أكدت وثيقة سرية أعدتها بعثة من صندوق النقد الدولي لتشخيص واقع الحكامة في موريتانيا أن "ضعف وهشاشة القطاع المصرفي يساهم في زيادة فرص الفساد"، مردفة أن هذا الظاهرة "تتفاقم بشكل أكبر بسبب التراخي في اعتماد معايير الكفاءة، والسمعة السليمة للمساهمين وأعضاء مجالس الإدارة والإدارات المركزية للبنوك، وكذلك ممارسات الشركات المشتبه بها".
ورأت الوثيقة، أن نقاط الضعف في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ما تزال تعيق فعالية نظام مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وتكبح سعى السلطات إلى تفعيل التحسينات الأخيرة في إطارها التنظيمي والقانوني لمكافحة مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
قانون غير نافذ
ورأت الوثيقة - التي جاءت نتيجة تشخيص أعدته البعثة في الفترة ما بين 06 ديسمبر و03 يونيو 2022 – أن البنك المركزي يعمل على أسس قانونية متينة، لكن عدم نفاذ قانونه للعام 2018 "يخلق مشكلات كبيرة في مجال الحكامة".
وأضافت أن ما وصفتها بـ"الممارسات الحالية تحد من استقلالية البنك المركزي، وذلك بسبب تشكلة مجلس الإدارة وصلاحيات لجنة التدقيق"، مشيرة إلى انعكاس المشاكل المستمرة المتعلقة بالإدارة الفعالة للمخاطر في دور البنك المركزي في التعدين الأهلي، والقواعد والإجراءات المستخدمة في تسيير احتياطيات النقد الأجنبي.
تكتم على الإفلاس
ورأت بعثة صندوق النقد الدولي أن الإشراف على القطاع المالي في موريتانيا ما يزال يمثل منطقة ضعف مؤثرة في الحكامة، ويحتمل ارتباطها بالفساد، ممثلة لذلك بعدم "الإفصاح عن البنوك المفلسة وتطهير القطاع المصرفي منها"، إضافة لعدم "إنفاذ المتطلبات الاحترازية، وحدود تعرض الأطراف ذات الصلة".
وأكدت البعثة في وثيقتها أنه على الرغم من التقدم الملاحظ مؤخرا في تحديث الأطر القانونية والتنظيمية لتقريبها من مستوى المعايير الدولية، فإن الهيئات التنظيمية المالية لم تستخدم سلطتها وقدراتها لمعالجة نقاط الضعف في القطاع المصرفي في مرحلة مبكرة.
وتحدثت الوثيقة عن ثغرات "تحد من قدرة الحكومة على منع أنشطة غسيل الأموال المرتبطة بالفساد وتحديدها والتحقيق فيها بشكل فعال"، كـ"الثغرات الموجودة في الإجراءات، واحترام القواعد المتعلقة بالتدابير الرئيسية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك تعزيز الرقابة الواجبة للأشخاص السياسيين في الواجهة والمستفيدين من الأشخاص الاعتباريين، فضلاً عن تحليل ونشر المعلومات المالية المهمة، وضمان الامتثال لها".
كما رأت البعثة - في الوثيقة التي اكتملت شهر نوفمبر الماضي غير أن صندوق النقد الدولي والحكومة آثارا الإبقاء عليها سرية - أنه ما تزال هناك نقاط ضعف كبيرة في الحكامة في استخدام ومحاسبة الأموال العامة، بما في ذلك اختيار وتصميم وتنفيذ مشاريع الاستثمارات العمومية، وممارسات تفويت الصفقات العمومية، وإدارة الشركات والأصول العمومية.
وأضافت الوثيقة أن هذه النقاط ما تزال قائمة على الرغم من التحسينات التي تمت في مجال تسيير المالية العامة، كتحديث الإطار القانوني لإدارة المالية العامة، وكذا النجاح في إنشاء نظام معلوماتي، وإنشاء حساب خزينة موحد.
رقابة محدودة الأثر
واعتبرت الوثيقة أن عمليات الرقابة والمساءلة الداخلية والخارجية موجودة وواضحة ومتزايدة، لكن تأثيرها يظل محدودا بسبب عدم وجود إطار متسق للمخاطر وتشتت الإجراءات، وذلك على الرغم من أن الحكومة اتخذت خطوات مهمة لزيادة الشفافية، إلا أن توفر المعلومات حول الميزانية والاستثمار والأداء ما يزال محدودا ويقيد مشاركة الجهات غير الحكومية.
واقترحت الوثيقة تعديل مشروع قانون تعدين الذهب التقليدي وشبه الصناعي، وذلك لتخفيف مخاطر مشاركة البنك المركزي في الأنشطة شبه المالية.
وأوصت الوثيقة بتعزيز تنظيم سوق الصرف الأجنبي في البلاد، وذلك من خلال إنشاء سياسة داخلية لإدارة استمرارية الأعمال لمعاملات الصرف الأجنبي، واشتراط الحصول على موافقة مسبقة من الأطراف المقابلة، وتحديد سقف لكل طرف مقابل، وتقسيم عملية الترخيص إلى مستويين أو ثلاثة مستويات.
كما أوصت بتحديد حد يومي لمعاملات الصرف الأجنبي، ولمتطلبات الموافقة المسبقة على مبلغ إضافي من معاملات الصرف الأجنبي، فضلا عن فصل الوحدة المسؤولة عن تسويات سويفت، وتعزيز تطبيق القواعد القائمة، وذلك من أجل تقليص التعرض لمخاطر الفساد في الإشراف والإدارة في سوق الصرف الأجنبي.
حل مشكلة البنوك
وخلصت الوثيقة إلى ضرورة "إقرار وتنفيذ خطة عمل محددة زمنيا لحل مشكلة البنوك التي تعاني من نقص رأس المال، وكذا البنوك غير القابلة للاستمرار، وذلك بسرعة وحسم"، إضافة لتعزيز الأطر التنظيمية والإشرافية على معاملات الأطراف ذات الصلة، ورفع مستوى تطبيق الأطر التنظيمية والإشرافية الاحترازية المتعلقة بالحكامة.
كما دعت الوثيقة لرفع مستوى نشر وزيادة متطلبات الإفصاح عن هياكل وسياسات حكامة البنوك والمساهمين الرئيسيين فيها، وذلك بهدف تعزيز الرقابة على القطاع المالي من خلال معالجة نقاط الضعف في الحكامة التي قد تكون مرتبطة بالفساد.
وأكدت بعثة صندوق النقد الدولي ضرورة تكثيف أنشطة مراقبة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك المراقبة في الموقع وخارجه للكيانات والقطاعات عالية المخاطر لضمان الامتثال لقوانين ولوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك متطلبات الأشخاص، وذلك من أجل الحد من مخاطر إساءة استخدام القطاع المالي لغسل العائدات غير المشروعة.
الأخبار