ربما لم يعد هناك مبرر مقنع كفاية لاحتكار الصحافة لتخليد اليوم العالمي لحرية الرأي، وتسميته بيومهم العالمي.
ولا أن يظل الاحتفال به حبيس ندوات تقيمها النقابات في قاعات فندقية ضعيفة التهوية يحضرها وزير أو مكلف بمهة.
ولا أن يحشر في خطابات و سرديات للقائمين على هيئات تنظيم وضبط العمل الصحفي و المؤسسات الإعلامية.
باختصار لقد خفت ذاك البريق التقليدي
ونحتاج أفكارا خارج الصندوق يحس الجميع بوقعها ويلتمس نتائجها؛ أفكار تتجاوز حدود المقعد الدوار و الرأسيات الإدارية. ففي ظل تغول مواقع التواصل الاجتماعي و بروز مدوني المواطن ومؤثري القرب؛ بات الكل متورطا في العملية الاتصالية٬ سياسيون ومثقفون٬ أصحاب تخصصات وسوابق، أناس عاديون وحتى مجانين.
إننا اليوم في بهو إعلامي مشمس لم تعد الحرية فيه هدفا بقدر ماباتت مشكلة تحتاج حلا.
الحرية التي نعيش الآن أكبر من أن تحشر في يوم واحد ولا أن تحتكرها فئة؛ ومانشهده اللحظة من طفرة اتصالية ماهو إلا اندفاع مجنون نحو اللامكان، لحرية رأي ظلت تضغط في قناني بعض الأنظمة السابقة التي انتهجت معايرة مجنونة٬ إذ كلما زادت الضغط رفعت مستوى الميوعة.
لقد ظلت الدولة "في بعض فتراتها" والمجتمع٬ مواظبين -بشكل عجيب- على خنق الصحفيين المهنين وحصارهم في آراءهم و ولوجهم للمعلومات وفي معاشهم
حتى أسلم بعضهم قلمه لشاريها واختار الآخر الانزواء المتاركة.
إن المتابع للشأن العام في موريتانيا يعي أن ثلاث فرص أتيحت لنا لنمارس حريتنا في الرأي والتفكير فضيعنا اثنتين منها بالتواطؤ وبقية واحدة أخيرة.
في المرحلة الانتقالية التي قادها المرحوم أعل ولد محمد فال خرج كل صناع الرأي والأخبار من زنازين المادة 11 و حاولت مؤسسات الإعلام العمومي أن تنزل من أبراجها العاجية وتقترب من المواطن.
الجميع كان محشورا في وسائل الاتصال التقليدية والتي كانت تتمتع بقدر من المسؤلية و تستحضر شبح الرقيب الذاتي، إلا أننا استفقنا على دوي انفجار وسائط الاتصال المدوي و الذي وأد تلك التجربة إذ لم نكن مهيئين له لا من حيث الوعي ولا الترسانة القانونية.
كما لا أحد يكابر أو ينكر أن عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز شهد هو الآخر اتساعا في مجال حرية الرأي، لكن فوضى النشر واستباحة الأعراض بفعل الأمان من العقاب و استغلال أصحاب الرأي المتطرف لحيز الحرية دون رادع، كان خطأ قاتلا لتلك التجربة.
رغم كل تلك المطبات ها نحن أمام تجربة جديدة أتمنى أن لانضيعها. تجربة تتفادى أخطاء الماضي بسنها قوانين رادعة لدعاة التفرقة ومروجي الأخبار الكاذبة ومستبيحي الأعراض، و تكرس مبادئ الحرية المسؤولة.
لقد تعهد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بصون الحريات وعبر في أكثر من مرة عن اهتمامه الكبير بالإعلام وثمن دوره وأثره على التنمية؛ و هيأ له مناخا داعما في أطره القانونية و التنظيمية المرتكزة على التشاور و إشراك أصحاب التجربة والاختصاص.
وبذلك سنخطوا نحو فضاء التمهين بما يحفز الإبداع و ويعين على تأدية الرسالة في كنف الحرية الواعية والمسؤولة.
و هذا مايجب تثمينه والعمل على تجسيده ودعمه من طرف الجميع٬ قائمون على هيئات الرقابة والمؤسسات الإعلامية٬ صحفيون و مدونون و مؤثرون.
فللأسف لايدرك الكثير من هؤلاء أن بيوتهم من زجاج رغم احتكارهم للحجارة، و أنهم يلحقون الضرر بحريتهم ومصداقيتهم و كرامتهم أولا وهم يصوبون اهتمامهم نحو أهداف غير مشروعة، ولعل أبرز تلك الأهداف: المبالغة والتلميع ؛القذف و التشهير و تغذية الانقسام داخل المجتمع.
أعيادكم مباركة.
فتى متالي البخاري