الذكاء الاصطناعي يسهم في حياة مليارات الأشخاص حول العالم، وفي بعض الأحيان يكون دوره غير ملحوظ ولكنه ذو فاعلية كبيرة، فهو يدخل تغييرات على كل قطاعات المجتمع، ويدفع العالم إلى إعادة النظر في المفهوم العام للإنسان
ورغم الفوائد الهائلة الناشئة من استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن هناك وجها آخر للميزات التي تحملها هذه التكنولوجيات، يتمثل في المخاطر والصعوبات التي تنتج عن إساءة استخدام التكنولوجيا أو عن تعمق الفجوات وأوجه عدم المساواة.
وتوصل منتدى الدوحة في دورته العشرين خلال جلسة "وعود ومخاطر الذكاء الاصطناعي والتحليلات التي تغذي عمليات اتخاذ القرار" إلى ضرورة صياغة سياسات ووضع أطر تشريعية وتنظيمية دولية ووطنية، بغية ضمان عودة هذه التكنولوجيات الناشئة بالنفع على البشرية بأسرها، من أجل الوصول إلى ذكاء اصطناعي يتمحور حول الإنسان ويكون ذا فائدة كبرى للبشر، وليس العكس.
وتزخر أجندة أعمال منتدى الدوحة المقام هذا العام تحت شعار "التحول إلى عصر جديد"، بمشاركات أبرز القادة والسياسيين وصناع القرار من جميع أنحاء العالم؛ لمناقشة قضايا حيوية بالغة الأهمية، وهي: التحالفات الجيوسياسية، والعلاقات الدولية، والنظام المالي والتنمية الاقتصادية، والدفاع، والأمن السيبراني، والأمن الغذائي، والاستدامة وتغيّر المُناخ.
وأكد الباحث في الذكاء الاصطناعي بمؤسسة "لينكد إن" (LinkedIn) الدكتور أوسوند أوسوبا أهمية تطبيق الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة أن تضع الحكومات المبادئ والمعايير التي من شأنها أن تحدّ من مخاطر هذه التكنولوجيات وتمنع احتكارها من بعض الشركات.
وقال أوسوبا للجزيرة نت إن مؤسسات الرعاية الصحية والمؤسسات المالية هي الأكثر استفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إلا أن كل تكنولوجيا لها مخاوفها، ويجب أن تكون هناك تشريعات مناسبة لتنظيم عمل هذه التكنولوجيا على الأمد البعيد.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يعمل على جمع البيانات، إلا أن المواهب هي العنصر الأهم في هذه التكنولوجيا، لذلك لا بد من التركيز على مسألة الحوكمة على المستوى العالمي، حتى لا تحتكر بعض الشركات هذه التكنولوجيات.
شركات التكنولوجيا تسعى إلى الوصول لأهدافها خاصة فيما يتعلق بتحقيق الأرباح، لذلك على الحكومة أن تسعى هي الأخرى إلى المحافظة على مصالح الأشخاص، وفقا لأوسوبا
واعتبر أن المشكلة الكبرى في موضوع وضع التشريعات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، هو عدم وجود القدرات الكافية لمتابعة تطورات الذكاء الاصطناعي، لذلك على الحكومات أن تتفق على معايير ومبادئ تستخدم التشريعات بطريقة أكثر حكمة.
بدوره، رأى الممثل الخاص للشؤون التجارية في وزارة الخارجية الأميركية ديلوار سيد، أن السنوات المقبلة ستشهد طفرة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لدرجة أن مثل هذه التكنولوجيات سوف تتكلم معنا في كافة المجالات، خاصة أن هذه المنظمة تشهد المزيد من التقدم يوميا.
وشدد على ضرورة التفكير بشكل جدي للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، في ظل أطر وتشريعات محددة تضمن لنا الوصول إلى هذه التكنولوجيات وتفادي مخاطرها والمخاوف التي تنتج عنها بصورة مستمرة، خاصة فيما يتعلق باحتكار المواهب.
التشريعات المتعلقة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يجب مراقبتها بصورة فعالة ومستمرة، من أجل ضمان الأمن العالمي في ظل ما ينشأ عن هذه التكنولوجيات من أمور تتعارض مع العدالة والشفافية والسلامة.
وبرز منتدى الدوحة في نسخته لهذا العام، كمنصة محورية لجمع قادة الدول والحكومات وصناع السياسات والخبراء والمفكرين، من أجل بحث آخر المستجدات والقضايا التي تشغل بال العالم، وتعزيز الحوار، وتبادل الأفكار، وصنع السياسات، وتقديم التوصيات القابلة للتطبيق.
بينما شددت الباحثة في مؤسسة "ميتا" الدكتور كاثرين بوسكيل على ضرورة أن تركز مسألة التشريعات المحددة لتكنولوجيا الذكاء الاجتماعي على خصوصية البيانات، خاصة في ظل تحديث تطبيقات هذه التكنولوجيات بصورة مستمرة، ولكن مع الأخذ في الاعتبار عدم خسارة هذا التقدم في التكنولوجيا.
وقالت بوسكيل للجزيرة نت إنه في المستقبل سيكون الإجماع على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطويرها بصورة مستمرة، خاصة في ظل شغف المؤسسات حول العالم وتوجهها نحو تحليلات البيانات والخوارزميات التي تعتمد على البيانات كأدوات فعالة لتخفيف عبء اتخاذ القرار.
وتنتشر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الوسائل التشخيصية في قطاع الصحة، وكذلك تطبيقات المؤسسات المالية، فضلا عن أنها أظهرت فاعلية كبيرة في مختلف القطاعات، وفقا لبوسكيل.
بينما أكدت دانييلا تراف مديرة شركة "جونسون كونترولز" أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على مواجهة الصعوبات المستدامة التي نواجهها في مختلف القطاعات، إلا أنها في الوقت نفسه تخلق صعوبات أخرى تتعلق بالتحديات الوجودية للإنسانية.
وأوضحت أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى تشريعات تأخذ في الاعتبار المستقبل، وأن تفهم خطورة هذه التكنولوجيات، ومن ثم تضع المبادئ والمعايير التي تجعل منها تكنولوجيا آمنة، وأن تضمن تطبيق مبدأ الشفافية وتأمين الخصوصية.
ومنتدى الدوحة تم إنشاؤه عام 2000 كمنصة حوار عالمية، تجمع قادة الرأي وصناع السياسات حول العالم لطرح حلول مبتكرة وقابلة للتطبيق. وهو يجمع صانعي السياسات، ورؤساء الحكومات والدول، وممثلي القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية.
المصدر الجزيرة