لم تخل منصات الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي،في قطبنا الجهوي (منبر الحوض الغربي،٠ الطينطان صوت التنمية، منبر الانصاف، صالون الطينطان اليوم، أطر الحوض الغربي... الخ)، على مدى السنتين المنصرمتين من مداولات و نقاشات عبرت في مجملها عن رغبة لدى القوى الصاعدة في الولاية، والشبابية إجمالا، في كسر الروتين السياسي، فعلا، وممارسة، وشخوصا، فلا مناص - حسب هؤلاء - من التناوب بين أجيال القطب الجهوي الواحد، على الكرسي السياسي و المنصب التنفيذي، على حد سواء.
لسان الحال والمقال - لدى هؤلاء - يقول بالحرف وبأعلى درجات الصوت: - آن الأوان لأن يضع الحرس القديم العصا والبندقية معا، فاسحا بذلك المجال واسعا، أمام الدماء الجديدة، لتخطو على السكة،وتكمل المسيرة، بكل ثقة واقتدار، دون تردد أو نكوص.
ولعله يحق لنا ونحن نسدل الستار على موسم انتخابي، استثنائي، في الشكل والمضمون، أن نتساءل عما
يمكن أن يرصده المراقب في خضم مشهدنا الإنتخابي، من تماه مع تلك التطلعات الشبابية، الطامحة للمراجعة والتغيير،المنصف، والعادل في الآن نفسه؟
قبل سنة وأثناء صوتية سجلتها
على صفحة " صالون الطينطان اليوم "، كنت أرجعت تحكمية الحرس القديم، في مشهدنا السياسي، للإرادة السياسية، حيث أنه لا سبيل لقطع خطوة إلى الأمام في هذا الإتجاه، إلا عبر الأطر القانونية الممهدة لذلك، فشراكة العنصر النسوي، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمغتربين، و الشباب، في الفعل السياسي، لم تتأت لهم قبل وضع الأطر القانونية الضامنة لذلك. فكذلك تناوب الأجيال على المناصب السياسية، والإدارية، لا بد قبله من الإطار القانوني الناظم له، ولا بد قبل ذلك من توفر الإرادة السياسية الساعية إليه.
ولعل اعتماد النسبية المسبوقة بمناخ التهدئة السياسية المنتهجة من لدن رئيس الجمهورية السيد محمد الشيخ الغزواني، ومن ثمه، إتاحة فرصة المشاركة لمختلف الكيانات السياسية لتدلي بدلوها في المنافسة الانتخابية، تزامنا مع إخفاقات كواليس حزبنا " الإنصاف "، للأسف، في ترجيح الترشيحات الأكثر أمانا خلال الموسم الانتخابي الأخير، تلكم كلها عوامل تضافرت، وعجلت على ما يبدو، بتحيين تضاريس الخريطة السياسية في قطبنا الجهوي، على حين غرة، ودون أن يتم الترتيب لذلك، لارسميا، ولا سياسيا، ولا شعبيا.
وبالرجوع، قليلا، إلى الوراء، واستئناسا ببعض متغيرات أرشيف تضاريسنا السياسية الخاصة، نرى أنه وبعد أن استطاع الحرس القديم، رغم ما مني به من اخفاقات، أن يضع ما حصل من تحوير في المعالم التضاريسية للمشهد سنة 2006 في ثلاجته السياسة، بحكم شراكة آحاد من هؤلاء الحرس في المطبخ السياسي الوطني على مدى المأموريتين المتتاليتين للعشرية، إلا أن القوى الحية والصاعدة عموما، والمتأذية بالجملة، من قهر التدوير السياسي والإداري الممنهج، استمرت في بحثها عن التغيير مقبلة، ودون هوادة، على التشبث بكل وافد سياسي جديد، وبنفس القوة والسرعة، استمرت في الإدبار عن المخرجات البشرية، لماكنة التدوير النشطة منذو 1984 إلى يومنا هذا.
بالفعل، وفي سياق النشوة بأقنعة المجددين قبل تساقط بعضها على الطريق، تم تحريك المياه الراكدة، في الطينطان - على وجه الخصوص - إبان دخول النائب سيدي محمد السييدي ومحفوظ محمد الامين، قبة البرلمان 2006، بغض النظر عن اليافطة التي استقدمتهما آنذاك، لأنهما كانا من طينة لا سبيل للتدوير عليها، ما جعل غالبية أهل الطينطان يستمتعون معهما بنكهة التجديد السياسي، حتى وإن اختلف البعض معهما في المشرب السياسي حينها، إلا أن يد المدورين أطفأت الجذوة على الفور، وحنطت بريق تطلع البعض إلى التجديد، تحت جبل من جليد، ولغاية الموسم الانتخابي قبل الأخير.
فعلا كان دخول النائب ولد الصبار في تامشكط، والنائب فاطم أعلى محمود في كوبني، والنائب عمار أحمد سعيد، وقبله النائب سيدي عالي سيد ألمين، في لعيون، والنائب أم الخيري الشيخ الغزواني والنائب محمد المختار الطالب النافع، في الطينطان، للغرفة التشريعية، سنة 2018، بمثابة ملمح تحيين لتضاريس خريطتنا السياسية، تحيين بطعم ونكهة مختلفين عن سلفه عام 2006، إلا أن ولوج الشاب أبحيده ولد خطري، من الباب الواسع للائحة كوبني النيابية، وعلى مرأى ومسمع من الحرس القديم، وتربع الشاب سيديا الطلبه، بالطريقة نفسها على المقعد النيابي اليتيم، في مقاطعة أطويل، في نيابيات 2023، يعد، بحق، ملمحا تجديديا، أنصع من ذي قبل، بغض النظر عن يافطة الإستقدام.
و دائما،في إطار رصدنا للمتغيرات على مستوى الممارسة مثلت استضافة مشهدنا السياسي في مقاطعتي أطويل والطينطان، لبعض من الأطر المنتسبين، عمريا ومهنيا، للحرس القديم، فرصة عبر هؤلاء، من خلالها عن رؤاهم السياسية، وتطلعاتهم التنموية، ولئن كان البعض نظر إلى تلك الخطوة بمستوى من الريبة والتوجس، فقد رأى آخرون أنها ملأت فراغا في المشهد، كانت تعبئته، أولى، في نظر البعض، من تركه فارغا، بل ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بقولهم: إن هذه التجربة، بما تخللها من أنشطة تعبوية و متنفسات ترفيهية، ساهمت، إلى حد كبير، في تلطيف حرارة ليالي الحملات، وربما عملت، ومن حيث لا نشعر ، على امتصاص جزء من صدمات الاستقطاب السياسي وقللت من مطباته، فحتى وإن خسر رواد هذه التجربة رهانات المعركة في كافة الدوائر الانتخابية التي نافسوا فيها،تقريبا، إلا أنهم حافظوا على مستوى من الحضور في المسرح السياسي المحلي، إجمالا، خلال موسمنا المنصرم، خلافا لنظراء لهم، تغيبوا، حسا أو معنى، وبشكل شبه تام عن المشهد السياسي، مع تضاؤل المسوغات الموضوعية لغيابهم، ومفارقة المفارقات، أن هؤلاء المتغيبين، ظلوا إلى وقت قريب، يحسبون الفاعلية في مسرح الأحداث، لهم وحدهم، دون غيرهم.
ولئن كانت بواعث الطموح السياسي لدى الفئة الأولى، مفهومة - وربما،مشروعة - فهل يرمز تحجب الفئة الثانية، عن الأضواء، إلى إعلان محتشم عن الإستقالة من المشهد السياسي المحلي، أم هو تعبير مقنع عن رغبتهم في الإحالة إلى المعاش السياسي، أم هما معا !؟
ومما رصده المراقب للمشهد السياسي في قطبنا الجهوي، خلال الموسم الانتخابي المنصرم، التراجع الملحوظ لحضور التواصليين، في الولاية عموما، و خاصة في أمهات قلاعهم( الطينطان - كوبني)، حيث بالكاد حصل هؤلاء على بلديتين ريفيتين( "عين فربه" و" اقليق أهل أوجه")، رغم مساعيهم الحثيثة لكسب رهان مقعد الجهة، وبعض اللوائح النيابية، فهل انحسار الجسم السياسي العقائدي الذي حافظ على الحضور بقوة، كحزب معارض، في مشهدنا الجهوي اجمالا، لأزيد من عقد من السنين، مرده لعوامل ذاتية وبنيوية في الحزب نفسه، أم إلى عوامل موضوعية متأتية عن البئة والمناخ السياسي و الوطني إجمالا ؟
ومما رصده المراقب لموسمنا الانتخابي الأخير ، ولعله الأهم، *انتصار الحزبية على القبلية، وبالذات في بلدية لعيون، ونيابيات الطينطان، حين صوت الناخب "الإنصافي"، بنعم، جوابا منه على سؤال أضمره البعض، وعبر عنه البعض الآخر : "هل نحن حزبيون أم قبليون "؟
ومما رصده المراقب - في الحوض الغربي - إن لم يكن في الوطن عامة - أن الناخب أصبح مميزا وراشدا، وبالتالي مؤتمنا، إلى حد بعيد، على صوته، بحيث لم يعد يمنح الصوت إلا لمن لمس فيه غيرة على الهموم العامة، وارتباطا بالناخب قبل الحملة وبعدها، غير آبه بالمظاهر الكرنفالية، وما يرافقها عادة من ضحك على الذقون ولعب بالعواطف، وعزف، آني، على مختلف الأوتار، أثناء السهرات الانتخابية.
ومما سجلنا بارتياح، وثمنا، من موقعنا كمنتسبين لحزب الإنصاف، مهنية غير مسبوقة، تحلت بها البعثات الحزبية،خلافا لما درجت عليه الطواقم الحزبية فيما مضى، من تخندق مع بعض الفاعلين على حساب البعض الآخر، واستهتار بالنصوص والتوصيات الحزبية.
وأخيرا، ومع ارتفاع منسوب التمثيل الشبابي في غالبية المجالس المحلية لبلدياتنا التسع والعشرين، فإن تربع الشاب جمال ولد بيه على كرسي جهة الحوض الغربي يعد مكسبا،ربما عزف على وتر التطلعات والطموحات الشبابية المذكورة أعلاه، لكنه مكسب يحمل في طياته اختبارا للمهارات والقدرات والمسؤوليات الشبابية، فهل سيكسب الشباب المنتخبون، في الحوض الغربي، الرهان ويتماهون مع تطلعات الساكنة والناخبين، وينتزعون ود المواطن في الحوض، بتقديم أداء تنموي مختلف عن المعهود، ويتشبثون بهمومه الخدمية، والحيوية والمعيشية، والإنسانية، أم أن الأمر لن يعدو كونه فرصة ستتاح للحرس القديم، ليتندروا من خلالها على أداء غرمائهم السياسيين، من المنتخبين الشباب، حال عجزهم عن التميز في الفعل والممارسة، من خلال تسييرهم لمأمورياتهم المقبلة، وخاصة الشق المتعلق منها بالتنمية المحلية، المحسوب في جزئه الأكبر، على الجهة أكثر من العمد والنواب !؟
بقلم - محمد الداده