إن النفاق من بين المصطلحات الأكثر تداولا في زمننا الحالي بين الناس ، فالله عز وجل خصص سورة بكاملها يصف فيها المنافقين وأفعالهم وأقوالهم ، وهي سورة " المنافقون" . فالنفاق بصفة عامة هو إظهار الفرد ما لا يبطن قولا وفعلا بغية تحقيق هدف معين
وجاء في حديث للرسول (ص): (تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه)
النفاق عمومآ هو كالسرطان الذي يصيب الأفراد والمجتمعات والمؤسسات التي تغلب فيها مفاهيم شيطانية غريبة ودخيلة على الدين والأعراف مفادها من تملق وصل ومن نافق ظفر وبهذا التوصيف تختفي القيم التي تقول من جد وجد ومن ذاكر نجح هذة الآفة منتشرة بين بني البشر بدرجات متفاوتة فإن شاعت في محيط العمل فلنعلم أن المؤسسة تعاني من أزمة خطيرة نتيجة ظهور هذا المرض وشيوعه الذي يدمر المؤسسات وابسط عواقبه هو إنتشار قيم البلادة ومحدودية الكفاءة بل وانعدامها على الإطلاق وضياع حافز التميز للجادين والمتفانين، فتنتشر الفتن والبلبلة بين الموظفين والإدارة بل وبين الموظفين أنفسهم محدثة بذلك حالة من عدم الاستقرار والتوتر بمكان العمل اللتان قد تؤديان في النهاية إلى ما لا يحمد عقباه .
إن ظاهرة النفاق الإداري ليست وليدة اليوم بل هي موجودة منذ نشأة الكيانات البشرية بإعتبارها الحاضنة الرئيسة ومنها المؤسسات ، ومنتشرة في جميع مجتمعات العالم ومؤسساته ولكن نجدها أكثر إنتشاراً في مجتمعات العالم الثالث ومؤسساته ولأسباب معروفة أيضاً للجميع. ومن المؤسف نجد هذه الظاهرة أصبحت تتجذر في فكر وسلوك عدد من العاملين في المؤسسات ولإعتقادات مختلفة ومصالح شخصية ضيقة، وتبدأ معالمها بالحديث المزخرف كالثناء والمديح والتأييد والمؤزارة لأعمال وأفعال وتوجهات ممن هم في موقع المسؤولية وممن هم يطربون على النفاق وصولاً إلى جملة من المكاسب الشخصية والتي تُعد السبب والدافع الحقيقي للنفاق.
ويصنف النفاق الإداري خلقياً في باب ( خيانة الأمانة )، لأن التقييم الإداري الحق هو امانة عظمى في رقبة المقيم. ليأتي المنافق ليقلب الموازين المعيارية للتقيم رأساً على عقب.
والنفاق الإداري هو من جانب إخر هو نوع من الشر المستطير لانه يعم ولايخص .. ويتسبب في ارباك العمل الإداري ويولد لدى البسطاء من الموظفين روح الهزيمة واللامبالاة وعدم الحماسة في العمل مما يتسبب في تأخير انجاز الواجبات الوظيفة
مما ينقل الى المواطنين روح الغضب والإنزعاج من هذا المرفق الرسمي ومن ثم فقدان الثقة في الجهاز الإداري العام ككل اذا كان مستوى النفاق الإداري قد شكل ظاهرة عامة.
والنفاق الإداري يوجد في كثير من البيئات التنظيمية في عموم دول العالم، سواء منها المتقدم أو النامي، ولكن بنسب متفاوتة. ولا شك أن النفاق الإداري يسود بدرجة أكبر في البيئات التنظيمية في الدول النامية؛ لأسباب ثقافية واجتماعية وتنظيمية وغيرها. ويُعتبر النفاق الإداري من السلوكيات السلبية للموظف، إلا أن الأنظمة واللوائح لم تحدد عقوبة معينة له لصعوبة إثباته والتحقق منه عكس السلوكيات الأخرى مثل الرشوة واستغلال النفوذ وقبول الهدايا والإكراميات وغيرها.
ومن الطبيعي عندما تتسع مثل هذه الظواهر في الحياة الإدارية فهي لا تقلّ خطراً عن الفساد لأن النفاق والانتهازية يشكلان أسلوباً كثير الضرر في الحياة الإدارية، ولأن آثارهما السلبية تشوش وجه الحياة وتعرقل الإدارة، وعلى هذا فإن النفاق والانتهازية أحد أشكال الفساد الذي ينخر في الجسم الاجتماعي والإداري وفي الإطار المحيط بذوي المناصب، ما يدفعنا للحديث عنهما والتحذير منهما، ففي بعض المواقع الإدارية والاقتصادية هناك من يتستر على ملفات الفساد ويمارس الفساد الإداري والرشاوي والتهريب والقفز فوق القوانين.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك أفراداً مردوا على النفاق في البيئات التنظيمية المختلفة، ويملكون مهارات وقدرات عالية لممارسة هذا السلوك المشين، واستطاعوا في النهاية أن يحققوا أهدافاً كبيرة عجز أن يحققها أصحاب القدرات والكفاءات.
تفشي النفاق الإداري في المؤسسات الحكومية بدأ في الانتشار أكثر من سرعة النار في الهشيم، الامر الذي أفرز كثيرا من السلبيات؛ ومن بينها بطء الأداء الوظيفي والإنجاز، مما يترتب عليه أمور أخرى مثل التوسط مع المسؤول للحصول على مبتغاه، ويفتح الباب أمام الرشوة إذا لزم الأمر ذلك، وسيخلق نظامًا جديدا في العمل، وتكدسا في المعاملات التي لن تأخذ طريقها للإجراء ما لم يأتِ صاحبها ويقوم بمتابعتها بنفسه، ويتخذ الخطوات التي تجبره على السير بنفس المسار الذي خطط له، وبالتالي سنعاني من تراجع في أداء العمل الإداري.
نأسف على المؤسسات التي أصابها هذا الوباء الإداري؛ فطرف يطور وآخر يهدم، فكيف يتسنى لنا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون؟
كثيرا ما نرى بأعيننا النفاق الإداري الزائف والمديح وعملا لا نعرف نهايته، وذلك للإرضاء أو إرضاء كبريائهم دون النظر إلى مصلحة العمل، ودون أن يجعلوا نصب أعينهم مصلحة المؤسسة التي ينتمون إليها أو إلى مصلحة الموظف نفسه الذي يكد ويتعب ويشقى قاطعا المسافات؛ تاركا أهله من أجل أن يقدم ما عنده من إبداع وأفكار تخدم مصلحة العمل، وعدم مراعاة الموظف الذي يقدم البحوث والدراسات من أجل النهوض بمستوى أداء العمل الإداري في تلك المؤسسة أو الإدارة أو الوحدة؛ فذلك الموظف خال من العيوب وفي صورة إنسان ملاك في نظر أولئك المسؤولين.
المصيبة الكبرى أنّهم يطالبون بالتطوير والتأهيل الإداري والمثابرة على تأدية العمل بكل كفاءة، ولكن العيب فيهم؛ يطرحون نظرية التطوير ولكن عند التقييم والتقدير يلبسون نظارات سوداء تحجب عنهم أخطاء أولئك المنافقين، ويرونهم من خلال تلك النظارة السوداء أصحاب مبادئ وقيم وذوي كفاءة عالية في العمل، ويبقى ذلك الموظف المنهك المثقل بأعباء الوظيفة ومهامها ومسؤولياتها تحت طائلة كشف الأخطاء والهفوات الصغيرة التي لا ترقى إلى حجم أعماله اليومية أو السنوية المنوطة إليه، وبالتالي يُقرّع أو تسلط عليه عصا عدم الاهتمام والمحافظة على الوظيفة.
وقد ساعدهم في ذلك بعض الرؤساء الذين يرغبون ويطربون للنفاق الإداري، سواء أدركوا أو لم يدركوا نوايا ومقاصد هؤلاء المنافقين.
وفي هذه الحالة يكون الرؤساء والموظفون مسؤولين على حد سواء عن الأسباب والنتائج التي تلحق بالعملية الإدارية.
إن النفاق الإداري قد يكون من أقصر الطرق إلى تحقيق الأهداف في المنظمات، والسبب في ذلك أن الذين يمارسون هذا العمل لا يجدون صعوبة من الناحية النفسية في ممارسة النفاق الإداري؛ حيث لا يهتمون بمصلحة العمل بقدر الاهتمام بمصالحهم الذاتية، كما لا تتوافر لديهم القيم التنظيمية الجيدة مثل الجودة في الأداء، وعمل الأشياء بطرق صحيحة، أو عمل الأشياء الصحيحة؛ وبالتالي فهم لا يعيرون مسألة عمل الأشياء بكفاءة عالية أو بفعالية أدنى اهتمام.
أيّها السادة إلى متى سنبقى هكذا؟ دول صعدت إلى الفضاء وأخرى تقدمت بكوادرها الشابة وتفوقت في العمل الإداري والمجالات الأخرى، ونحن لا زلنا نبتكر أروع المصطلحات الإدارية، تعيدنا إلى الوراء ألف خطوة، ندس لبعضنا البعض كل المكايد والدسائس، إلى متى ننافق أنفسنا؟ وإلى متى نعطي من لا يستحق العطاء، وذلك الموظف المكافح يبقى يركض لينال السراب
وفي الختام ينبغي أن نُفرّق بين النفاق الإداري واحترام الرؤساء وطاعتهم وتنفيذ توجيهاتهم، كما ينبغي ألا ننسى أن من واجبات الموظف أن يكون لبقاً ومسايراً ومجاملاً لرؤسائه من باب الأدب والتقدير، وهذا لا يعني أن الموظف يجب عليه الإذعان للرئيس في جميع الحالات، وإنما هناك إمكانية لطرح الرأي حول مسألة ما إذا رأى أن لديه رأياً مفيداً أو فكرة صائبة، مع التسليم بأن للرئيس حق القبول أو الرفض حسب ما يراه.