على رسلكم... الشعب يريد نهج البناء !! (الحلقة 2).

سبت, 18/02/2023 - 18:03

أجل، إنها قصة تلاحم بين الشعب الموريتاني ومواطن، من بين أفراده، اسمه محمد ولد العزيز، رأى عن قرب حقائق التسيير الكارثي للبلد؛ بحكم موقعه في الحرس الرئاسي، طيلة ما يزيد على خمسة عشر سنة، آمن بقضية بلده، وأخلص لوطنه؛ جزم ذات يوم من سنة 2003م؛ وقبلها بكثير، بضرورة التغيير الجذري في طريقة إدارة الشأن العام، وبإلحاح وضرورة تحقيق نقلة نوعية، بإقامة مشاريع عملاقة، مهيكلة، باقية للأجيال القادمة؛ وآمن بضرورة علاج ما يرى من تسيب في أمور الدولة كلها، وترهّل في مفاصلها، وضعف في وسائلها، وهشاشة في هياكلها؛ وانعدام بنيتها التحية، التي لم تكن يومها تصل إلى الحدّ  الأدنى مما يمكن السكوت عليه؛ ناهيك عن التحديات الأمنية، التي كانت تشكل آنذاك خطرا وجوديا بالنسبة للدولة الموريتانية، كادت أن تعصف بها من الأساس؛ هذا مع تعقيدات أثنية، وعرقية داخلية، ظل أعداء هذا البلد المسكين من كافة لأطراف، ينفخون تحت جمهرها، فيُغذّونَها توتراً، وأزماتٍ، حتى أصبحَ التعايش بين مكونات البلد، على كفّ عفريت، في تلك الآونة. مما خلف دواهي في علاج تلك الأزمات من طرف نظام، بات في آخر أيامه، عاجزا عن العلاج الصحيح لمجمل تلك التحديات الوجودية للبلد آنذاك، في عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، الذي، وإن كان كارثيا في المجمل، لم يخلُ هو الآخر، وإنصافا لصاحبه، من تحقيق بعض المكاسب، كإدخال اللغة العربية لأول مرة في الإدارة، وكمشروع كهربة أربعة عشر مدينة، وشق طريق انواكشوط انواذيب؛ مع بعض التصحيحات في الاختلالات المتعلقة بـ "الهوية الحضارية للبلاد"؛ ولم تتجاوز هذا الحدّ . فكانت حركة التصحيح جوابا استثنائيا، ومصيريا بكل المقاييس، على ضرورة انتهاء حكم الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، الذي دفعته تعقيدات المرحلة، في آخر أيام حكم دام ما يقرب من العقدين، إلى الوقوع في معالجات، وخيارات "قاتلة" كأحداث 1989-1990م، وملف حركة "فرسان التغيير" ، وكإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وليكن تناولنا، لإيضاح كل ما يتعلق بفترة حكم محمد ولد عبد العزيز، وما سبقها، وما تلاها؛ و  الذي قاد حركة التصحيح تلك، من خلال النقاط الثلاث التالية: 

1-ما قبل حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، اتسم بهشاشة الدولة، وشبه انعدام للبنية التحتية؛ أي لا شيء يذكر. 

 اتسمت الأيام الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع بانسداد تام في الأفق السياسي، و بانعدام البنية التحتية في الصحة، والتعليم، والطرق، والنقل، والمواصلات، وفك العزلة، والماء، والكهرباء، والصيد المنهوب؛ وبتسيب تام، وهشاشة، وضعف، وترهّل منقطع النظير،  وبزبونية، ومحسوبية عامة تنخر في جميع مفاصل الدولة؛ كما اتسمت تلك الفترة بتفشي وترسخ عقلية الفساد، والمفسدين، لدي كافة المسؤولين، إلا من رحم ربك؛ وبتحكم طبقة رجال الأعمال من  "الكومبرادور"، المفسدين، مصاصي دماء الشعب المسكين، في جميع مفاصل الحكم؛ وهم الذين كانوا قد استفادوا من عملية "خصخصة" لقطاعات وأنشطة، ولمؤسسات عديدة، كانت حكرا على للدولة، أو ملكا لها؛ تم تفويتها إلى القطاع الخاص؛ في ظروف وبشروط، وبمقاييسَ تستحقّ إفراد معالجات خاصة بها؛ كل ذلك إلى جانب ضعف تام وانعدام كامل لوسائل الجاهزية والدفاع لدي القوات المسلحة، وانعدام شبه كامل للحضور الدبلوماسي لموريتانيا في المحْفلَيْنِ، الإفريقي والعربي آنذاك؛  فكانت حركة التصحيح، التي قادها الجنرال محمد ولد عبد العزيز في تلك الفترة،  جوابا استثنائيا بحق؛ سنكتفي، في محاولة تلخيص لها، وباقتضاب شديد، بشهادة واحدة، عن تلك المرحلة، وهي لعمدة بلدية لعيون آنذاك، السيد سعدن ولد حمادي، الذي قال يومها: « إن رئيس المجلس الأعلى للدولة، يمثل للموريتانيين اليوم رمز انتصار العدالة على الظلم، والنور على الظلام، والصدق والشجاعة على الانحراف والفساد، لكونه كان منقذ موريتانيا في الثالث من أغسطس 2003م، ومنقذها في السادس من أغسطس 2008م؛ حيث أعاد مسار الديمقراطية إلى جادة الطريق المستقيم، وحارب الفساد المستشري في البلاد منذ الاستقلال، وأعاد للموريتانيين الأمل في العيش والتوق إلى غد أفضل. إن إدارة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، غيرت أوضاع البلاد، وبدلت رؤية المواطنين للدولة، فخلال ثمانية أشهر فقط تضاعف رصيد المنجزات والمكاسب وبدا جليا أن موريتانيا قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة بكل المعاني، وأصبحت بشائر الغد المشرق الزاهر تأخذ مصداقيتها كل حين، وتجلى ذلك في ميادين عديدة وصعد مختلفة وبوتيرة متسارعة من تخفيض للأسعار، وتوفير للدواء، وتعبيد للطرق، وإنصاف للأحياء المنسية في "الكبات"، وتنكيس لعلم الكيان الصهيوني، وقطع للعلاقات معه، وعودة اللاجئين، وانطلاق مسار تسوية الإرث الإنساني؛ وهذه إنجازات ملموسة تحققت بجهود موريتانية ذاتية في وقت قصير، وهو ما يؤكد صدق و وفاء رئيس المجلس الأعلى للدولة رئيس الدولة بتعهداته، وقدرته على القيادة، ووصفه برئيس الفقراء والمهمّشين.» اهـ.

وكان ذلك قبل تسطير فصول الملحمة النهضوية الخالدة، فما بالك  حين نتحدث عن أوجها، و ذروتها !!! ؛ بعد أن كسب ثقة الموريتانيين من خلال صناديق الاقتراع، والذين عهدوا إليه في فترتين، بإدارة دفة الحكم، في انتخابات شهد المراقبون بشفافيتها، ومصداقيتها؛ وذلك في الانتخابات الرئاسية التي نظمت سنة 2009م؛  ثم تلتها العهدة الثانية، بالانتخابات الرئاسية لسنة 2014م. 

 2-خلال حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، تحول البلد كله إلى ورشة بناء متواصل، فكانت نقلة نوعية بكل المقاييس، وتحققت مكاسب باقية لموريتانيا الدولة، على جميع الصعد.

ستذكر أجيال كثيرة متعاقبة، ولردح من الزمن غير قليل- وليسمع ذلك "الشانئون"- ، تلك الأسطر الناصعة، التي كتبت بماء الذهب ، والتي سطرها الرئيس السابق السيد  محمد ولد عبد العزيز، في صفحات المجد، لا لنفسه، ولا لعشيرته، بل لموريتانيا الحبيبة؛ التي لبست في أيام حكمه ثوب "المهابة"، و"العزة"، و"الكرامة"، بين مصاف الدول؛ وتحولت من "حاضر، لا يستشار إذا حضر؛ وغائب، إذا غاب لا ينتظر" ؛ لتحتضن قمتين، لأول مرة في تاريخها، ومنذ الاستقلال؛ وليحسب لها ألف حساب، إقليميا، وعربيا، وإفريقيا.

أما على صعيد الإنجازات التي تحققت في المدن والقرى، والتي تستعصي اليوم على المكابرين، فحدث ولا حرج !! وبالتأكيد، لن تسعنا فقرات هذا المقال، لنفي ولو بالنزر القليل من تسليط الضوء المستحق، على تلك المنجزات الخالدة؛ والتي، لولا الحسد، والبغض، والكراهية، و" منطق الإقصاء" المستحكم في أعداء محمد ولد عبد العزيز؛ لكانت الإشادة بها، والاعتراف بها، وتثمينها، ومواصلتها، وتكريم صانعها؛ بدل  التنكيل به، وجرجرته أمام "محاكمة تصفية الحسابات"، عنوان المرحلة الحالية من الحكم في البلاد!!! لكنه الحقد، والحسد الذي لا دواء له، والعياذ بالله، والذي استحكم في نفوس ثلة من الذين سبق وأن قلت عنهم: « فكل شيء أبيض ناصع، ما امتلأت جيوبهم، وانتفخت بطونهم، وازدهرت أعمالهم، وراجت بضاعتهم، ولو كانت "سجائر" تسمم وتقتل أبناء جلدتهم؛ وينقلب كل شيء إلي سواد حالك، عندما تتعرض مصالحهم "الشخصية" لأدني تعارض مع المصلحة العامة. هؤلاء تصادموا مع نهج محمد ولد عبد العزيز الإصلاحي، بالتأكيد. »

ولك أن تُحَدِّثَ عن فترة الإنجازات العملاقة، الشاخصة، الباقية، الخالدة، كما يحلو لك؛ ولك أن تزهوَ بها، في عزة، وشموخ، إن كنت من المواطنين الموريتانيين البسطاء من أمثالي، والذين لا يريدون إلا مصالح، ومكاسب تكون باقية لوطنهم، فوجدوا ضالتهم المنشودة في شخص الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؛ لذلك، هم المدافعون عنه اليوم، لأنه مظلوم، ولأنه ضحية مؤامرة خبيثة على الوطن، حاكت فصولَها جهاتٌ لا تفكر إلا في مصالحها الضيقة، ولا تريد خيرا للوطن؛ والموريتانيون البسطاء من أمثالي، هم الذين يؤمنون بحق الرئيس السابق في ممارسة السياسة من جديد، بكل حرية، وهم الذين استجابوا بالآلاف، ومن كل أنحاء الوطن، لندائه لهم بالانضمام إلى حزب الرباط الوطني؛ وهم أوفياء له، ما بقي في أحدهم رمق، ومصمّمون على المحافظة على تلك المكاسب، ومواصلة نهج البناء، حبا لوطنهم، وغيرة على مصالحه.

 ولك أن تحدث عن فترة حكم ولد عبد العزيز، فتقول، على سبيل المثال، لا الحصر، و بكل صدق؛ وكما سبق أن كتبتُ في أكثر من مقال:

 - من يستطيع إنكار الأمن، ينعم به كل مواطن في كل شبر من الوطن ويتفيأ ظله وظلاله؛

 - من يستطيع إنكار حالة الحوزة الترابية للوطن كله اليوم، وقد صينت حدوده وأطرافه، وسهوله وهضابه، وأغواره وأنجاده، ولم يعد أجنبي يستطيع، إلا من نقطة عبور، اجتيازه؛

 - من يستطيع إنكار وضعية الجيش، وقد أكملت عدته وعتاده، ولم يعد للإرهابيين قوة علي مقارعته ونزاله؛

 - من يستطيع إنكار الحالة المدنية الحديثة، البيومترية، الراقية، التي أعادت للمواطن هويته وضبطت مواطنته؛

- من يستطيع إنكار تشييد المطار الدولي 'أم التونسي'، مدرجاته وفناؤه، وصالات استقباله، ومعداته الحديثة؛ وأهميته الاستراتيجية في المنطقة؛

 - من يستطيع إنكار النقاط الصحية والمستشفيات العلاجية، خصوصا مستشفى الأنكلوجيا، الذي صار يرتاده حتى مرضى دول الجوار، وما تم تجهيزه به من الأدوات والمعدات الطبية؛ ومستشفى كيفه، والنعمة؛

- من يستطيع إنكار تشييد وتجهيز، مستشفى القلب، الذي لا يوجد له مثيل في دول الجوار في منطقة الساحل؛

- من يستطيع إنكار استصناع واقتناء، "سفينة انيملان" لصالح قواتنا البحرية؛

- من يستطيع إنكار ميلاد مدن بأكملها، "ترمسه" ؛ "بنشاب"، "الشامي" ؛

 - من يستطيع إنكار الموانئ والمحطات الطرقية؛ وشركة النقل العمومية؛ والموريتانية للطيران، التي أنقذت حياة المواطنين، حين عَلِقُوا في ليبيا، فعادوا إلى الوطن، بأمان، على متن طائراتها؛

 - من يستطيع إنكار مدارس " التميز"، والـ "الثانوية العسكرية"، والمعاهد الفنية، وكلية الطب، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية، وجامعة ''لعيون'' الإسلامية؛ ومعهد "روصو" للتكنولوجيا الزراعية؛

 - من يستطيع إنكار طباعة المصحف الشنقيطي، وقناة المحظرة، وإذاعة القرآن الكريم، وأجور الأئمة؛ ودكاكين ''أمل'' للفقراء والمساكين؛

- من يستطيع إنكار الطرق المعبدة، والأرصفة المزينة بالحجارة المحلية، والطرق المنتشرة في أقاصي كل بلدية، وجهة وناحية؛

 - من يستطيع إنكار إنشاء "المؤسسة الوطنية لتوزيع الأسماك"، والتي لم يذق فقراء هذا البلد المسكين قبلها طعم "سمك" شواطئهم المنهوبة؛

- من يستطيع إنكار تشييد "ميناء تانيت "، الذي يشكل ضمانة لتفريغ السمك المصطاد بالزوارق في مياهنا الإقليمية، بدلا من الذهاب به مباشرة إلى السنغال؛

- من يستطيع إنكار القرار الشجاع، بتحريم صيد "الأخطبوط" على الأجانب، وحصر الاستفادة من صيده على المواطنين الموريتانيين، وحدهم؛

- من يستطيع إنكار ما تحقق من إنجازات دبلوماسية، تم فيها إسماع صوت موريتانيا، عاليا، بالجدارة والأحقية في تنظيم أول قمة عربية، وأخرى إفريقية، علي أرض جمهورية موريتانيا الإسلامية؛

من يستطيع... من يستطيع... من يستطيع...

وإن كنت من غير المؤيدين للرجل، من أمثالنا؛ فلا يسعك أفضل من الإنصاف، كقول وزير الخارجية الموريتاني السابق، إسلكو ولد إزيد بيه، الذي كتب  شهادة منصفة، حين دوّن :

« لقد تمَ تحقيق قدر لا بأس به من الإنجازات الميدانية الهامة لصالح الشعب الموريتاني خلال هذه العشرية، كما تمت المحافظة على وحدة البلاد وأمنها، وسط إكراهات بادية للعيان، وفي حدود جهود بشرية لم تدّع يوما الكمال.»

3-ما بعد حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولحدّ الساعة، أي بعد مرور أربع سنوات؛ وعود وانتظارات،  و"جعجعة بلا طحين"؛ أي لا شيء يذكر.

حرصا على إنصاف الرئيس الحالي، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، سنقول إنه مخلص لبلاده، لا يريد لموريتانيا إلا الخير، ونحن متأكدون من ذلك، ولدينا الأدلة على ذلك. لكن، وللأسف الشديد، "أُكِلَ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبيَضُ" ؛ ووقع في مطبات مؤامرة كبيرة حيكت فصولها ضدّ المصالح العليا للوطن؛ والذين "يتولون كبرها" اليوم، هم، وللأسف الشديد من يحيطون به. غرّروا بالرجل الحليم، فخدعوه بتقربهم له، بوشائج "المشيخة"  و "التتلمذ"  و "الإتباع" و "رجاء"  البركة والفتح والوصول؛ يحدوهم في ذلك كله "حقد دفين" ؛ و"عداوة مستشرية" و عزيمة على "تصفية الحسابات السياسية" مع شخص محمد ولد عبد العزيز؛ لذلك لم يجد فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، من يؤازره لمصلحة الوطن، بل من يخذله في الدار والعطن؛ وكذلك كان حظّه متعثرا، مع بداية عهدته الرئاسية بوباء "كوفيد 19"، وما تبع ذلك من "حرب أوكرانيا"؛ فلم تسعفه الظروف، ولا تعامل معه أنصاره بالمعروف، حين طفقوا ينهبون المال العام، عبر "الصفقات العمومية" ، من نوع "جسر دار النعيم"؛ وأشاعوا الزبونية، والمحسوبية، والقبلية، والجهوية؛ فلم يستطيعوا تحقيق أي شيء يذكر، طيلة أربع سنوات؛ ملّ فيها الشعب من الوعود، وطحنه فيها غلاء الأسعار، وما يترتب اليوم من آثار على الوضعية الدولية، المعقدة التي لم يُحصَّنِ البلدُ ضِدَّها. فأصبح المواطن الموريتاني البسيط، يردد بلسان حاله في كل بيت، وفي كل سوق، وشارع، ومكتب، المثلَ العربيَّ القائل: " أسمع جعجعة ولا أرى طحينا"...

لكن الأمل في الوطن، وفي الهمم العالية لأبنائه المخلصين، لا ينقطع؛ ومن هنا تبرز أهمية نداء الوطن الذي وجهه مؤخرا، فخامة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. لذا لا يريد الشعب الموريتاني اليوم، إلا استعادة نهج البناء، لمواصلة مسيرة نهضته المظفرة. ولكن كيف يكون ذلك، وما هي شروط تحققه؟...

(يتواصل)

محمد يسلم يرب ابيهات

نواكشوط ، 17/02/2023م.

[email protected]