قال مصدران يعملان لدى كبار منتجي النفط الروس أن إنتاج النفط الروسي قد ينخفض بمقدار ما بين 500 ألف إلى مليون برميل يومياً في أوائل عام 2023 بعد فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على الواردات المنقولة بحراً اعتباراً من يوم الإثنين.
والتقدير هو الحد الأدنى من توقعات محللي السوق للتأثير المشترك للحظر الأوروبي وسقف السعر المقترح من مجموعة السبع على النفط الروسي، على الرغم من قول المصدرين أن المستوى الحقيقي سيعتمد على عدة عوامل لم تُحسم بعد.
وطلب المصدران عدم الكشف عن هويتهما لأنهما يتحدثان عن آليات السوق الحساسة المرتبطة بالصراع في أوكرانيا.
واتفق أليكسي كوكين من شركة «أوتكريتي» للوساطة، إلى حد كبير، معهما في تقييم التأثير المحتمل للتدابير الغربية تجاه الإنتاج الروسي.
وقال كوكين «إنه تقريبا نفس حجم الإمدادات المنقولة بحراً إلى الاتحاد الأوروبي في الأسابيع الأخيرة… لا أعتقد أنهم (المنتجون الروس) سيكونون قادرين على تحويل ذلك إلى مكان آخر».
ويريد الغرب التضييق على الموارد المالية لروسيا لتقليص قدرتها على تمويل الصراع.
وتمثل صادرات النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية غالبية إيرادات روسيا التي ظلت مرتفعة لأن تعطل الإنتاج والمبيعات في أعقاب العقوبات الغربية تم تعويضه بفعل ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية.
وقفزت عائدات الميزانية الروسية من النفط والغاز بأكثر من الثلث في الأشهر العشرة الأولى من العام.
وقبل بدء الصراع في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، كانت روسيا تصدر نحو ثمانية ملايين برميل يومياً من النفط والمنتجات النفطية.
وخفض الاتحاد الأوروبي، أكبر مشتر للنفط الروسي، مشترياته كرد فعل على الصراع لكن موسكو نجحت في تحويل الإمدادات إلى آسيا ولم تتراجع الصادرات إلا قليلا لتبلغ 7.6 مليون برميل في اليوم.
وسيكون أحد المتغيرات الرئيسية في عام 2023 هو السقف الذي تتفق عليه دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي بشأن استيراد النفط الروسي.
وتسعى مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي إلى تحقيق توازن صعب يقلص دخل موسكو النفطي ويتجنب صدمات أسعار النفط في الأسواق الدولية التي ارتفعت بعد قليل من الغزو الروسي لكنها تراجعت في الآونة الأخيرة.
وبعض من أكبر مستوردي النفط الروسي، مثل الصين والهند، ليسوا جزءاً من المبادرة. وقالت موسكو أنها لن تزود المشاركين في المبادرة بالنفط. ولم يتضح أيضا مدى قدرة شركات الشحن والتأمين على نقل النفط الروسي حول العالم الذي يتم شراؤه بأكثر من السقف المتفق عليه.
وقال بعض المحللين أن تجاوز هذه العقبة قد يستغرق وقتاً ويسبب اضطرابات، على الرغم من أن بنك «جيه. بي. مورغان» الأمريكي يرى أن تأثير الحد الأقصى للسعر معدوم لأن روسيا تستطيع استخدام سفنها الخاصة وحشد دعم الصين والهند.
ويتوقع آخرون تأثيرا أعمق.
وتوقع كيريل ميلنيكوف، المحلل في مركز تنمية الطاقة، تقلصا في الإنتاج الروسي يتراوح بين مليون و1.5 مليون برميل يومياً في يناير/كانون الثاني مقارنة بمستويات نوفمبر تشرين الثاني.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تقلصاً في إنتاج الخام الروسي بنحو مليوني برميل يومياً بنهاية الربع الأول من العام المقبل، على الرغم من أن هذا يأخذ في الاعتبار أيضاً حظر الاتحاد الأوروبي على المنتجات النفطية الروسية الذي يجري تنفيذه في الخامس من فبراير شباط.
*سقف السعر عند 60 دولارا؟
كلما زاد غياب النفط الروسي في الأسواق العالمية، زاد التأثير المحتمل على الأسعار. وقد يصب هذا في مصلحة موسكو وغيرها من المصدرين الرئيسيين، ويعاقب بالتالي المستهلكين في الغرب الذين يواجهون بالفعل أعلى معدل تضخم منذ عقود ناجم إلى حد كبير عن الكلفة المرتفعة للطاقة.
وقال إيغور جالاكتيونوف، من «بي.سي.إس. مير إنفستيتسي» للوساطة «حتى لو كان الانخفاض في الصادرات أكبر من المتوقع، سيعوض ارتفاع الأسعار التأثير على الميزانية، ولذا من المرجح ألا تتضرر عائدات الميزانية كثيراً».
ووافقت حكومات الاتحاد الأوروبي على حد أقصى للسعر يبلغ 60 دولاراً للبرميل من الخام الروسي مع آلية تعديل لإبقاء السعر أقل خمسة بالمئة عن السوق.
وكانت دول مجموعة السبع قد اقترحت في وقت سابق سقفا يتراوح بين 65 و 70 دولاراً للبرميل، قريبا من السعر الحالي لخام الأورال الروسي، لكن بولندا أرادت أقل من ذلك بكثير عند 30 دولاراً.
وانخفضت أسعار خام الأورال الذي كان يباع إلى حد كبير للمشترين الأوروبيين بخصم بلغ 23.50 دولاراً للبرميل سعر برميل برنت القياسي العالمي.
وقال أليكسي غروموف من معهد الطاقة والتمويل ومقره موسكو «أعتقد أن الحد الأقصى الذي يناقشه الاتحاد الأوروبي سيكون قريبا من مستوى الأسعار الذي تبيع به روسيا النفط حالياً».
وأضاف «إذا بلغ الحد الأقصى للسعر نحو 60 دولاراً للبرميل، فستواصل روسيا تصدير نفطها بسهولة».
وإذا رفض المشترون دفع أكثر من سقف السعر، سيعني السقف البالغ 60 دولاراً أن روسيا لن تستفيد إذا ارتفعت الأسعار الدولية.
وتراجعت بالفعل عائدات روسيا وعائدات منتجي النفط الآخرين منذ أن اقترحت الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع الأخرى سقف أسعار لأول مرة في يونيو/حزيران، مما زاد من ضغوط البيع على أسواق النفط العالمية التي أضعفتها التوقعات الاقتصادية العالمية.
وقال يفغيني سوفوروف، الخبير الاقتصادي في بنك «سنتروكريديت» أنه إذا انخفض سعر النفط الروسي إلى ما بين 45 و50 دولاراً للبرميل في عام 2023، ستواجه الميزانية الروسية عجزا في حدود تريليوني روبل (32 مليار دولار).
ويتوقع البنك المركزي الروسي تحقيق 8.9 تريليون روبل العام المقبل من إجمالي عائدات النفط والغاز.
ويتم تحديد الإيرادات ليس فقط بالسعر المباشر للخام الروسي لكن بسعر الصرف في وقت البيع أيضا.
وإذا كان الروبل قويا نسبياً، كما هو الحال الآن، ستنخفض إيرادات الميزانية بالعملة المحلية، مما يجعل من الصعب على وزارة المالية تحقيق التوازن في الميزانية.
وتتوقع الوزارة لميزانية العام المقبل أن يبلغ متوسط سعر النفط الروسي 70.1 دولاراً للبرميل ومتوسط سعر صرف 68.3 روبل للدولار. وهذا بالمقارنة مع مستويات اليوم التي يبلغ فيها سعر البرميل نحو 65 دولاراً ومتوسط سعر صرف يترواح بين 61 و62 روبلا للدولار.
وعلى الرغم من انخفاض الروبل في الآونة الأخيرة، لكنه مازال أعلى بكثير من النطاق المفضل للحكومة الذي يتراوح بين 70و80 روبلاً للدولار، وحثت الشركات الروسية البنك المركزي على جمع احتياطيات من اليوان الصيني وإضعاف العملة المحلية بهدف زيادة الصادرات.
بالإضافة إلى سقف الأسعار وحظر الاستيراد الأوروبي، قد يتأثر قطاع النفط الروسي أيضا بقيود كوفيد-19 في الصين، المشتري متزايد الأهمية للخام الروسي.
واشترت الصين نحو مليوني برميل يومياً من النفط الروسي في الأشهر القليلة الماضية صعوداً مما يترواح بين 1.6 و1.8 مليون برميل يومياً في بداية العام.
وقال مات سميث، كبير محللي النفط في شركة «كبلر» المتخصصة في متابعة ناقلا النفط «ستظل أسواق النفط تتأثر بالأخبار الجارية في الصين، نظراً لتأثير عمليات الإغلاق التي تحدث على الطلب على النفط في ثاني أكبر مستهلك في العالم».
(الدولار يساوي 61.57 روبل).