الدوحةـ رابط كبير بين الأمراض غير المعدية الأربعة الرئيسية: السرطان، السكري، أمراض القلب والجهاز التنفسي، وبين الاقتصاد. فكلما زادت تلك الأمراض في مجتمع ارتفعت معها الكلفة الاقتصادية الإجمالية التي تتحملها الدولة نتيجة التأثير المباشر وغير المباشر لهذه الأمراض على الاقتصاد الكلي.
ذلك ما كشفه أول تقييم اقتصادي للاستثمار في الوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها في دول مجلس التعاون الخليجي الست، والذي نفذه مجلس الصحة الخليجي على مدار السنوات الماضية لقياس تأثير هذه الأمراض على اقتصاد المنطقة ومحاولة تفادي هذا التأثير مستقبلا.
وأظهر التقييم أن الأمراض غير المعدية الرئيسية الأربعة (السرطان، السكري، أمراض القلب والأوعية الدموية، أمراض الجهاز التنفسي المزمنة) كلّفت اقتصاد دول الخليج نحو 50 مليار دولار عام 2019، أي ما يعادل 3.3% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وتشير النتائج إلى أن الأمراض غير المعدية الأربعة تسببت فيما يقرب من 40 ألف حالة وفاة في كل أنحاء المنطقة سنويا، بما يعادل أكثر من 43% من مجمل الوفيات كل عام.
خسائر ضخمة
وبالإضافة إلى تأثيرها الفادح على الحياة والصحة، تسببت الأمراض غير المعدية الأربعة في خسائر اقتصادية ضخمة، تتمثل في تكاليف الرعاية الصحية والخسائر في الإنتاج، حيث قدر التقييم الخليجي قيمة التكاليف الاقتصادية الناجمة عن هذه الأمراض بما يساوي 50 مليار دولار أميركي سنويا، تضمنت هذه الخسائر تكاليف مباشرة بنسبة 60% أو 30 مليار دولار قيمة الإنفاق على علاج هذه الأمراض، بينما تصل الخسائر غير المباشرة في فاقد الإنتاجية إلى 20 مليار دولار أو ما يعادل 40% من إجمالي الأعباء الاقتصادية.
وتؤكد النتائج أن الأمراض غير المعدية تشكل عبئا صحيا واقتصاديا كبيرا على دول التعاون الخليجي، وأن الاستثمار في الوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها يوفر فرصة ليس فقط لتحسين صحة السكان بل أيضا لتحقيق إيرادات تمثل عوائد إيجابية على الاستثمار من خلال تقليل الخسائر الاقتصادية.
وتقدر هذه الدراسات تكلفة تنفيذ إجراءات التدخل الموصى بها في دول مجلس التعاون بمبلغ 14 ملیار دولار أميركي على مدى 15 عاما، بما يساوي زيادة بمتوسط 1.4% في إجمالي إنفاقها على الرعاية الصحية، أو 16 دولارا أميركيا لكل فرد سنويا كل دولة، وتنتج هذه الاستثمارات عن تجنب 290 ألف حالة وفاة مبكرة على مدى 15 عاما كما تؤدي إلى تحقيق مكاسب في إنتاجية القوة العاملة بقيمة 49 مليار دولار، أي 3% من إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون.
وتشير نتائج التقييم إلى أن دول التعاون الخليجي ستجني في المتوسط من جميع إجراءات التدخل المقترحة مكاسب تساوي ما يقرب من 5 دولارات أميركية على مدار 15 عاما مقابل كل دولار يتم استثماره الآن.
ولكن التقييم توصل إلى العديد من التحديات التي تضعف سياسات مكافحة الأمراض غير المعدية بدول المجلس، أهما ضعف التنسيق الوطني بين القطاعات بسبب قلة الوعي فيما يتعلق بالأمراض غير المعدية، والحاجة إلى تحديد وتبادل أفضل الممارسات بين دول المجلس، فضلا عن عدم إحراز سوى الحد الأدنى من التقدم في الإجراءات التشريعية المتعلقة بالأمراض غير المعدية بسبب نقص الحشد والتأييد، بالإضافة لعدم وجود أنظمة معيارية قوية لمراقبة الأمراض غير المعدية.
وقسمت تكاليف الأمراض الأربعة إلى قسمين: الأول التكاليف المباشرة والتي تمثل الإنفاق الصحي الحكومي والخاص، والثاني التكاليف غير مباشرة التي تمثل الخسائر الاقتصادية من فقدان إنتاجية القوى العاملة من خلال التغيب التام عن العمل وتدني القدرة الإنتاجية في العمل والوفاة المبكرة.
وتقدر التكاليف المباشرة بنحو 30 مليار دولار، بما يعادل 60% من إجمالي الأعباء الاقتصادية وما يساوي 1.8% من إجمالي الناتج المحلي لدول مجلس التعاون، حيث تشكل التكاليف المباشرة لعلاج الأمراض غير المعدية الأربعة 36.5% من إجمالي الإنفاق الصحي لدول مجلس التعاون الخليجي.
أما التكاليف غير المباشرة فتقدر بنحو 20 مليار دولار، بما يعادل 40% من إجمالي الأعباء الاقتصادية وما يساوي 1.5% من إجمالي الناتج المحلي في جميع دول التعاون الخليجي، كما تسلط التكاليف الهائلة غير المباشرة، التي غالبا ما يتم إغفالها، الضوء على العواقب بعيدة المدى لجائحة الأمراض غير المعدية وخطورتها.
ويوضح التقييم حصة التكاليف غير المباشرة والمباشرة الناجمة عن الأمراض غير المعدية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد عام 2019، وتتراوح الخسائر الاقتصادية بين 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي في قطر والإمارات، وتصل في الكويت إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
نتائج متوقعة
وأكد التقييم أن للاستثمار في الوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها في دول مجلس التعاون مكاسب صحية واقتصادية كبيرة، حيث سيؤدي إلى تجنب أكثر من 290 ألف حالة وفاة مبكرة وإضافة أكثر من مليوني سنة حياة صحية إلى سكان دول المجلس على مدار الـ 15 عاما القادمة، كما أنه سيحول دون حدوث أكثر من 270 ألف حالة سكتة دماغية وأكثر من 210 ألف حالة من أمراض القلب، بالإضافة إلى أن الدول الست ستضيف عاما واحدا من الحياة الصحية إلى سكانها مع كل استثمار بقيمة 7000 دولار.
ووضع حلولا للحصول على الأموال اللازمة من خلال الضرائب الصحية التي تعد أكثر تدابير السياسة تأثيرا وجدوى للحد من استهلاك المنتجات التي تضر الصحة، فالتغير في أنماط الاستهلاك يخفف الضغط على النظم الصحية من خلال تحسين صحة الأفراد، كما توفر هذه الضرائب أيضا تدفقات كبيرة من الإيرادات لتمويل مجموعة من أنشطة التنمية المستدامة، حيث دعا التقييم إلى زيادة الضرائب على منتجات التبغ.
وأعد فريق مجلس الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي نموذجا للتنبؤ بالإيرادات والعوائد الإضافية التي قد تثمر عنها الزيادات الضريبية الإضافية، فبحسب نسبة الزيادة، قد تشكل هذه الزيادات في الضرائب مبلغا مضاعفا عن تكلفة التنفيذ المطلوبة.
وتثبت دراسات الجدوى الاقتصادية للاستثمار في مكافحة الأمراض غير المعدية، وفقا للتقييم، أن الاستثمارات المبذولة في تطبيق التدابير النموذجية للوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها ينتج عنها عوائد كبيرة على المدى القريب والبعيد، تتراوح بين 273% بالبحرين و904% في قطر على مدى 15 عاما، بمتوسط عائد قدره 493% في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
ويؤدي اتخاذ تدابير الحد من استهلاك الملح والتبغ إلى توفير أعلى عوائد على الاستثمار من بين جميع حزم التدخل، نظرا لجدواها العالية في الحد من الوفيات والأمراض غير المعدية ومن حيث انخفاض تكاليف تنفيذها.
المصدر : الجزيرة