إلى أي مدى يمكن لغوغل أن تظل محتكرة الإنترنت؟

سبت, 04/06/2022 - 12:38

هناك مشروع قانون جديد لمكافحة احتكار شركات التكنولوجيا الكبرى، وسيكون لهذا القانون الأثر الأكبر على شركة "غوغل" (Google).

ففي مقال نشره موقع "فوكس" (Vox)، تقول الكاتبة سارة موريسون إن مجموعة من المشرعين -بقيادة السيناتور مايك لي- قدمت تشريع المنافسة والشفافية في قانون الإعلان الرقمي الخميس الماضي، إذ سيمنع هذا التشريع أي شركة لديها أكثر من 20 مليار دولار من عائدات الإعلانات الرقمية، من امتلاك أجزاء متعددة من سلسلة الإعلانات الرقمية.

وبناء عليه، سيتعين على غوغل الاختيار بين أن تكون مشتريا أو بائعا، أو أن تشغل الإعلانات بالتبادل بين الاثنين، حيث تمتلك الشركة حاليًا الأجزاء الثلاثة، وقد واجهت مزاعم بأنها تستخدم هذه القوة للتلاعب غير العادل بهذا السوق لمصلحتها.

ونقلت الكاتبة رد غوغل التي قالت -في بيان- إن هذا "تشريع خاطئ، جاء في الوقت الخطأ، ويركز على الهدف الخطأ"، وأن أدواتها الإعلانية تنتج إعلانات ذات جودة أفضل وتحمي خصوصية المستخدم.

وأوضحت الكاتبة أن التشريع الجديد هو جزء من مشاكل مكافحة الاحتكار المتزايدة في غوغل، وفي حين أولت وسائل الإعلام اهتمامًا أكبر لقضايا مكافحة الاحتكار للمنافسين "آبل" (Apple) و"ميتا" (Meta)، فمن المحتمل أن تكون غوغل في مشكلة أكبر من أي عملاق تكنولوجي آخر، فقد رفعت حكومات الولايات والحكومات الفدرالية 4 قضايا لمكافحة الاحتكار، كل ذلك في غضون عام واحد، وقد قامت معظم الولايات بمقاضاة غوغل بشأن أعمال البحث الخاصة بها.

وأشارت الكاتبة إلى أن التشريعات -التي ستتحول لقوانين بنهاية الصيف المقبل- ستمنع غوغل من منح منتجاتها الخاصة الأفضلية على المنصات التي تمتلكها وتديرها، فسيجبر قانون أسواق التطبيقات المفتوحة متجر تطبيقات "غوغل بلاي" (Google Play) على اتباع قواعد معينة، في حين يحظر قانون الابتكار والاختيار الأميركي عبر الإنترنت التفضيل الذاتي على المنصات التي تمتلكها وتديرها شركات التكنولوجيا الكبرى، فلن يُسمح -على سبيل المثال- لغوغل بمنح منتجاتها الخاصة مكانًا بارزًا في نتائج بحث غوغل، ما لم تحصل هذه المنتجات على استحقاقها لهذا المكان.

وبينت الكاتبة أن كل هذا يخاطب قوة وانتشار غوغل؛ فشركة محركات البحث التي كانت ذات يوم متواضعة، أصبحت متأصلة بعمق في كل ما نقوم به عبر الإنترنت، لدرجة أنه من الصعب تخيل كيف سيعمل الإنترنت بدونها، ولكن ربما تم الحصول على هذه القوة والحفاظ عليها بشكل غير عادل، وبطرق أضرت بالمنافسين والمستهلكين، حتى مع بقاء العديد من منتجات غوغل شائعة ومجانية.

وأفادت الكاتبة بأن الوضع لم يكن هكذا دائمًا، فقد كان يُنظر إلى غوغل من قبل على أنها شركة ناشئة غيرت الصناعة، وكانت بمثابة تحسن كبير مقارنة بمحركات البحث الأبطأ التي يسهل التلاعب بها التي كانت تنتجها "ياهو" (Yahoo) و"ألتافيستا" (Altavista)، وقد أظهرت خوارزمياتها نتائج أفضل، وسرعان ما أصبحت الشركة الرائدة في السوق، ثم غيرت السوق مرة أخرى من خلال وضع إعلانات محددة لما يرغب فيه الناس على نتائج البحث، وهي فكرة حصلت عليها الشركة من محرك بحث غير معروف يسمى "جو تو"، وكانت إعلانات البحث من غوغل ناجحة للغاية لدرجة أن هذه التجارة هي أكبر مصدر لإيراداتها حتى الآن، ففي عام 2021 جمعت إعلانات البحث ما يقرب من 150 مليار دولار، وهو أكثر من مصادر إيرادات غوغل مجتمعة.

ولفتت الكاتبة إلى أن لجنة التجارة الفدرالية حولت نظرها إلى غوغل عام 2011، وفتحت تحقيقًا في سلوك الشركة المزعوم المناهض للمنافسة في البحث والإعلانات، لكنها لم تتابعه.

وفي المقابل، اتجهت إما إلى الحصول على اتفاقيات من غوغل لتغيير بعض الممارسات التجارية، أو إلى اتخاذ قرار بأن تصرفات غوغل كانت مبررة، لأنها حسنت خدماتها وتجربة مستخدميها، وتم إلقاء اللوم في هذا القرار -جزئيًّا- على علاقة إدارة أوباما الجيدة بالشركة.

وتجادل الكاتبة بأنه يمكن القول بأن الحكومة قللت باستمرار من الحجم الذي قد تصبح عليه غوغل إذا تُركت لتنمو دون رادع، لكن غوغل ليست الشركة نفسها التي كانت عليها قبل 10 سنوات، ولا يُنظر إليها بالطريقة نفسها، ويبدو أنها ستقع تحت وطأة حساب مكافحة الاحتكار أخيرًا، في حين يظل مدى الضرر الواقع عليها طي المستقبل.

كيف تضر غوغل بالمنافسة؟

وقالت الكاتبة إنه بالنسبة إلى لوثر لوي، نائب الرئيس الأول للسياسة العامة في "يلب" (Yelp) والناقد العريق لغوغل، فإن هذه اللحظة هي تتويج لأكثر من عقد من العمل في محاولة إقناع المشرعين والمنفذين بأن غوغل قد رسخت سلطتها بشكل غير قانوني، واستفادت من إيذاء شركات كشركته.

فقد وجدت شركته نفسها تتنافس مع غوغل عندما طرحت غوغل نسختها الخاصة من المراجعات التي يقدمها المستخدم حول أداء الأعمال، وتضع غوغل مراجعاتها في أعلى نتائج محرك البحث الخاص بها، أعلى من نتائج موقع "يلب".

وحسب الكاتبة، يؤكد لوي أنه ليس الشخص الوحيد الذي يجادل بأن هيمنة غوغل تجعل من المستحيل على أي شخص آخر المنافسة، وفي حين تقول غوغل إن لديها منافسين في جميع أسواقها، لكنها تتمتع أيضًا بأغلبية حصة السوق، وتشير التقديرات إلى أن لديها نحو 90% من السوق العالمية بالنسبة لمحركات البحث.

وفي متصفحات الويب، تمتلك "غوغل كروم" (Google Chrome) نحو 65%، أما أنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة، فتمتلك "أندرويد" (Android) التابعة لها نحو 70% في جميع أنحاء العالم.

ولا يعد كون الشركة كبيرة وناجحة أو حتى محتكرة غير قانوني في أميركا، لكن عندما تبدأ تلك الشركة في استخدام هيمنتها للإضرار بالمنافسة والمستهلكين، هنا يجب البحث في انتهاكات مكافحة الاحتكار. وهذا ما تعالجه الدعاوى القضائية وما تحاول مشاريع قوانين مكافحة الاحتكار المقترحة حظره.

كيف يمكن أن تضر غوغل المستهلكين؟

وترى الكاتبة أنه رغم وجود العديد من منتجات غوغل المجانية، فإن قلة المنافسة لن تؤدي بالتالي إلى زيادة أسعارها، ومن المحتمل أن كل مشترك يستخدم بانتظام واحدة على الأقل من خدمات غوغل العديدة، وربما تعجبه أيضًا، ولكن غوغل أصبح محرك البحث الأكثر شعبية لأن منشئيه اكتشفوا طريقة لتحصيل نتائج أفضل وأسرع من المنافسين.

وحسب ما قالته الكاتبة، فإنه مع نمو هيمنة غوغل، قامت الشركة أيضًا بتغيير صفحة النتائج الخاصة بها من قائمة بسيطة من الروابط المصممة لإبعاد المستخدمين عن نظامها الأساسي في أسرع وقت ممكن، إلى صفحة مصممة لإبقائهم على نظامها الأساسي لأطول فترة ممكنة، لهذا السبب تغيرت نتائج البحث من قائمة روابط مع بعض الإعلانات في الجزء العلوي إلى موقع ويب مليء بعروض غوغل الخاصة.

وذكرت الكاتبة أن غوغل تقول إن هذه الميزات الإضافية تجعل نتائج البحث الخاصة بها أفضل، ولكن إذا لم تكن عروض غوغل بنفس جودة بقية النتائج، فإن غوغل تستخدم قوتها على الأغلب لدفع المستخدم نحو منتج رديء، وقد لا تكون أفضل النتائج المناسبة له.

وقد ينفق المستخدم أيضًا المزيد من الأموال على التطبيقات عند استعمال متجر غوغل بلاي، نظرًا لأن التطبيقات ملزمة باستخدام نظام الدفع داخل التطبيق التابع لغوغل ودفع مبلغ كبير لها، وقد تنطبق هذه التكاليف المتزايدة على الإعلانات الرقمية أيضًا.

وتنقل الكاتبة عن سكوت مورتون، أستاذ الاقتصاد بجامعة ييل الأميركية، قوله "إذا كان المعلن يدفع سعرا تنافسيا أعلى، فإن ذلك يعني أنه يدفع سعرا احتكاريا للحصول على هذه الإعلانات، وسيتحمل المستهلك التكلفة في نهاية المطاف التي سيتم تضمينها في سعر المنتج".

كيف يمكن ألا تتأثر غوغل نسبيا بذلك؟

لم تواجه غوغل مطلقًا قدرًا أكبر من التهديد لنموذج عملها وهيكلها كما هي الحال اليوم. لكن الدعاوى القضائية، وخاصة الدعاوى القضائية الكبيرة لمكافحة الاحتكار، تستغرق سنوات لحلها، وليس من المؤكد أبدًا أنها ستتخذ صيغة حكومية. تم رفع قضية وزارة العدل في خريف 2020 ، وليس من المتوقع أن يصدر فيها حكما حتى خريف 2023.

من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل هل يمكن أن يكون كل هؤلاء المدعين العامين ووزارة العدل مخطئين بشأن غوغل؛ يعتقد آدم كوفاسيفيتش، الذي كان يعمل مدير الاتصالات والسياسة العامة في غوغل بالولايات المتحدة في أثناء تحقيق لجنة التجارة الفدرالية، أن دعاوى البحث ليست لديها فرصة أفضل للنجاح الآن مما كانت ستحصل عليه لجنة التجارة الفدرالية عام 2013 عندما اختارت عدم متابعة قضية ضد غوغل.

يمكن أن تكون مشاريع قوانين مكافحة الاحتكار التي قدمها الحزبان والتي تم تقديمها الصيف الماضي طريقًا أسرع لإحداث تغيير في صلب عالم وادي السيليكون، على الرغم من أنها لن يكون لها تأثير كبير على نموذج أعمال غوغل مثل النتيجة السلبية لدعوى قضائية.

لكن ين، من شركة بروتون السويسرية، ولوي من شركة يلب، يقولان إنهما يعتقدان أنه ينتظر مشاريع القوانين شوطا طويلا حتى تتمكن من جعل الساحة المنافسة منصفة أكثر، إذ قال لوي "لا أعتقد أنني سأشهد خلال مسيرتي المهنية استجابة تشريعية تحد من تنامي نفوذ عمالقة التكنولوجيا".