حدود صلاحياته"، وصلاحياته محصورة في مجال المالية العامة، فلا يمثل الدولة الموريتانية خارج ذلك إلا بتفويض.

 

(يستعرض)

 

---------------------

 

الوزير الأول هو من يمثل الدولة في العقود وذلك بصريح المادة 11 من المرسوم رقم 157/2007 المتعلق بصلاحيات الوزراء والوزير الأول، التي نصت على أن الوزير الأول هو من يوقع الصفقات العمومية وكافة العقود.

 

(يستعرض)

 

إذن هذه الوكالة لا تمنحهم صفة وكلاء الدولة، فوكيل الدولة الوحيد في هذه المحاكمة هو وكيل الجمهورية.

 

-----------------------------

 

ثم إن المحاكم المختصة في جرائم الفساد، تعتمد في جبر الضرر على آلية تسميها (استرداد الأموال) بدلا من آلية تعويض الدولة عن الأضرار التي لحقتها، فيتم الاسترداد بطريق المصادرة لصالح الخزينة العامة؛ بدل الحكم بالتعويض للدولة كطرف مدني.

 

-----------------------

 

و تتعدد المصطلحات المستخدمة لمفهوم الاسترداد في النظم الحديثة، وتدور كلها حول نفس المفهوم، ففي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد يستخدم مصطلح (استرداد الموجودات)، و(الاسترداد المباشر للممتلكات)، وفي الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، يستخدم مصطلح (استرداد الممتلكات)، وفي القانون التوجيهي المتضمن لمكافحة الفساد رقم 040/2015 استخدم مصطلح (استرجاع الأموال والممتلكات).

 

------------------------

 

إذن في جرائم الفساد يتم جبر الضرر بآلية الاسترداد الذي يتم بمصادرة الممتلكات، التي هي عقوبة تطالب بها النيابة العامة، وليس بآلية التعويض التي يطلبها الطرف المدني، لذلك لا مجال في جرائم الفساد لطرف مدني.

 

----------------------------

 

لذلك نصت المادة 5 من قانون التوجيهي المتعلق بمكافحة الفساد على أنه: (تسهر الدولة علي استرجاع الأملاك والأموال المختلسة او التي تم الحصول عليها بصورة غير شرعية من خلال وضع آليات للتجميد والحجز واسترجاع الأموال والأملاك الناتجة عن الفساد).

 

-------------------------

 

ونصت المادة 30 من القانون المتعلق بمكافحة الفساد على أنه: (في كل الحالات التي يحكم فيها بإدانة الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين بإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، فإن المحاكم المختصة تقضي بمصادرة كافة أملاك المحكوم عليه المتحصل عليها من ارتكاب هذه الجرائم مهما كانت طبيعتها لصالح الخزينة العامة).

 

------------------------

 

ثم إن الدولة كشخص معنوي تمثل في المجال الجزائي من طرف وكيلها، الذي هو مفوض الحكومة، ولا يمكن إذ ذاك أن تكون طرفا مدنيا في نفس الوقت، لأنها حينها ستجمع بين صفة النيابة العامة التي تصنع الأدلة، وبين صفة الطرف المدني الذي لا يجوز له أن يصنع دليلا لنفسه.

 

وسنضطر لمخاطبة وكيل الدولة أعلى المنصة، ووكلاء الدولة أسفل المنصة.

 

إذن لننسى فكرة تعدد وكلاء الدولة.

 

لايوجد غير وكيل واحد للدولة هو وكيل الجمهورية.

 

فعمداؤنا فضلاء كرام وعلى العين والرأس، لكنهم ليسوا وكلاء للجمهورية.

 

ولكن مع ذلك لابأس بنقاش ماتقدموا به مكتوبا أمام المحكمة.

 

فقد تضمنت مذكرة العمداء المحترمين التي تقدموا بها أمام محكمتكم الموقرة قرارا صادرا عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ  13 دجمبر 1994 في الطعن 94-89766 يستدلون به على جواز أن تنتصب الدولة طرفا مدنيا في قضايا الفساد.

 

---------------------

 

ولم تقل لكم المذكرة أن هذا الحكم يتعلق بانتصاب دولة أجنبية كطرف مدني، دولة أجنبية لا يمثلها وكيل الجمهورية في الجلسة، وليس موفضا لحكومتها، دولة أجنبية يا سادة يا كرام.

 

 فالأمر يتعلق بجمهورية بنما مدعية أمام القضاء الفرنسي.

 

فلا علاقة لهذا بما نحن بصدده 

 

(تستعرض المذكرة)

 

------------------------------------------------

 

أما خيرية اسنيم فهي جمعية كما قلنا سابقا خاضعة لقانون الجمعيات، وقد نص قانون الجمعيات رقم 064/98 بتاريخ 9 يونيو 1964 المتعلق بالجمعيات في مادته 12 على أنه: (...إلا أنه لا يمكن للجمعية أن تتمتع بالأهلية القانونية المنصوص عليها في المادة السابقة إلا بعد الالتزام ببعض قواعد الاشهار... الإدراج بالجريدة الرسمية...).

 

-------------------------------

 

وكذلك المرسوم رقم 205/2021 المطبق لقانون الجمعيات رقم 004/2021 الجديد، تبنى أيضا هذا المقتضى بنصه في المادة 13 على أنه: (تعتبر الجمعيات منشأة قانونيا اعتبارا من يوم إرسال الوصل النهائي، وتتوفر على الشخصية الاعتبارية اعتبارا من تاريخ نشر الإعلان في الجريدة الرسمية).

 

وخيرية اسنيم لم تثبت توفرها على الشخصية المعنوية التي تمنح أهلية التقاضي.

 

فلا محل لها من الإعراب

 

------------------------------

 

-بالنسبة للشركات:

 

شركتي اسنيم وسوملك هي شركات تجارية(مساهمة)؛ وسبقأن قلنا إن دعاوى الشركات التجارية ضد المسيرين أو الإداريين إنما يرفعها الشركاء وليس الشركة كشخص معنوي طبقا للمادة 253 من قانون التجاري، التي تنص على أنه: (فضلا عن دعوى المطالبة بتعويض الضرر الشخصي، يحق للشركاء، فرادى أو جماعات، إقامة دعوى الشركة في المسؤولية ضد الإداريين والمسيرين، ويمكن للمدعين متابعة المطالبة بتعويض كل الأضرار التي لحقت بالشركة التي تمنح لها، عند الاقتضاء، التعويضات عن الضرر)

 

فلا يصح قيام الشركة كطرف مدني ضد مديرها أو مسيرها أو من يدلي به في القضية، وإنما يصح ذلك حصرا من طرف الشركاء، وحينها يتم وجوبا إدخال الشركة نفسها كمسؤولة مدنيا.

 

وبذلك لا يكون انتصاب الشركات طرفا مدنيا صحيحا ولا ممكنا وإنما تدخل الشركة في المسطرة كمسؤولة مدنيا، متى ما ادعى المساهمون على مديريها أو مسيريها أو من يدلون بهم.

 

إذن عمداؤنا الفضلاء الكرام ليست لهم-هم أيضا- صفة الادعاء في هذا الملف، مثلهم مثل النيابة العامة الموقرة.

 

--------------------------

 

نحن اذن أمام: دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

 

 

ولذلك عندما أراد العمداء الفضلاء تقديم طلباتهم جاؤوا شيئا إدا . ..مع الاحترام والتوقير.

 

فقد بدأت طلباتهم بإنزال العقوبة بموكلنا ..نعم المطالبة بالعقوبة التي هي اختصاص حصري لوكيل الجمهورية في الدعاوى العمومية العادية.

 

فقد طالبوا بمصادرة ممتلكات الرئيس، تلك المصادرة التي هي عقوبة منصوص عليها في المادة 30 من قانون مكافحة الفساد.

 

------------------------------

 

ليس هذا فحسب

 

فقد تضمنت المطالبة الحكم بالتعويض عن الضرر المعنوي... نعم التعويض عن  الضرر المعنوي ..ذلك الذي عرفته الفقرة الأخيرة من المادة97 من ق ا ع بقولها:" الضرر المعنوي هو الذي يصيب الإنسان في ناحية غير مالية، ويهدف إلى تعويض الآلام المعنوية والحزن والأسى الناجمة عن التشويه الناجم عن الجروح والعاهات وهتك العرض والنيل من السمعة وغيرها من الحالات الأخرى التي تسبب ألما معنويا."

 

لاحظوا معي ..يصيب الإنسان ..وليس الشخص الذي قد يكون معنويا.. يصيب الإنسان ذلك الذي يحس ويتألم ويمكنك أن تحتسي معه القهوة في المقهى أو تشرب معه شايا بالياسمين.

 

وقد لاحظت في هذه المذكرة التي تقدم بها العمداء الأفاضل أنهم استظهروا بثلاث قرارات من محكمة النقض الفرنسية احدهما صادر 10 مارس 2004 والثاني صادر 24 مارس 2007 ، والثالث صادر 27/11/1996 وتتضمن عدم استبعاد الأشخاص المعنويين العامين من المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي و جواز الحكم بالتعويض المعنوي للأشخاص الاعتبارية..وهذا جميل جدا

 

(تستعرض المذكرة)

 

ولكن مالم تقله لكم مذكرتهم أن أحكام القضاء الفرنسي مازالت الى اليوم متضاربة بشأن التعويض عن الضرر المعنوي للشخص الاعتباري، وذلك لسبب بسيط وهو أن المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي التي تنص على التعويض على أساس الخطأ التقصيري، ذكرت الضرر المادي والمعنوي، ولم تعرف الضرر المعنوي..ولذلك ثار الجدل الفقهي في فرنسا وتضاربت القرارات القضائية .

 

أما في موريتانيا فقد عرفت الفقرة الأخيرة من المادة97 من ق ا ع الضرر المعنوي  بقولها:" الضرر المعنوي هو الذي يصيب الإنسان في ناحية غير مالية، ...."

 

إذن هو محصور على الانسان دون غيره..وهذا هو موقف المشرع المصري

 

الإنسان ..ذلك الذي يولد ويأكل ويشرب ويموت

 

ذلك الذي حددت المادة 12 من ق ا ع متى تبدأ شخصيته بقولها: (تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته، ويتمتع الجنين بحقوقه المدنية بشرط أن يولد حيا)

 

فالاستظهار بقرارات محكمة النقض الفرنسية هنا هو قياس مع وجود الفارق.

 

ولن ينطلي على محكمتكم الموقرة

 

فهو تماما مثل الاستظهار بالتعديل الذي طال المادة 68 من الدستور الفرنسي سنة 2007 ولم يطل الدستور الموريتاني.

 

سادتي الكرام موريتانيا استقلت عن فرنسا 28 نوفمبر 1960 وأصبح لكل منهما نصوصه وقوانينه المستقلة.

 

------------------

 

أزيدكم شيئا آخر .. تضمنت مذكرة الفضلاء المطالبة بالحكم بالتعويض بالتضامن بين المتهمين كل فيما يعنيه.. أي والله هكذا.. التضامن بين المتهمين كل فيما يعنيه...

 

ذلك التضامن الذي حددت المادة 182 من ق ا ع بأنه يقتضي أن يكون كل مدين به ملتزم بالمبلغ بكامله" فكيف يقال كل فيما يعنيه؟!

 

هل سيتم ذلك بالاتفاق مثلا... أم بالصلح...؟

 

شيء عجيب فعلا.!!

 

أما مبلغ التعويض فقد جاء في النهاية جزافيا خرافيا خياليا .

 

يذكرنا –والشيء بالشيء يذكر-بطلبات تلك السيدة المعروفة في التراث الموريتاني التي نازعت أخواتها لأم في تركة والدهن، رغم أنها لاترث أصلا.

 

فكانت تحسب نصيبها وتعقد المبالغ بأصابعها، حتى قيل لكل من يفعل مثلها:

 

تحسب له فلانة، أو تصبع له فلانة، فصارت مثلا.

 

--------------------

 

فقد جمعت المبالغ الواردة في المذكرة فوجدتها زهاء 400 مليار، رغم أنه لا صفة للمدعين في الادعاء أصلا.

 

أعذروني سادتي الأفاضل...لايمكن أن تكون هذه الطلبات جدية إطلاقا.

 

-----------------------------------

 

لكن المطالب غير الجدية أحيانا يقتضيها الحال، خصوصا إذا ماكنا أمام:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

------------------------------

 

ثم دعونا نتساءل من الذي سيدفع هذا التعويض إذا ما حكم به لاقدر الله من؟

 

لقد طلب هؤلاء الحكم بمصادرة الممتلكات، ثم الحكم بهذا المبلغ 400 مليار

 

فمن سيدفعه اذن وقد صودرت الممتلكات؟

 

هل هو العاقلة مثلا؟..شيء غريب فعلا.

 

----------------------------------------------

 

بالعودة لنص المادة 93 من الدستور الموريتاني

 

سنجد أنه واضح من نصها أن موضوعها هو: (أفعال الرئيس أثناء ممارسة سلطاته)، وأن الحكم الذي أعطته المادة لها هو: (عدم المسؤولية عنها إلا في حالة الخيانة العظمى)، وقد حددت المادة سلطة اتهام الرئيس بأنها البرلمان حصرا، ثم جاءت المادة بأعضاء الحكومة لتمنحهم حكما مغايرا بقولها إنهم مسؤولون جنائيا عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تأدية مهامهم، مع إبقاء الاختصاص في محاكمتهم لمحكمة العدل السامية.

 

ومفهوم المخالفة من هذه الفقرة الأخيرة هو أن رئيس الجمهورية غير مسؤول عن أفعاله تأكيدا للفقرة الأولى.

 

--------------------------------------

 

ومبدأ عدم مسؤولية رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يقوم بها أثناء ممارسته سلطاته، هو مبدأ جمهوري تقليدي معروف ومشهور  وقد نوقش بما يرفع اللبس عن كل شاك.

 

-----------------------------------------

 

والغرض من إقرار هذا المبدأ ليس العمل على افلات رئيس الجمهورية من العقاب، ولكن هي آلية تتبع لحماية بعض المناصب و الوظائف والمهن حتى يتأتى لأصحابها أن يؤدوا مهامهم بحرية دون ضغط أو تخويف، وتسمى الحصانة الموضوعية، لأنها تحصن موضوعا معينا من أن يكون محلا للمتابعة أو العقاب، وذلك صيانة لمصلحة أجدر بالحماية من المصلحة التي يحميها التجريم.

 

------------------------------------------

 

مثالها بالإضافة إلى عدم جواز المعاقبة على أفعال رئيس الجمهورية أثناء مأموريته طبقا للمادة 93 من الدستور، عدم جواز المعاقبة على ما يدلي به نواب البرلمان من رأي أو تصويت أثناء أداء مهامهم طبقا للمادة 50 من الدستور، وعدم جواز المعاقبة على ما يباشره المحامون من إجراءات لصالح موكليهم أو ما يبدونه من آراء أثناء ممارستهم مهنتهم أو بمناسبتها طبقا للمادة 44 من قانون المحاماة.

 

--------------------------------------

 

ومن الخطأ الخلط بين الحصانة الموضوعية التي هي مانع من موانع المسؤولية حيث تمنع المساءلة عن أفعال معينة، وبين الحصانة الإجرائية التي تمنع إجراءات المتابعة خلال فترة معينة أو دون القيام بإجراءات خاصة معينة، غير أنها لا تكون مانعا من المسؤولية.

 

---------------------------------------

 

فالحصانة الموضوعية لا تحصن الشخص من المساءلة وإنما تحصن موضوعا معينا، تحصن أفعالا معينة، وهذا التحصين يظل مع هذه الأفعال لصيقا بها مهما طال الزمن، فذلك العمل الذي قام به رئيس سابق أو أسبق منذ عشرات السنين، وذلك الرأي الذي أدلى به نائب برلماني سابق في جلسة برلمانية سالفة، وذلك الرأي أو الاجراء الذي قام به المحامي لصالح موكله قبل أن يتخلى عن المحاماة ويتقلد وظيفة أو مهنة أخرى، كل هذه الأفعال لا تمكن المساءلة عنها.

 

---------------------------------------

 

 وهذه هي حال كل موانع المسؤولية، إذ الفعل الذي تم في ظل مانع من موانع المسؤولية لايمكن أن يعاقب عليه بعد زوال ذلك المانع، بينما يعاقب على الفعل المماثل إن ارتكب بعد زوال مانع المسؤولية.

 

----------------------------------------

 

فالحصانة الموضوعية اذن تتعلق بالموضوع، بالأفعال، فهي تحصن أفعالا معينة من العقاب، مهما كان وضع صاحبها، بخلاف الحصانة الإجرائية التي تحصن الوظيفة دون الأفعال، ومتى زالت جازت المتابعة على تلك الأفعال.

 

------------------------------------

 

وكما قلت من قبل تمكن مناقشة فلسفة المادة 93 من الدستور، والنظر في مدى ملاءمتها لطبيعة الحكم في بلادنا، والاستفادة من تعديلي 2001 و 2007 للمادة 68 من الدستور الفرنسي التي كانت مطابقة للمادة 93 من الدستور الموريتاني، واستخلاص تعديل مناسب للمادة 93 على ضوء كل ذلك، يصوت عليه الشعب الموريتاني ويقره، ليكون قاعدة دستورية نافذة وملزمة، غير أنها لا تسري بأثر رجعي، وفي انتظار ذلك لا مندوحة لنا عن تطبيق الدستور الحالي النافذ.

 

وبتطبيقه نكون أمام:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

 

 

السيد الرئيس، السادة أعضاء المحكمة الموقرة

 

حتى لو تجاوزنا المقتضيات الدستورية الصريحة تعسفا وشططا، فإن مضمون الملف ومساره وإجراءاته ووسائل اثباته لاتصمد أمام أدنى تمحيص قانوني موضوعي.

 

---------------------------------------.

 

فأمر الإحالة الذي عهد محكمتكم الموقرة (103 صفحة) لا يصمد أمام أدنى تدقيق محايد بعيد عن السياسية وخلفياتها.

 

(يستعرض أمر الإحالة)

 

------------------------------

 

فعند تأمل ما ساقه أمر الإحالة في إطار محاولة إلصاق التهم بموكلنا سنرى عجبا عجابا.

 

فقد بدأ أمر الإحالة بأنه بعد اكتشاف شبهات فساد واسعة أظهرتها تقارير نتائج التحقيقات في إطار الصلاحيات الدستورية المنصوص عليها في المادة 72 من الدستور والمادة 11 من الأمر القانوني 03/92 المتعلق بسير عمل الجمعيات البرلمانية.

 

وأن البرلمان صوت بأغلبية مطلقة على إحالة نتائج التحقيق للسلطة القضائية

 

السيد الرئيس ....

 

هذا الملف كما يعلم الجميع نشأ منشأ سياسيا، لذلك لن تجد فيه محكمتكم الموقرة مبالغ مالية مفقودة كشفتها محكمة الحسابات وأحالت بشأنها للنيابة، ولن تجد رشوة رصدها راصد فبلغ بها ففتح تحقيق على أساسها ، إطلاقا لن تجد شيئا من ذلك أبدا.

 

فما الذي وقع؟

 

ببساطة عاد الرئيس السابق من رحلته في الخارج، وعقد اجتماعا سياسيا نتج عنه ما بات يعرف بأزمة المرجعية، وعلى أساس ذلك تحرك السياسيون، وأنشؤوا لجنة برلمانية سياسية للتحقيق، خرجت بنتائج سياسية، فبدأ ملف سياسي بمسار سياسي وبوقائع سياسية وإجراءات سياسية.

 

والنتيجة:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

فالملف بدأ بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، رغم أن الدستور لا يسمح بإنشائها لسبب بسيط جدا، وهو أن الدستور الموريتاني يعتمد مبدأ فصل السلطات، ومبدأ فصل السلطات يقتضي أن لا تتدخل سلطة في أعمال أخرى، وقد حدد الدستور بشكل واضح ومحدد علاقة كل سلطة بأخرى، خصوصا العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، في الباب الرابع حول علاقات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وقد اعتبر الحكومة والوزير الأول مسؤولين أمام البرلمان في المادة 74 بخلاف رئيس الجمهورية، وحدد آثار هذه المسؤولية في آلية مسألة الثقة وملتمس الرقابة، وآلية الأسئلة الشفهية.

 

----------------------

 

والمادة 72 التي استدل بها أمر الإحالة انما تتعلق بالرد على الأسئلة التي يوجهها البرلمانيون للحكومة في إطار المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان.

 

---------------------------

 

فالدستور حدد مهام البرلمان بدقة، وحدد علاقتة بالسلطة التنفيذية بدقة، ولم يعطه اطلاقا سلطة مراقبة المال العمومي، وإنما اعطتها الفقرة قبل الأخيرة من المادة 68 من الدستور لمحكمة الحسابات، فقالت: (محكمة الحسابات هي الهيئة العليا المستقلة المكلفة برقابة الأموال العمومية).

 

أما البرلمان فهو هيئة سياسية بامتياز، بدأت بها هذه المسطرة لأنها مسطرة سياسية ولو كانت مسطرة قانونية لبدأت بمحكمة الحسابات.

 

فلو كانت هذه المسطرة متعلقة بالمال العام، لدخلت مدخله (المادة68 من الدستور: محكمة الحسابات هي الهيئة المكلفة برقابة الأموال العمومية) وليس البرلمان.

 

أما اللجان غير الدائمة المنصوص عليها في المادة 11 من الأمر القانوني 03/92 فهي كاللجان الدائمة تتعلق بصلاحيات البرلمان، ولايمكنها أن تتجاوز إلى صلاحيات لم يعطها الدستور للبرلمان.

 

المسألة حساسة جدا لأنها متعلقة بمبدأ فصل السلطات.

 

----------------------------------

 

وحتى لجنة التحقيق البرلمانية التي رأينا أنها مدخل مناسب لملف سياسي كهذا، لم تكن مخرجاتها قادرة على توجيه اتهام متماسك..مجرد اتهام .. ضد موكلنا.

 

فكانت النتيجة: دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

انتقل الملف من السلطة التشريعية إلى السلطة القضائية عبر السلطة التنفيذية.

 

وقد كفانا تصريح الشاهد معالي وزير العدل السابق حيمود ولد رمظان مؤونة بيان العوار القانوني في هذا الطريق الذي أخذه الملف.

 

وكيف أن وزير العدل حينها وجميع طاقم وزارته من مديرين ومستشارين ..وفيهم قضاة أجلاء وأساتذة قانون فضلاء..قرروا جميعهم أن الملف لايتضمن مايمكن أن يتابع عليه أحد، وأن الرئيس السابق لامحل له في الموضوع لامتناع مساءلته طبقا للمادة 93 من الدستور.

 

 وبعبارة أخرى أن الملف برمته:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

-----------------------

 

أما الوقائع طي الملف فيصدق فيها ما قاله ذات يوم فضيلة رئيس المحكمة العليا الأسبق محفوظ ولد لمرابط من أن ضخامة الملف وكثرة أوراقه هي أكبر دليل على خوائه وخلوه من وقائع تصلح للاستناد عليها.

 

فيصدق فيها قول المتنبي:

 

أعيذها نظرات منك صادقة ......أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

 

--------------------------

 

فمن بين الوقائع ادعاء النيابة العامة أن موكلنا اعطى تعليمات ببيع ممتلكات عقارية عمومية دون أدنى تقدير للحاجة لذلك، ومنح مجلس الوزراء لبعض القطع الأرضية، واتخاذه قرارا ببناء مطار دولي بصفقة مقايضة،...إلى غير ذلك من الأعمال التي تقوم بها الحكومة في إطار تنفيذ برامجها وسياساتها.

 

-------------------------------------

 

وهذه حقيقة دعوى سياسية تتعلق بتقدير مدى نجاعة سياسة الحكومة التي لديها وحدها السلطة التقديرية في هذا المجال.

 

فكل هذه القرارات متخذة في مجلس الوزراء بقرارات أو بيانات.

 

فهي قرارات حكومية لا تخضع فيها الحكومة إلا للمسؤولية السياسية طبقا للدستور.

 

-------------------------------------

 

هذا اختصاص حصري للحكومة بنص المادة 43 من الدستور التي تنص على أنه: (تسهر الحكومة على اعمال السياسة العامة للدولة طبقا للتوجيهات والاختيارات المحددة من قبل رئيس الجمهورية. تتصرف الحكومة في الادارة والقوة المسلحة. تسهر على نشر وتنفيذ القوانين والنظم وهي المسؤولة امام البرلمان حسب الشروط وطبقا للاجراءات المنصوص عليها في المادتين74 , 75 من هذا الدستور .).

 

إذن مجال تقدير الحكومة لسياساتها العقارية وغير العقارية يخضع للسلطة التقديرية للحكومة، وهي مسؤولة –دون رئيس الجمهورية- أمام البرلمان طبقا لإجراءات المادتين 74 و 75 من الدستور وهاتين المادتين تتعلقان بمسألة الثقة وملتمس الرقابة.

 

-------------------------------

 

فهذا مجال تقديري بحت للحكومة، ولايخضع بحال لمنطق التجريم والعقاب، ولا حتى للرقابة باستثناء الرقابة السياسية، فمثله مثل مسائل الواقع بالنسبة للمحاكم التي لاتخضع لرقابة المحاكم الأعلى، لأنها مسائل تقديرية، والمسائل التقديرية شديدة الارتباط بالواقع والظروف والاكراهات، وبالتالي تترك لصاحب السلطة التقديرية، ولو قلنا بغير ذلك لغلت يد الحكومة عن التصرف، ولتحول الأمر إلى تدخل سافر من السلطة القضائية في صميم صلاحيات السلطة التنفيذية ولنسف مبدأ فصل السلطات.

 

-----------------------------------

 

السيد الرئيس منذ قرنين من الزمان ظهرت في الفقه الإداري الفرنسي  نظرية أعمال الحكومة، أو نظرية أعمال السيادة، ومؤداها أن أعمال الحكومة التي هي أعمال تقديرية صادرة عن السلطة التنفيذية بناء على مالها من سلطة تقديرية لاتخضع بطبيعتها للرقابة القضائية.

 

----------------------------

 

كان ذلك بمناسبة قضية مشهورة يعرفها دارسوا وباحثوا القانون والمشتغلين به وهي القضية التي صدر فيها مابات يعرف بقرار  Lafitte  التي أقر فيها مجلس الدولة الفرنسي هذه النظرية سنة 1822 لتستقر بعد ذلك في كل الفقه الإداري في العالم حتى في الأنظمة الأنكلوسكسونية، ففي ابريطانيا لايحق للمحاكم القضائية النظر في أعمال السيادة والتي تعرف في القانون الابريطاني ب: أعمال الدولة  . "Acte of state "

 

-----------------------------

 

اذن كل قرارات وبيانات مجلس الوزراء سواء تلك المتعلقة ببيع القطع الأرضية أو مقايضتها من أجل بناء المطار تدخل في هذا المجال.

 

------------------------------------

 

ومن أكثر ما أثار استغرابي وعجبي حديث البعض عن أن القانون لايسمح ببيع عقارات الدولة بالمزاد العلني!!

 

من أين أتيتم بذلك؟

 

------------------

 

هذا يذكرني بباحث اتصل يبحث عن عدد الجريدة الرسمية المتضمن لمدونة القانون الإداري.

 

يبحث عن مدونة القانون الإداري

 

لايعرف أن القانون الإداري هو بالأساس فقه، وليس قواعد مكتوبة

 

هو فقه يعطي للإدارة صلاحيات واسعة وسلطة تقديرية واسعة، بغية تحقيق المصلحة العامة.

 

فحيث ما كانت المصلحة فثم قواعد القانون الإداري.

 

----------------------

 

 فللدولة أن تتصرف في أملاكها تحقيقا للمصلحة العامة الخاضعة للسلطة التقديرية للحكومة.

 

وهي إذ ذاك إما أن تقرر التصرف مع الغير كصاحبة سلطة، فتضع شروطها وضوابطها، وإما أن تتصرف كشخص عادي يهدف للربح، وهذا هو أساس تصنيف المؤسسات العمومية بين تلك الإدارية وذات الطابع الصناعي والتجاري.

 

فإذا أرادت الدولة بيع الأراضي بشكل مربح تحقق به المصالح العمومية جاز لها ذلك، وهذا ما وقع، وفي شفافية واضحة وجلية تناسب المصلحة العامة والعمل الحكومي.

 

------------------------------------------

 

فالبيع بالمزاد العلني آلية قانونية معروفة تهدف بالأساس إلى تحقيق الشروط الثلاثة التي تضمن تطهير البيع من كل النواقض القانونية وهي: حرية الولوج للمزاد، والمساواة بين المترشحين، و شفافية الإجراءات، هذه هي المبادئ التي يقوم عليها المزاد العلني. أي مزاد علني سواء تصرفت فيه الدولة كصاحبة سلطة أم لا.

 

------------------------------------------

 

والبيع بالمزاد العلني وفق هذه القواعد يرتب أثرين معروفين:

 

-صحة البيع –وتطهير البيع، فالبيع بالمزاد العلني يطهر البيع من كل المطالبات وكل النواقض القانونية.

 

-------------------------

 

ثم بعد ذلك ..ألم تدخل للخزينة العامة من بيع المدارس مبلغ 10.182.850.000 أوقية ق، بنيت بها 75 مؤسسة تعليمية من ضمنها 45 مدرسة ابتدائية و 17 اعدادية و9 ثانويات امتياز في أماكن مأهولة وبحاجة للمدارس في مختلف مناطق موريتانيا، بدل مدارس داخل الأسواق لايزورها زائر ولايذكرها ذاكر وبعيدة من أماكن الحاجة إليها.

 

فأين تبديد ممتلكات الدولة من ذلك؟

 

------------------------

 

ومن الغريب أيضا في هذا الاطار أن يقال إن صفقة المطار تبديد للممتلكات العقارية وأنها تخالف قانون الصفقات.

 

فالفقرة 29 من المادة التمهيدية لقانون الصفقات الساري حينها رقم 044/2010 في اطار تعريف المصطلحات تنص على أن: (الصفقة العمومية هي عقد معاوضة مكتوب)، وهو نفس ماتنص عليه الفقرة 29 من المادة التمهيدية من قانون الصفقات الحالي رقم 024/2021.

 

فما المقصود بالمعاوضة؟

 

عندما نرجع لقانون الالتزامات والعقود الذي هو الشريعة العامة نجد المادة 606 تنص على أنه: (المعاوضة عقد بمقتضاه يعطي كل من المتعاقدين للآخر على سبيل الملكية، شيئا منقولا أو عقاريا، في مقابل شيء آخر من نفس نوعه أو من نوع آخر.)

 

لا مخالفة اذن

 

وقد صرح بذلك قرار الغرفة الجزائية رقم 628/2022 بتاريخ 13/12/2022 القاضي بألا وجه لمتابعة محيي الدين أبوه، لانعدام الوصف الجزائي في الاتفاق بينه وبين الدولة.

 

إذن المحكمة العليا قررت ألا وصف جزائي في هذا الاتفاق.

 

------------------------------------

 

من الغريب أيضا أن يثار أن العقارات بيعت قبل إعادة التصنيف

 

فما معنى إعادة التصنيف ومن يختص به؟ أليست الحكومة؟

 

كيف تتم إعادة التصنيف؟ أليس بمرسوم أو قرار أو بيان من مجلس الوزراء !

 

السيد الرئيس قرار مجلس الوزراء اخراج المدارس من الخريطة المدرسية وتقطيعها إلى قطع أرضية بأرقامها وسنداتها العقارية هذا هو عينه إعادة التصنيف.

 

والعقارات لم يتم بيعها إلا بعد إجراءات إعادة التصنيف هذه التي أخرجتها من الدومين العام للدولة إلى الدومين الخاص.

 

هكذا بكل بساطة .

 

------------------------

 

قيل لنا إن المدارس هي ملك للبلديات وهي من لها الحق في تغيير تصنيفها، وهذا غير صحيح لأن المادة 83 من الأمر القانوني 289/87 المنشئ للبلديات صنفت المدارس ضمن الدومين العام للبلديات وليس ضمن الدومين الخاص.

 

والدومين العام كما هو معلوم هو تلك الأموال التي تمتلكها الدولة أو هيئاتها العامة وتخضع للقانون العام وتكون مخصصة للنفع العام، وللدولة تحقيقا للنفع العام أن تغير تصنيفها بالطريقة التي ذكرنا.

 

الأمر بسيط جدا، ويدخل في صميم السلطة التقديرية للحكومة.

 

ألم أقل لكم إننا أمام :

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

----------------------

 

ومن المضحكات المبكيات في هذا المجال أن أمر الإحالة ذكر أنه في سنة 2013 تم تغيير مرسوم الصفقات العمومية وهو مايمثل غشا وتحايلا على القانون.. والله العظيم هكذا في أمر الإحالة.

 

المراسيم التنظيمية التي هي من اختصاص مجلس الوزراء مجتمعا ، طبقا للمادة 2 من المرسوم 157/2007 المحدد لصلاحيات مجلس الوزراء

 

------------

 

يعني حتى اصدار المراسيم الذي هو اختصاص حصري للسلطة التنفيذية تدخلت فيه السلطة التشريعية عبر تحقيق لجنتها، ويراد للسلطة القضائية أن تتدخل فيها وفي مدى وجاهتها ...

 

بمعنى آخر..

 

-------------

 

السلطة التشريعية تطلب من السلطة القضائية التدخل في عمل السلطة التنفيذية ولاعزاء لمبدأ فصل السلطات والمبادئ الدستورية.

 

والنتيجة: دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

--------------------------

 

تدعي النيابة العامة كذلك وقائع تتعلق بتسيير الصفقات وإرسائها وجودتها، وكلها مسائل تتعلق بالتسيير، ومعلوم أن رئيس الجمهورية لايسير، فهو يحدد السياسات العامة ويعطي التوجيهات والاختيارات، والأجهزة والمصالح المختصة هي من يختص وحدها في التسيير.

 

--------------------------------------------------

 

السيد الرئيس،

 

إن رئيس الجمهورية -حتى في النصوص التنظيمية والقانونية- يوقع بما يعرف في الفقه الإداري بالتوقيع بالعطف.

 

-------------------------

 

والتوقيع بالعطف هو الإمضاء على الوثيقة من طرف الوزير المسؤول عن تفاصيلها للدلالة على اتكاء رئيس الجمهورية على الوزير في التفاصيل، لأن رئيس الجمهورية غير معني بالتفاصيل، وغير مسؤول عنها ولامطلع عليها، لذلك هو يوقع بالعطف.

 

-----------------

 

كيف اذن نحاول تحميله المسؤولية في مسائل من دقائق التسيير الذي لا يوقع عليه رئيس الجمهورية أصلا.؟.—

 

ثم إن مجال الصفقات تحديدا ليس كباقي المجالات، حدد القانون فيه المسؤوليات بدقة وحدد آلية تحميلها.

 

فالقانون رقم 044/2010 المتعلق بمدونة الصفقات العمومية الذي كان ساريا حين كل هذه الوقائع، ومثله القانون الحالي حدد كل المسؤوليات وحدد آلية كشفها وآلية المحاسبة عليها.

 

(يستعرض)

 

-----------------------

 

فالمادة 7 من هذا القانون تنص على تحديد الشخص المسؤول عن الصفقات العمومية، وتنص هذه المادة على أنه يتحمل كل المسؤولية عن الصفقة وهو المكلف ب قيادة الإجراءات وإبرام الصفقة إلى غاية تعيين المستفيد والمصادقة النهائية على الصفقة.

 

------------------------

 

ثم بعد ذلك يأتي دور لجنة إبرام الصفقات التي تنشأ لدى كل سلطة تعاقدية برئاسة الشخص المسؤول عن الصفقات العمومية، وهي المسؤولة قانونا عن التخطيط والإبرام والمتابعة طبقا للمادة 9 من مدونة الصفقات.

 

-------------------------

 

بعد كل ذلك يأتي دور أجهزة الرقابة والتنظيم وهي: اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية وهي مختصة بالرقابة السابقة واللاحقة على الصفقات طبقا للمادة 12 من مدونة الصفقات .

 

--------------------------------------

 

ثم سلطة تنظيم الصفقات العمومية، ومن مهامها الرقابة اللاحقة على ابرام وتنفيذ الصفقات، طبقا للمادة 14 من مدونة الصفقات، وتحيل إلى السلطات المختصة جميع المخالفات سواء تعلقت بالإبرام أو التنفيذ أو الرقابة، وسواء كانت هذه المخالفات جزائية أم جبائية.

 

--------------------------------------

 

وتحكم هذه اللجنة فوق ذلك بالعقوبات المالية والطرد المؤقت أو النهائي ضد الأشخاص الطبيعية والمعنوية التي تنتهك النظم المتعلقة بالصفقات العمومية وتنشر لائحتهم في الجريدة الرسمية.

 

------------------

 

وبالرجوع للأمر القانوني رقم 049/2006 المتضمن للنظام العام للمحاسبة العمومية، نجده يحسم أمر مسؤوليات التسيير بنص المادة 9 التي تقول: (يتحمل الوزراء الآمرون الرئيسيون للدولة بفعل ممارسة صلاحياتهم المسؤوليات المنصوص عليها في الدستور والقوانين والنظم، ويتحمل الأمرون الآخرون للهيئات العمومية بفعل ممارسة صلاحياتهم مسأولية يمكن أن تكون تأديبية أو جنائية أو تأديبية، دون المساس بالعقوبات التي يمكن أن تحكم عليهم بها محكمة الحسابات)

 

(يستعرض)

 

لاعلاقة اذن لرئيس الجمهورية بشيء من ذلك كما بينا من قبل.

 

-------------------------

 

كيف إذن يراد لنا أن نناقش –بعد تحديد القانون لكل المسؤوليات المتعلقة بالصفقات-أن نناقش مسؤولية رئيس الجمهورية عن الصفقات، وهو غير معني بالتسيير ولايوقع على أي وثيقة تتعلق بالصفقات، بل وعندما يوقع على المراسيم والقوانين والقرارات إنما يوقع عليها بالعطف تحديدا للمسؤوليات.

 

--------------------------

 

ثم بعد كل هذا وذاك وبمراجعة بسيطة لتواريخ الوقائع التي سردت النيابة العامة المحترمة نجد :

 

-أنها سابقة على قانون مكافحة الفساد الذي نشر في الجريدة الرسمية رقم 1358 بتاريخ 22 ابريل 2016 ، فكل الوقائع السابقة على هذا التاريخ لا يمكن أن يطبق عليها قانون الفساد، لأن القانون لا يسري بأثر رجعي كما هو معلوم.

 

-أنها حتى لو طبقنا عليها قانون الفساد بأثر رجعي فإنها ستكون متقادمة بالتقادم الخمسي الوارد في قانون الفساد.

 

- أن كل ما كيف جنحا من هذه الوقائع على أساس القانون الجنائي هو متقادم لأن الجنح تتقادم بثلاث سنوات طبقا للمادة 8 من ق ا ج وتنقضي بذلك الدعوى العمومية طبقا للمادة 6 من ق ا ج.

 

وبذلك يتأكد من جديد أن هذه القضية مجرد:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

--------------------------------------

 

السيد الرئيس:

 

عندما نأتي إلى تكييف التهم التي ساقتها النيابة العامة وكررها أمر الإحالة و يراد بها أن يدان موكلنا، نجد أنها لا تصلح ليرتب عليها اشتباه أحرى أن يوجه اتهام أو ترتب إدانة.

 

فقد وجهت النيابة العامة لموكلنا عشر تهم متتالية ...عشرة تهم ..

 

لاتؤتى من قلة... ولكنها غثاء كغثاء السيل.

 

وكما يقول المثل الشعبي الوطني الولفي :  (سوفيكي سكانار دك رول، دفل فوكي كانار)، ومعناه (إذا كان القفل ضعيفا، ضع عشرة أقفال).

 

وهذا بالضبط ما فعلته النيابة العامة الموقرة عندما كالت عشر تهم لموكلنا وتبعها للأسف قاضي التحقيق في أمر الإحالة.

 

-------------------

 

فلما لم تجد النيابة العامة تهمة قوية منطبقة ومسنودة بأدلة متماسكة، عمدت إلى وضع الكثير من الأقفال الضعيفة التي تهاوت أمام أبسط المفاتيح القانونية.

 

وقد كيفتها النيابة العامة على المواد التالية:

 

164 و 165 و 169 و 379 من ق ج و 6 و 10 و 13 و 14 و 16 و 17 و 18 من قانون الفساد و 2 و 36 و 37 و 38 من قانون غسيل الأموال.

 

------------------------

 

أول مواد التكييف المادة:

 

المادة 164. من ق ج- التي تنص على أنه: (يعاقب بالحبس من خمس سنوات إلى عشر سنوات...... كل عون مدني أو عسكري للدولة أو المجموعات العمومية أو مؤسسة عمومية أو تعاونية أو جمعية تستفيد من مساندة الدولة أو الشركة أو مجموعة عمومية يكون نصف رأس مالها على الأقل تملكه الدولة، سواء كان ذلك العون محاسبا عموميا، أم لا وكل شخص له صفة عمومية أو كل قائم بوظيفة عمومية أو موظف قضائي ارتكب أثناء ممارسته لوظيفته الاختلاسات والتبديد المنصوص عليها بالمادة 379 من هذا القانون.

 

فماهو الاختلاس والتبديد المذكور في المادة 379

 

لنعد للمادة 379 من ق ج

 

المادة 379.- يعاقب بالحبس من ستة أشهر على الأقل إلى أربع سنوات على الأكثر وبغرامة من 5000أوقية إلى60000 أوقية كل من يختلس أوي يبدد أوراقا تجارية أو نقودا أو بضائع أو أية أشياء أخرى أو أوراقا مالية أو مخالصات أو محررات أخرى تتضمن أو تقتضي التزاما أو إبراء قد سلمت إليه على سبيل الإجارة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو الأداء عمل بأجر أو دونه بشرط ردها أو تقديمها أو لاستعملها أو لاستخدامها في عمل معين وذلك إضرارا بمالكيها أو واضعي اليد عليها أو حيازتها.

 

إن طابع الغش في الاختلاس والتبديد يترتب على مجرد كون الفاعل قد أعذر برد أو إحضار الأوراق التجارية أو النقود أو البضائع أو أية أشياء أخرى، أو الأوراق المالية أو المخالصات أو المحررات الأخرى ... ولم يمتثل.

 

هذه المادة تنص على شرطين أساسيين لقيام جريمة التبديد:

 

-الأول: أن تكون الأموال أو الأشياء قد سلمت إليه على سبيل الإجارة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو الأداء عمل بأجر أو دونه بشرط ردها.

 

-الثاني: أن يعذر الفاعل برد أو إحضار الأوراق التجارية أو النقود أو البضائع أو أية أشياء أخرى ولا يمتثل.

 

------------------------

 

طيب...السيد الرئيس،

 

الممتلكات العقارية والنقدية التي يتهم موكلنا بتبديدها هل سلمت له على سبيل الاجارة أو الوديعة أو عارية الاستعمال؟ بالله عليكم هل حصل شيء من ذلك؟ طبعا لا.

 

طيب ..هل تم الاعذار المنصوص عليه في الفقرة الموالية؟ طبعا لا.

 

اذن هذه المادة لامحل لها من الإعراب.

 

-----------------------

 

المادة 165.- تطبق العقوبات ذاتها على الأشخاص المعنيين في المادة السابقة والذين يختلسون بمناسبة ممارستهم لوظائفهم أدوات أو مخالصات أو كتابات تقضي إلزاما أو إعفاء، وعلى أي شخص حصل بطريق الغش من الدولة أو مجموعة عمومية بواسطة وثائق مزيفة أو بأية حيلة على مبالغ من النقود أو مزايا مادية يعلم أنها غير مستحقة له وذلك في أي ظرف آخر.

 

-------------------------------------

 

ما هي المبالغ أو المزايا المختلسة،...النص يقول: الذين يختلسون.

 

ثم إن المادتين 164 و165 واردتين تحت باب (الاختلاسات المرتكبة من طرف المؤتمنين العموميين).

 

وقد جاء في المادة 166 الموالية قيد على المتابعة فقد ورد فيها: (يعذر مرتكبوا الجرائم المنصوص عليها أعلاه قبل البدء في أية متابعة من طرف عون الدولة المكلف بالتحقيق، بإرجاع الأدوات أو إحضارها أو الأموال العمومية أو البضائع أو غير ذلك من الأشياء أو الأوراق أو المخالصات....الخ). طيب.. هل وقع هذا الإعذار الذي هو قيد على المتابعة... طبعا ..لا .

 

لماذا؟

 

 لأن الأمر برمته ليس أكثر من:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

------------------------

 

المادة 169.- كل موظف أو مأمور عمومي أو عون حكومي يأخذ أو يتلقى أية فائدة من العقود أو المزايدات أو المقاولات أو المؤسسات التي تكون له وقت ارتكاب الفعل إدارتها أو الإشراف عليها أو بعضها، يعاقب ....).

 

هذه المادة تتعلق بكل موظف أو مأمور عمومي أو عون حكومي يأخذ أو يتلقى أية فائدة من العقود أو المزايدات أو المقاولات أو المؤسسات التي تكون له وقت ارتكاب الفعل إدارتها أو الإشراف عليها أو بعضها.

 

------------------------

 

وقد قلنا من قبل إن رئيس الجمهورية لايدير ولايسير حتى يتهم بأخذ فوائد من العقود او المزايدات التي يشرف عليها.

 

وقد حدد القانون كما قلنا بدقة من يتولى الإدارة والتسيير وحدد قانون الصفقات العمومية وقانون المحاسبة العمومية المسؤوليات في هذا الاطار بدقة.

 

--------------------------------

 

وهنا لابد أن نوضح مسألة مهمة جدا وهي أن رئيس الجمهورية ليس موظفا عموميا، ولا ينطبق عليه وصف الموظف العمومي المحدد في قانون الوظيفة العمومية، وبالتالي كل الأحكام الجزائية المتعلقة بالموظف العمومي لا تنطبق عليه.

 

------------------------------

 

سيقولون إن رئيس الجمهورية موظف عمومي بنص المادة 2 من قانون مكافحة الفساد التي تعرفه بأنه: "كل شخص مدني أو عسكري يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا سواء كان معينا أو منتخبا..الخ"

 

-------------------------

 

طيب..حتى لو ذهبنا معكم في هذه القراءة الخاطئة بالتأكيد، فإن هذه المادة استهلت بعبارة دقيقة وهي قولها: "يقصد بالمصطلحات التالية بمفهوم هذا القانون" يعني أن هذه المصطلحات خاصة بهذا القانون دون غيره، فيبقى مفهوم الموظف العمومي في القانون الجنائي على ماهو عليه أصلا في كل المنظومة القانونية ولايدخل فيه رئيس الجمهورية.

 

وبالتالي جميع المقتضيات الواردة في القانون الجنائي المتعلقة بالموظف العمومي لاتنطبق على رئيس الجمهورية.

 

-----------------------------------------

 

أما بالنسبة لمواد التكييف من قانون الفساد التي يراد أن تطبق على وقائع سابقة على القانون نفسه.

 

فتشتمل على: المواد 6 و 10 و 13 و 14 و 16 و 17 و 18 .

 

فأما المواد 6 و 10 و 13  و 14 فزيادة على أنها لاحقة على الوقائع ولاتسري بأثر رجعي، فإنها تتعلق بالموظف العمومي الذي يبرم الصفقات والعقود(المادة 6)، أو يختلس أو يبدد الأموال التي عهد بها إليه بحكم وظيفته (المادة 10) أو يعد بمنفعة غير مستحقة أو يقبل بها أو يلجأ للوساطة بهدف الحصول على منفعة من سلطة عمومية (المادة 13) واستغلال الوظيفة من أجل القيام بعمل في اطار الوظيفة (المادة 14).

 

-----------------------------

 

وقد بينا  أن رئيس الجمهورية لايبرم الصفقات ولايوقع العقود والاتفاقيات ولا ملحقاتها التي هي اختصاص حصري للموظفين المحددين في النظم المتعلقة بالصفقات، وقد حددت المسؤوليات بشكل دقيق.

 

---------------

 

وبينا أن رئيس الجمهورية لايسير، وبالتالي لا تسلم له الممتلكات أو الأموال ولا يعهد بها إليه بحكم وظيفته، فهو ليس محاسبا ولامديرا ولاوزيرا ولاحافظا عقاريا فهو لايسير، ولايوقع إلا بالعطف ولايعهد إليه بأموال ولا بممتلكات، وفق النظم المحددة للتسيير والمحاسبة العمومية التي حددت المسؤوليات بدقة.

 

إنها تهم غريبة جدا..

 

زد على ذلك إن رئيس الجمهورية لا يدخل ضمن مفهوم الموظف العمومي الذي نصت عليه المادة 2 من قانون الفساد

 

(كل شخص مدني أو عسكري يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا سواء كان معينا أو منتخبا)

 

-----------------

 

هذا التعريف لا يشمل رئيس الجمهورية لأن رئيس الجمهورية لايشغل منصبا تنفيذيا وإنما يمارس السلطة التنفيذية ومهمته تتعارض مع كل وظيفة عمومية مهما كانت طبقا للمادة 28من الدستور.

 

----------------

 

ثمة فرق كبير بين ممارسة السلطة التنفيذية وقدد حدد الدستور ملامح ممارستها، وبين شغل منصب تنفيذي يقتضي التسيير والإدارة والخضوع لقانون المحاسبة العمومية وقانون الصفقات.

 

لذلك لن تجد في قانون الفساد وصفا للموظف العمومي يمكن تصوره في رئيس الجمهورية.

 

وبالتالي كل هذه المواد لاتنطبق على رئيس الجمهورية.

 

أما نكتة هذه التهم فهي المادة 17 التي تتحدث عن إخفاء العائدات الاجرامية، فقد اتهم موكلنا بالقيام بأعمال إجرامية، وبإخفاء عائداتها الإجرامية في نفس الوقت، وهذا لايستقيم لامنطقا ولا قانونا.

 

فإخفاء العائدات الاجرامية من ما يسمى عند الجنائيين بجرائم الغير، أي لا تجمع للمتهم مع الجريمة الأصلية.

 

----------------

 

مثلها مثل المشاركة لا يمكن أن يتهم الشخص بالفعل وبالمشاركة فيه في نفس الوقت، ولا أن يتهم بالسرقة وبإخفاء المسروقات في نفس الوقت، ولا باستعمال المخدرات وبحيازة مايستعمله في نفس الوقت.

 

----------------

 

ثم هي لاتقوم ما لم تقم الجريمة الأصلية وقد رأينا أنها غير قائمة غير ثابتة.

 

وبديهي أن ذلك غير قائم في مسطرتنا التي هي مجرد:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

 

 

ويحضرني هنا حديث وكيل الجمهورية الموقر عن قانون الشفافية المالية في الحياة العمومية، وكيف ربط بين تصريح رئيس الجمهورية واخفاء العائدات الإجرامية.

 

.................................

 

وهنا لابد أن ننبه إلى أن قانون الشفافية المالية نص في المادة الثانية على أنه: " يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه و عند نهاية مأموريته بتصريح بممتلكاته و ممتلكات أطفاله القصر. و ينشر هذين التصريحين"

 

(يستعرض)

 

وقد قرأها السيد الوكيل بالبناء للمجهول (وينشر هذان التصريحان) رغم أنها في النص : (ينشر هذين التصريحين) إلا اذا كان السيد الوكيل ممن يلزم المثنى الألف ولا إنكار في ذلك.

 

 

 

المهم أن هذا القانون لم يتحدث عن رئيس الجمهورية في غير هذه المادة، فبعدها تحدث عن بقية الأشخاص الملزمين بالتصريح وعددهم ونص في المادة 3 على أن إجراءات تصريح هؤلاء –دون رئيس الجمهورية ستحدد بمرسوم

 

 

 

ثم جاء المرسوم رقم 207/2007 المنشئ للجنة الشفافية المالية في الحياة العمومية، وحدد في المادة 2 منه مهام اللجنة في أنها تلقي تصريحات الأشخاص المذكورين في المواد 3 و 4 و 5 و 6 من قانون الشفافية المالية، وفصل في إجراءات تصريح هؤلاء.

 

أما رئيس الجمهورية المذكور تصريحه في المادة 2 فلم يصدر إلى يومنا هذا مرسوم يحدد الجهة التي يصرح أمامها، وبالتالي المادة 2 من القانون مازالت تحتاج لنص تنظيمي يحدد الجهة التي تستقبل تصريح الرئيس وإجراءات هذا التصريح.

 

فهي غير نافذة الى يومنا هذا لعدم صدور المرسوم المطبق لها.

 

وهذه مناسبة للدعوة إلى إصداره.

 

----------------------------

 

 

 

أما المادة 16 المتعلقة بالاثراء غير المشروع

 

التي تنص على أنه: "يعاقب بالحرمان من الحقوق المدنية المنصوص عليها في المدونة الجنائية كل موظف عمومي لا يمكنه تقديم تبرير الزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة".

 

--------------------------

 

هذه المادة وردت في التهم كمعادلة ذات ثلاث مجاهيل

 

المجهول الأول: الأفعال غير المشروعة المزعومة.

 

المجهول الثاني: دليل وقوع هذه الأفعال غير المشروعة.

 

والمجهول الثالث: تاريخ وقوع هذه الجريمة.

 

ودون حل هذه المعادلة الصعبة لن نجزم بوقوع الجريمة جزما يرتفع معه الشك، ولن نعرف هل وقعت بعد صدور قانون مكافحة الفساد فينطبق عليها أم لا؟

 

وبالعودة لنص المادة سنجد لها قراءتان:

 

القراءة الأولى: قراءة النيابة العامة الموقرة التي تعتبر أن المادة تحول عبء اثبات الجريمة عن النيابة العامة إلى المتهم، فتكلفه بإثبات براءته ومشروعية مصدر أمواله.

 

---------------------

 

 وهذه القراءة تفتح الباب واسعا لتوريط الناس، وتصفية الحسابات، وتلغي مبدأ استصحاب البراءة الأصلية الذي جاءت به الشريعة الإسلامية و تغنى به الحقوقيون، وكرسته القوانين، ونص عليه الدستور.

 

------------------------------------

 

هذه المادة-بهذه القراءة التي تقدمها لها النيابة العامة- تخالف المبدأ الشرعي الأصيل المعروف بمبدأ استصحاب الأصل، والمؤصل بما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي).

 

----------------------

 

بل إن الشريعة الإسلامية جعلت من مدعي خلاف البراءة الأصلية كاذبا ومستحقا للعقاب ما لم يأت بالدليل القاطع، وذلك في قوله تعالى: (لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

 

فقدم الحقيقة القانونية على الحقيقة الواقعية، رغم أنهما في حادثة الإفك متطابقتان مع الحقيقة المطلقة عند الله علام الغيوب.

 

----------------------------------

 

لذلك قال القرطبي في تفسير الآية: (أي هلا جاءوا بأربعة شهداء على ما زعموا من الافتراء، فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون: أي هم في حكم الله كاذبون، وقد يعجز الرجل عن إقامة البينة وهو صادق في قذفه، ولكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب).

 

--------------------------------

 

ولقد عجبت كثيرا عندما قال وكيل الجمهورية الموقر-وهو من هو في الكفاءة والعلم  ومعرفة السير وكتبها- إن مبدأ من أين لك هذا يؤسس لجريمة الإثراء غير المشروع، وضرب لذلك مثلا بما روي عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه أخذ شطر مال الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه لما ولاه البحرين.

 

والقصة معروفة ومبسوطة في كتب السير، وقد استغلها بعض المشككين في السنة –للأسف- للطعن في أمانة أبي هريرة رضي الله عنه، إذ هو أكثر الصحابة رواية للحديث، واعتبروا أن تطبيق مبدأ من أين لك هذا، دليل إدانة بالفساد وعدم الأمانة.

 

وليس الأمر كما قالوا إطلاقا .

 

--------------------------------------

 

فأ بوهريرة فعلا استعمله عمر على البحرين سنة 21 هجرية، فقدم بعشرين ألفا، فقال له عمر من أين لك هذا؟ ، فقال: خيل نتجت، وغلة رقيق لي، وأعطيات تتابعت علي، فقال له عمر خذ منها 12 ألفا وضعها في بيت المال.

 

وقد عامل عمر بعضا من الصحابة بمثل ذلك، ليس عقابا لهم على فساد ارتكبوه –معاذ الله- ولا أمانة خانوها-معاذ الله- ولكنه إبعاد لهم عن أن يتهموا بالشبهات.

 

-------------------------------

 

فقد كانت صدقة منهم أعطوها برضاهم لبيت المال، تزكية لأموالهم، وحفظا لأعراضهم من أن يتهموا بالشبهات، وإلا فمن أكثر أمانة من أبي هريرة رضي الله عنه، ومن أكثر أمانة من ابي موسى الأشعري وقد ولاه عمر البصرة وعند عودته أخذ جزءا من ماله، ومن أكثر أمانة من سعد ابن ابي وقاص الذي ولاه العراق ولما عاد أخذ شطرا من ماله وهو أحد المبشرين بالجنة.

 

--------------------------------

 

كل ذلك لم يكن اتهاما لهم بالفساد ولا بالإثراء غير المشروع ولابخيانة الأمانة معاذ الله، وإنما –كما قرره المحققون- حماية لهم من أن يتهموا في أعراضهم، وقد منحوا أموالهم طواعية وليس عقابا ولاتعزيرا

 

انظروه في طبقات ابن سعد، وسير أعلام النبلاء للذهبي.

 

--------------------------------

 

السيد الرئيس السادة ع المحكمة

 

القول بأن عمر كان يأخذ شطر أموال ولاته اتهاما لهم بالاثراء غير المشروع هو قول لبعض الطاعنين في عدالة الصحابة رضوان الله عليهم، تمهيدا للطعن في السنة النبوية، وليس صحيحا بالمرة.

 

فالمبدأ في الإثبات هو ماقرره النبي صلى الله عليه وسلم صريحا: (البينة على من ادعى).

 

أما الصحابة الكرام فبرءاء من تهمة الاثراء غير المشروع، ولو انفق أحدكم ملأ الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولانصيفه كما في الحديث الصحيح.

 

-----------------------

 

فقد زكاهم الله في كتابه " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.

 

--------------------------

 

السيد الرئيس

 

إذن هذه المادة (16) اذا ما أخذنا بقراءة النيابة العامة لها ستكون متعارضة تعارضا صارخا مع المادة 13 من الدستور التي تنص على أنه: «يعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية»، فالبريء لا يكلف بإثبات براءته، طبقا للمادة أعلاه، وتكليفه بإثبات مشروعية أمواله هو تكليف بإثبات البراءة.

 

وستتعارض هذه المادة مع صريح المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة التمهيدية من ق ا ج.

 

----------------------------

 

هي أيضا بهذه القراءة ستكون متعارضة مع: قرارات سابقة للمجلس الدستوري الموريتاني تتعلق بحماية مبدأ البراءة الأصلية، من ذلك مثلا قراره المتعلق بالنظام الأساسي للقضاء رقم 007/93 وكذلك القرار رقم 001/2010 المتعلق بقانون مكافحة الإرهاب الذي صرح بعدم دستورية بعض مقتضيات قانون مكافحة الإرهاب لأنها وفق تعبير المجلس : " تعكس الأمر فتعتبر كل شخص مدانا حتى تثبت براءته" .

 

(يستعرض)

 

------------------------------

 

وحتى في الفقه الدستوري المقارن أكد المجلس الدستوري الفرنسي في قراره رقم: 99-411 بتاريخ: 16 يونيو 1999 المتعلق بقانون السلامة الطرقية أنه لا يحق للمشرع إنشاء قرينة الجرم في المادة الجنائية.

 

(يستعرض)

 

وكذلك المجلس الدستوري التونسي في رأيه رقم: 20-2006 بتاريخ: 24 إبريل 2006 حول مادة مماثلة أنه «يترتب على قرينة البراءة التي أقرها الدستور إعفاء المتهم من عبء الإثبات وحمل هذا العبء على سلطة التتبع».

 

(يستعرض)

 

-------------

 

وقد قررت المحكمة الدستورية العليا المصرية  في القضية رقم: 13 لسنة 12 قضائية أن نص المشرع على مثل هذا المقتضى يعد انتحالا من السلطة التشريعية لاختصاص القضاء المختص وحده في الإدانة.

 

(يستعرض)

 

------------------------

 

 حيث جاء فيه: «الاختصاص المقرر دستوريا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائم وتقرير عقوباتها، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع إعمالا لمبدإ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية»

 

 ويضيف: «بعد أن افترض النص المطعون عليه هذا العلم بقرينة تحكمية، ونقل عبء نفيه إلى المتهم، فإن عمله يعد انتحالا لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية، وإخلالا بموجبات الفصل بينها وبين السلطة التشريعية، ومناقضا كذلك لافتراض ابراء المتهم من التهمة الموجهة إليه في كل وقائعها وعناصرها، ومخالفا بالتالي لنص المادة 67 من الدستور»".

 

نعم هو انتحال لاختصاص كفله الدستور للسلطة القضائية

 

المادة 13 من الدستور: («يعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية»)

 

لذلك لا يمكن للقضاء أن يطبق المادة 16 من قانون الفساد بهذا الفهم الذي ساقته النيابة العامة لها

 

--------------------

 

وهنا يحضرني استدلال مذكرة الفضلاء بقرار من محكمة النقض الفرنسية صادر بتاريخ 20 مايو 2009 في الطعن رقم 08.10.576 .

 

يتضمن أن المحاكم لاتملك صلاحية رفض تطبيق نص تشريعي لعدم مطابقته للدستور.

 

(يستعرض المذكرة)

 

وهذا جميل ومهم...

 

لكن الذي لم قله لكم الفضلاء، هو أن هذا القرار صادر عن الغرفة المدنية الأولى ...نعم الغرفة المدنية وليس الجنائية ..قياس آخر مع وجود الفارق

 

فالذي نتحدث نحن عنه في هذه القضية هوماعبرت عنه المحكمة الدستورية المصرية بانتحال السلطة التشريعية لاختصاص السلطة القضائية المختصة وحدها في الإدانة.

 

أي أن المشرع هنا أصدر حكما خارجا عن اختصاصه وبالتالي لاعبرة به.

 

فالقضاء وحده هو من يدين، بعد أن تثبت النيابة التهمة، وليس للمشرع أن يصدر حكما مسبقا بالإدانة مالم يثبت الشخص براءته.

 

--------------------

 

فنحن لانتحدث عن رقابة المحاكم على عدم دستورية القانون، كما توهم الفضلاء، وإنما عن اختصاص القضاء وحده في الإدانة.

 

وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية في قرار مبدئي حديث، يتعلق بمحاكمة بعض المتهمين بالإثراء غير المشروع طبقا  لقانون مكافحة الفساد ، على أساس مادة مشابهة لنص المادة 16 من قانون مكافحة الفساد الموريتاني المعروضة أمام محكمتكم الموقرة . وهو قرار حديث جدا.

 

وطبعا في مصر توجد محكمة دستورية يطعن أمامها بعدم الدستورية.

 

(يستعرض)

 

-----------------------

 

فماذا قال قرار محكمة النقض المصرية رقم 30342 بتاريخ: 27/04/2004 :

 

 «حيث وجدت محكمة النقض بأن الأصل في المتهم بالبراءة وأن إثبات التهمة قِبله يقع على عاتق النيابة العامة التي عليها وحدها عبء تقديم الدليل على ارتكاب المتهم للجريمة؛ حيث لا يملك المشرع نقل عبء الإثبات إلى المتهم خلافا لهذا النص الدستوري والذي تم تأييده من قبل المشرع نفسه في قوانين الإجراءات الجنائية».

 

ثم أردفت في حيثية أخرى: «ولما كان الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن الأول لعجزه عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ على ثروته من زيادة لا تتناسب مع موارده يكون قد أخطأ في تطبيق القانون لأنه قام على افتراض ارتكاب المتهم للفعل المؤثم وهو الكسب غير المشروع لمجرد عجزه عن إثبات مصدر الزيادة في ثروته، وكان الحكم المطعون فيه إذ أدان المتهم بناء على هذا الافتراض الظني وقلب عبء الإثبات مستندا إلى دليل غير مشروع وقرينة فاسدة تناقض الثوابت الدستورية التي تقضي بافتراض أصل البراءة ووجوب بناء الحكم بالإدانة على الجزم واليقين لا على الافتراض والتخمين، فإنه يكون مستوجبا النقض ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعلان براءة الطاعن الأول مما أسند إليه».

 

-----------------------------

 

قرار مبدئي آخر لمحكمة النقض المصرية يحمل الرقم 0768 وثقه المكتب الفني رقم 23 صفحة رقم 987 تخت عنوان أركان جريمة الكسب غير المشروع:

 

يقول: "إذا كان الحكم المطعون فيه قد أدان الطاعن بجريمة الكسب غير المشروع ولم يبين أن الطاعن حصل على الكسب بسبب استغلاله بالفعل لأعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه، وانما اعتبر أن مجرد عجزه عن اثبات مصدر الزيادة في ثروته دليلا على أن ماكسبه غير مشروع، فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فوق قصوره في التسبيب مما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة"

 

(يستعرض)

 

---------------------------

 

ثمة قرار آخر مماثل صادر عن المحكمة العليا هنا في موريتانيا هو القرار رقم 21/92 الصادر بتاريخ 01/04/1992 نص بشكل واضح على أن المبادئ القانونية العامة تفوق قوة القانون، فقد جاء فيه: (وحيث إن المبادئ القانونية تفوق قوة القانون، وحيث إن مما ليس فيه شك أن حرمان محامي المتهم من تصوير مستندات الملف يعتبر مساسا بمبدإ حقوق الدفاع الذي هو حق سنه المشرع لحماية حريات الأفراد).

 

(يستعرض)

 

وتعرفون أن قرينة البراءة الأصلية مبدأ قانوني، وأن المشرع سنه حماية لحريات الأفراد.

 

----------------------------

 

السيد الرئيس السادة أعضاء م الموقرة

 

على قراءة النيابة العامة للمادة ليس أمام محكمتكم الموقرة إلا الحذو حذو قضاة المحكمة العليا بموريتانيا ومحكمة النقض بمصر، واعتبار المبادئ القانونية الدستورية فوق قوة القانون، واعتبار سن المشرع لقرينة الإدانة مجرد انتحال لاختصاص القضاء المختص وحده بالإدانة، وبالتالي الامتناع عن تطبيق المادة.

 

---------------------

 

ثمة قراءة ثانية مختلفة عن قراءة النيابة العامة للمادة، إنها قراءة المجلس الدستوري.

 

-------------

 

فقد تقدمنا أمام المجلس الدستوري بطعن ضد هذه المادة يتعلق بعدم دستوريتها، فقضى المجلس الدستوري في قراره رقم 007/2023 بأن هذه المادة لاتخالف الدستور، وقدم تفسيرا لذلك في حيثية حاسمة من قراره قال فيها:

 

"حيث إن المكلف بإثبات مشروعية المال يبقى بريئا حتى تثبت إدانته"

 

(يستعرض)

 

---------------------------------------

 

هكذا قال المجلس الدستوري

 

"حيث إن المكلف بإثبات مشروعية المال يبقى بريئا حتى تثبت إدانته"

 

---------------

 

معناه أن المجلس الدستوري يرى أن المادة يمكن تطبيقها مع إبقاء المكلف باثبات مشروعية المال بريئا حتى تثبت إدانته.

 

أي مع بقاء احتفاظه بقرينة البراءة الأصلية، وبقاؤها يستلزم أن يبقى عبء اثبات جريمة الاثراء غير المشروع على النيابة العامة وليس على المتهم.

 

ربما تستغربون.

 

معنى هذا الكلام أن المتهم يمكن أن يطلب منه أن يثبت مشروعية ماله، ولكن أثبتها أم لم يثبتها يبقى بريئا وعلى النيابة العامة أن تثبت ارتكابه لجريمة الاثراء غير المشروع.

 

وهنا لابد من بيان أن البراءة والإدانة مركزين قانونيين:

 

فالبراءة مركز قانوني أصلي –غير طارئ- ويترتب عليه أنه لايحتاج لإثبات، ولذلك تصرح به المحاكم ولاتحكم به.

 

والإدانة مركز قانوني طارئ، لايكون إلا بإثبات من النيابة، وتحكم به المحاكم، فلايكون إلا بحكمها.

 

والمجلس الدستوري في قراره قال: إن المادة يمكن تطبيقها مع إبقاء المكلف باثبات مشروعية المال بريئا،

 

أي مع بقاء احتفاظه بقرينة البراءة الأصلية، وبقاؤها يستلزم أن يبقى عبء اثبات جريمة الاثراء غير المشروع على النيابة العامة وليس على المتهم.

 

-------------------------

 

بمعنى أن المتهم يمكن أن يطلب منه أن يثبت مشروعية ماله، ولكن أثبتها أم لم يثبتها يبقى بريئا وعلى النيابة العامة أن تثبت ارتكابه لجريمة الاثراء غير المشروع

 

------------------------

 

وهذا الفهم الذي ذهب اليه المجلس الدستوري تدعمه مفردات المادة

 

فالمادة تقول: "كل موظف لايمكنه تقديم تبرير الزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة"

 

لايمكنه ..لم تقل المادة كل موظف لم يبرر الزيادة... وإنما قالت لايمكنه تقديم تبرير.

 

فالزيادة المشروعة يمكن تبريرها، ..بررها الموظف أم لم يبررها

 

والزيادة غير المشروعة لا يمكن تبريرها .. بررها الموظف أم لم يبررها

 

وفي الحالتين النيابة العامة تبقى هي المكلفة باثبات عدم مشروعية هذه الزيادة وبالتالي اثبات  عدم إمكانية تبريرها.

 

فعلى النيابة العامة أن تثبت أن زيادة المال لايمكن تبريرها وبالتالي غير مشروعة.

 

هذا هو ما قرره  المجلس الدستوري الذي قضى بإبقاء قرينة البراءة الأصلية للمكلف بالتبرير، وبقاء قرينة البراءة الأصلية يستلزم جعل عبء الاثبات على النيابة إذ البراءة لاتبرر كما هو معلوم.

 

----------------

 

وكما تعلمون ينص الأمر التنظيمي رقم 001/92 بتاريخ 18 يوليو 1992 عن المجلس الدستوري ينص على أن: "قرارات المجلس الدستوري ملزمة للسلطات العمومية والقضائية.

 

------------------------------

 

من ناحية أخرى موكلنا بين أمام محكمتكم الموقرة مصدر ممتلكاته وفصلها، رغم أنه غير مخاطب بالمادة لأنه غير موظف عمومي، ورغم أن عدم التبرير لايعفي النيابة من الاثبات وفق قرار المجلس الدستوري.

 

وقد رأينا أن الأموال التي نسبت الى موكلنا كانت منفوخة ومضخمة، وتقدير قيمها كان عشوائيا ولم يتم عن طريق خبرات مختصة، وفي النهاية جاء عشرات الأشخاص يطالبون بممتلكاتهم المحجوزة والمنسوبة ظلما للرئيس السابق.

 

ليتضح أن كل هذه الضجة والأموال والمليارات والإثراء غير المشروع، ليس سوى معادلة ذات ثلاث مجاهيل حاصل نتيجتها صفر. ...فهي ليست سوى:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

---------------------------------------------

 

بقيت تهمة غريبة عجيبة كدت أنساها

 

انها تهمة إعاقة العدالة على أساس المادة 18 من قانون الفساد.

 

فماذا تقول المادة 18 وماهي الوقائع التي كيفت بها.. لنرى

 

تقول المادة 18: (يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات:

 

كل من استخدم النفوذ أو القوة البدنية أو التهديد أوالترهيب أو الوعد بمنفعة غير مستحقة أو عرضها أو منحها للتحريض على الادلاء بشهادة زور أو منع الادلاء بالشهادة أو تقديم الأدلة في اجراء يتعلق بارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذا القانون.

 

كل من استخدم النفوذ أو القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب لعرقة التحقيقات أو المتابعات وصدور الأحكام بشأن الأفعال المجرمة وفقا لهذا القانون.

 

كل من رفض عمدا ودون تبرير تزويد سلطات الرقابة والبحث والمتابعة والتحقيق بالوثائق والمعلومات المطلوبة.)

 

والمقصود طبعا هو الفقرة الأخيرة.

 

فما المقصود بهذه الفقرة؟!

 

------------------------------------

 

السيد الرئيس ..السادة أعضاء المحكمة الموقرة

 

أولا: موكلنا لم يرفض دون تبرير، وإنما قدم تبريرا دستوريا قويا وهو تمسكه بالمادة 93 من الدستور.

 

ثانيا: المادة أصلا لاتتعلق بالمتهم وإنما تتعلق بالغير بالنسبة للدعوى العمومية، بمعنى أن أي شخص ليس طرفا أي ليس متهما ولاطرفا مدنيا رفض تزويد سلطات المتابعة والتحقيق بالوثائق والمعلومات المطلوبة.

 

-------------------------------

 

لماذا هذا التفسير

 

ببساطة لأن المتهم يتمتع بحق الصمت

 

وحق الصمت يقوم على أساس مبدأ استصحاب البراءة الأصلية، أي اعتبار كل متهم بريئا حتى تثبت ادانته، وينبني على ذلك أنه لا يكلف بنفي التهمة، بينما يقع عبء اثباتها على النيابة العامة.

 

---------------------------------

 

وحق الصمت حق من حقوق الدفاع، التي هي من أهم وآكد شروط المحاكمة العادلة، لذلك تحرص عليها المحاكم وينادي بها الحقوقيون، وتناضل من أجلها نقابات المحامين في العالم.

 

-----------------

 

ولذلك نجد أنه في كل العالم لا يعتد بتصريح المتهم مالم يكن صادرا عن اختيار وحرية، ولا يجتمع الاختيار والحرية مع منع حق الصمت، إذ المجبر على الكلام ليس مختارا.

 

---------------------------------------

 

ولو اعتبرنا ممارسة حق الصمت جريمة وفقا لهذا التصور الذي قالت به النيابة العامة في تهمها وتبعها قاضي التحقيق، لو أخذنا به لوجب علينا اتهام قاضي التحقيق نفسه بعرقلة العدالة.

 

------------------

 

لأنه فعلا وبإقرار قضائي وقع عليه هو نفسه مع زميليه صرح بقوله: (وأشعرنا المتهم بأنه حر في أن لا يدلي بأي تصريح)، يعني أشعرناه بحقه في الصمت، يعني أشعرناه بحقه في ارتكاب جريمة إعاقة العدالة.

 

بل أكثر من ذلك محكمتكم الموقرة أشعرت المتهمين بحقهم في الصمت.

 

----------------------------------------------

 

إنه فهم لا يستقيم، فالفقرة الأخيرة من المادة 18 من ق الفساد لاتتعلق بالمتهم وانما تتعلق بالغير، وحق الصمت مكفول بكل شرائع العام.

 

-----------------------------

 

أبعد كل هذا تأتينا النيابة العامة باتهام متهم باعاقة العدالة لأنه تمسك بحقه في الصمت، ويتبعها قاضي التحقيق في ذلك بعد أن يشعر المتهم بأن له الحق في الصمت لأن المادة 101 من ق ا ج تلزمه بذلك.

 

أزيدكم شيئا آخر... هذه التهمة بالذات سبق لقطب التحقيق أن أدان بها وأصدر عقوبة بشأنها .

 

(يستعرض)

 

نعم أدان وعاقب...ففي  يوم 11 مايو 2021، استدعاه قطب التحقيق ووجه له سؤالا واحدا، هل ما زلت مصرا على التمسك بالمادة 93 من الدستور، قال: نعم، فأصدروا على الفور قرارا قالوا فيه إن التمسك بالمادة 93 وعدم الرد على الأسئلة يشكل جريمة اعاقة العدالة المنصوصة في المادة 18  وأنهم يعاقبونه على ذلك بالأمر بعدم مغادرة مسكنه (حبسه في البيت عقابا على جريمة إعاقة العدالة).

 

--------------------

 

أي والله هكذا..والأمر بين يدي، (وحيث إن المتهم محمد ولد عبد العزيز في استجوابه أمامنا بتاريخ 11 مايو 2021 تمسك برفض الإجابة على أسئلة القضاة، المشكلين لقطب التحقيق والنيابة)، -ليس قطب التحقيق فقط ، وإنما أيضا قطب النيابة ، بمعنى نعاقبك لأن خصمك سألك ولم تجبه،- يقول القرار:( معيقا بذلك سير العدالة والتحقيق  ومخالفا مقتضيات ف 3 من المادة 18 من ق الفساد)....وبالنتيجة حبسه في داره.

 

مسطرة في منتهى الغرابة ..ومع ذلك لاغرابة

 

لأنها في النهاية:

 

مجرد دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

---------------------------

 

ومما يشبه هذا الاتهام تهمة غسيل الأموال على أساس المادة 2 و 36 و 37 و 38 من قانون غسيل الأموال .

 

المواد 36 و 37 و 38 تتعلق بعقوبة نفس الفعل الوارد في المادة 2

 

والمادة 2 تقول: (يعد مرتكبا لجريمة غسل الأموال كل من علم أو كان عليه أن يعلم أن الأموال متحصلة من جريمة أصلية وقام عمدا بأي مما يلي:

 

-تحويل الأموال أو نقلها بغرض إخفاء المصدر غير المشروع

 

-اكتسابها أو حيازتها او استخدامها

 

-الشروع في أحد هذه الأفعال.).

 

-----------------------------

 

فجريمة غسل الأموال لها ثلاثة أركان:

 

1-أن تكون الأموال متحصلة من جريمة أصلية: وقد رأينا أنه لاجريمة أصلية، فالنيابة العامة لم تأتنا بهذه الجريمة الأصليه ولم تثبتها لنا وقد رأينا ماهية الوقائع الواردة في أمر الإحالة.

 

2-العلم بأن الموال متحصلة من جريمة: وهو منتف بانتفاء الأول.

 

3-قصد إخفاء المصدر غير المشروع: وهذا لا يتحقق إلا اذا تحققت عدم المشروعية أولا، ثم تم القيام بأعمال توهم الناس بأنها هي مصدر الأموال.

 

اذن لا محل لجريمة غسل الأموال في حق موكلنا

 

.......................................

 

وإذن هذا الملف الضخم الكبير الطويل العريض الذي ملأ الأرض وشغل الناس، ليس أكثر من:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

ليس أكثر من هذا.

 

تحدث بعض الفضلاء عن قانون تمويل الحملات الانتخابية وهو الأمر القانوني رقم 035/2006 وحاولوا أن يستنتجوا منه تهمة جديدة ليست في لائحة الاتهام.

 

(يستعرض)

 

وغاب عنهم أن هذا الأمر القانوني نص على آلية خاصة لرقابة شرعية أموال الحملات وشرعية صرفها.

 

فنص في المادة 8 على لجنة مكلفة برقابة قانونية تمويل الحملات وصرفها، ويمكنها أن تلزم المترشح بتقديم إيضاحات تتعلق بها، وتعد تقريرا في نهاية كل انتخابات بموجبه تمنح البراءة للمترشح، وفي حالة مخالفته للقانون تحيل الملف مع تقرير للمدعي العام لدى المحكمة العليا.

 

دون هذه المسطرة المنصوصة قانونا لايمكن الحديث عن عدم شرعية أموال الحملات أو عدم شرعية صرفها.

 

ثم إن هذا القانون علق على مرسوم تطبيقي يبين إجراءات تطبيقه لم يصدر إلى يوم الناس هذا.

 

فلامجال إذن للحديث في هذا المجال ... والقانون هو الفيصل، وباحترامه يتضح أننا فعلا أمام:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

--------------------------------

 

في مجال الإثبات جاء أمر الإحالة بالعجب العجاب

 

فقال: وحيث إن تصريحات المتهمين أمام وكيل الجمهورية والتحقيق تعتبر اعترافات قضائية يعتد بها.

 

طيب...ألم ينتبه أمر الإحالة أن الرئيس السابق لم يصرح أمام وكالة الجمهورية ولا أمام التحقيق  إلا بأنه يتمسك بالمادة 93 من الدستور؟!

 

-------------------------

 

وهنا مما يثير دهشة المشتغلين بالاثبات الجنائي أن يقال في الملف على سبيل الاثبات: (قال فلان إنه تلقى أوامر بذلك من رئيس الجمهورية).

 

فإذا كان المأمور به مباحا فلا مجال للحديث عنه.

 

وإذا كان مجرما، فإن ادعاء تلقي الأوامر لاينقل المسؤولية إلى من يُدعى عليه بتوجيه أوامر دعوى مجردة لادليل عليها.

 

--------------------------

 

وهنا اسمحولي بضرب مثال واقعي بسيط جدا..

 

أياما قبل المحاكمة هم موكلنا بالسفر خارج موريتانيا لمعاينة طيبة محددة سلفا فمنع من ذلك في المطار، وهم بمغادة نواكشوط الى اترارزة لممارسة حقوقه السياسية فتم منعه، رغم أنه لايوجد قرار قضائي يمنعه.

 

-----------------------

 

ورغم أن هذا يشكل جريمة الاعتداء على الحريات المكرسة دستوريا طبقا للمادة 111 من ق ج.

 

وكانت دعوى المانعين في الحالتين: أنه ممنوع بأوامر من السلطات العليا، بل وأحيانا قيل لنا إنه ممنوع بأوامر من المحكمة.!!

 

وقد ذكر لي العميد أشدو إن المحكمة أخبرته أنها لم تأمر بذلك ولم تعلم به.

 

-------------------------

 

فمجرد القول إن فعلا معينا قيم به بأمر من شخص ما، لاينقل المسؤولية إلى ذلك الشخص.

 

فالإدارة مكتوبة كما يقال.

 

وتبقى هذه مجرد دعوى غير مشبهة، من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

 

 

أما بالنسبة للتحقيق أمام المحكمة فلست بحاجة للقول إن أقوال الرئيس السابق وأقوال بقية المشمولين كانت كلها دون استثناء مؤكدة للبراءة.

 

ولن أعود إليها

 

----------------------------------

 

لكن بودي قبل أن أختم أن أعلق قليلا على شهادات الشهود الذين مثلوا أمام محكمتكم الموقرة

 

---------------------

 

فجميع الشهود دون استثناء لم يشهدوا بما يدين موكلنا الرئيس السابق ..إطلاقا.

 

ولذلك لم تعتبرهم محكمتكم الموقرة –وبحق-شهود إثبات ولا شهود اتهام.

 

وحتى الذي حاولوا الشهادة بشيء ضد موكلنا كانت شهاداتهم مردودة مجروحة وفق قواعد الجرح والتعديل الشرعية والقانونية، فلايمكن قبولها ..ولو قبلت لما رتبت إدانة.

 

 -------------------------------

 

هذه القوادح ليست طعنا في أشخاصهم معاذ الله،

 

ولكنها قواعد شرعية وقانونية عامة ومجردة ترد بها الشهادة مهما كان الشاهد، وتفقدها قيمتها الإثباتية.

 

1-هؤلاء جميعهم إما يعملون لصالح الطرف المدني –بين مزدوجتين- الذي هو الدولة، وقد صرح بذلك با عثمان، وأحمد بكرن، وتيام جامبار وإما يعملون في خدمتها في صفقات تجارية، وقد صرح بذلك سلمان ولد إبراهيم وأبهاي ولد غدة، وهذا قادح من قوادح الشهادة كما تصرح به كتب الفقه ، لأن شهادة الأجير لمستأجره وشهادة الخادم لمن يخدمه، وشهادة الشخص لمن يرجو نفعه ويخشى ضره، وشهادة الشخص لمن يستفيد من خدماته كلها مردودة.

 

ولذلك نصت المادة 301 من ق ا ج بشأن الشهود على أنهم:  "يسألهم الرئيس عما إذا كانوا في خدمة المتهم أو الطرف المدني أو هؤلاء في خدمتهم".

 

والجواب أن أغلبهم في خدمة الدولة، وجميعهم تخدمه الدولة .. لا أعتقد أن هنا من ينكر ذلك.

 

2- القادح الثاني هو أن أغلب هؤلاء الشهود كانت شهادتهم متعلقة بما وصل لعلمهم أثناء قيامهم بوظائفهم أو بالخدمة العامة المكلفين بها.

 

وقد نصت المادة 444 من ق ا ع الذي هو الشريعة العامة في الإثبات، نصت على أن:

 

"الموظفون والمكلفون بخدمة عامة لا يشهدون، ولو بعد تركهم العمل، على ما يكون قد وصل إلى علمهم، في أثناء قيامهم به، من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها. ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم".

 

فشهادة هؤلاء دون الحصول على الإذن هي شهادة غير شرعية، والدليل غير الشرعي لاقيمة له في الإثبات كما تعلمون.

 

3-القادح الثالث شبهة الخوف، وقد تعرض بعض الشهود للتوقيف لدى الشرطة قبل ادلائهم بشهادتهم، بل بعضهم تحول من مشتبه به إلى شاهد.

 

------------------------------

 

4-القادح الرابع أن جميع الشهود الذين استدعتهم المحكمة رفضوا الرد على بعض الأسئلة، أي أنهم رفضوا الإدلاء ببعض الشهادة، بمعنى أنهم كتموا بعضها.

 

وليس للشاهد-كما تعلمون- حق الصمت الذي يمنحه القانون للمتهم، لأن المتهم يدافع عن نفسه وحق الصمت وسيلة دفاع، بينما يفترض أن الشاهد يشهد خدمة للحقيقة والحقيقة فقط، وليس له أن يكتم شيئا منها، وفي التنزيل "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"..

 

--------------------------------

 

لذلك نص القانون على يمين خاص بالشاهد في المادة 301 من قانون الاجراءات يتضمن قول: "كل الحق"، فاليمين لا يتضمن "قول الحق"، وإنما قول :"كل الحق" فإذا شهد الشاهد ببعض الحق فقط وكتم الباقي حنث بيمينه، وحنث الشاهد بيمينه قادح في شهادته فلا تقبل.

 

---------------------------------

 

ثم إن المواد 296 و396 و 397 من قانون الاجراءات الجنائية تنص على عقاب الشخص الذي تستدعيه المحكمة فيرفض أداء اليمين أو يرفض أداء الشهادة، ورفض الرد على سؤال هو رفض لأداء الشهادة في موضوع السؤال، مما يقدح في الشهادة.

 

----------------------------

 

إذن ليس في هذا الملف من الأدلة سوى شهادات مقدوحة مردودة لم تتضمن أصلا أي شيء يدين موكلنا.

 

أو قولة أمر الإحالة (التحقيق لديه معلومات) والتي لم يكشف عن مصدرها، وعلى كل حال ليست لها أية قيمة قانونية ولا اثباتية.

 

هذه هي حقيقة أدلة الإثبات التي قدمت في هذا الملف، والتي تؤكد من جديد أنه مجرد:

 

دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

السيد الرئيس الساد أعضاء المحكمة الموقرة

 

أختم بسبع معطيات قانونية يتعين أن لاتغيب عن أذهانكم

 

---------------------------------------------

 

1-أن قانون الفساد لم يصبح نافذا إلا ابتداء من 22 ابريل 2016 وأية واقعة وقعت قبل هذا التاريخ لاتخضع له طبقا لقاعدة أن القانون لايسري بأثر رجعي.

 

------------------------------------------------

 

2-أن كل الجنح المنصوصة في القانون الجنائي تتقادم بثلاث سنوات، والجنايات بعشر سنوات.

 

ومعناه أن أي واقعة قبل يوم  17 أغسطس 2017 مكيفة بأنها جنحة من جنح القانون الجنائي هي متقادمة ولاتمكن المتابعة عليها.

 

وكل واقعة مكيفة جناية وقعت قبل 17 أغسطس 2010 هي متقادمة ولاتمكن المتابعة عليها

 

-----------------------------------------------

 

3-أن رئيس الجمهورية ليس وزيرا ولا مديرا ولا مسيرا ولا آمرا بالصرف، ولا محاسبا عموميا، ولا مسؤولا عن الصفقات العمومية ولاعضوا في لجانها ولا في هيئات رقابتها وليس رئيس سلطة متعاقدة وهؤلاء هم حصرا من تقع عليهم مسؤولية تسيير المال العمومي، طبقا لقانون الصفقات العمومية والقانون المتضمن للنظام العام للمحاسبة العمومية.

 

-----------------------------------------------

 

4-أن الدولة الموريتانية لم تدع فقدان خزائنها ولاميزانياتها لمبالغ مالية اختلسها الرئيس السابق، ولم تدع ذلك أي مؤسسة عمومية أو خصوصية، ولم يدع أحد أن لديه دليلا على تلقيه لرشوة.

 

-----------------------------------------------

 

5-أن جميع الوثائق التي تحمل توقيع رئيس الجمهورية إنما يوقع عليها بآلية (التوقيع بالعطف)، وهي آلية معروفة في القانون الدستوري ظهرت مع ظهور حصانة رئيس الجمهورية وامتناع مساءلته، فاخترع فقهاء القانون الدستوري آلية بموجبها يوقع المسؤول عن الملف قبل توقيع رئيس الجمهورية، وذلك ليتحمل المسؤول عن الملف كامل المسؤولية. (انظر المادة 19 من دستور 1958 في فرنسا

 

6-أن أعمال السيدة أو مايعرف بأعمال الحكومة، تشمل كل القرارات والمراسيم والبيانات التي يتخذها مجلس الوزراء أو أعضاؤه، وتخضع للسلطة التقديرية لهم، وهذه غير خاضعة إطلاقا للمساءلة القضائية.

 

---------------------------

 

7-أن المادة 93 من الدستور نصت في فقرتها الأولى على أنه: (لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن افعاله اثناء ممارسته سلطاته الا في حالة الخيانة العظمى).

 

وفي فقرتها الثانية على أنه: (لايتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية ...وتحاكمه محكمة العدل السامية).

 

----------------------------------------

 

وخلاصة الخلاصات أن هذا الملف هو مجرد: دعوى من غير ذي صفة، مقدمة أمام قضاء غير مختص، ضد شخص لا تمكن مساءلته، متعلقة بوقائع متقادمة وغير ثابتة وغير مجرمة.

 

-------------------------------------------

 

فهذا الملف الضخم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، ودامت إجراءاته أكثر من ثلاث سنوات، وشمل أكثر من 12 الف صفحة، لم يكن سوى صرح من خيال ..فهوى.

 

وقد تكسرت كل الأقفال الضعيفة التي وضعتها النيابة العامة.

 

والآن وضح الحق وانكشفت الغمة ورفع الغطاء عن الجميع.

 

فلنعد جميعا للحق، فإن الله يعظم به الأجر ويحسن به الذكر.

 

---- و

 

ليس من يخطئ الصواب بمخط... إن يأب ولا عليه ملامه

 

حسنات الرجوع تكفر عنه ..سيئات الخطا وتمحو الملامة

 

إنما المخطئ المسي من إذا ما... وضح الحق لج يحمي كلامه

 

بناء عليه فإننا نطلب من محكمتكم الموقرة:

 

1-التصريح بعدم قبول الدعوى العمومية ضد موكلنا، لانعدام الصفة في مقدمها وعدم اختصاص القضاء العادي بشأنها وتقادم الدعوى العمومية فيها

 

2-وإن تجاوزت المحكمة ذلك، فالتصرح بالبراءة لعدم مسؤولية موكلنا وانعدام الوقائع الجزائية في حقه وعدم وجود دليل ضده.