شهدت تنمية قطاع الصيد والاقتصاد البحري العديد من المراحل والاستراتيجيات والرؤى والبرامج التي حاولت مما لا شك فيه النهوض به وتطويره والرفع من مستوي الريع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الناتج عن استغلال مختلف الثروات السمكية التي حبي الله بها بلادنا. الا ان كل هذه المحاولات لم تستطيع بعد الوصول الي المستوي المطلوب. فظلت العوائق الاساسية من عدم تجديد الأسطول الوطني الصناعي والشاطئي وهشاشة امن وسلامة الاسطول التقليدي وضعف كفاءة اليد العاملة الوطنية وقلة سعة البنية التحتية الاستيعابية والتفريغيه وانعدام تثمين المنتوج تكبح تطوير هذا القطاع.
حتى جاءت سياسة الحصص 2015 التي غيرت نمط التسيير من الجهد إلى الحصص دون مواكبته بالإجراءات القانونية والإدارية اللازمة التي يتطلبها هذا النمط من التسيير مثل الرقابة الصارمة والمتابعة الإدارية المنتظمة لاستغلال الحصص. فازدادت تلك العوائق وتعقدت أكثر فأكثر حيث تناقضت إجراءات تنفيذ هذه السياسة مع أهدافها المعلنة وذالك من خلال السماح للسفن الأجنبية الولوج الي النظام الوطني دون تغيير فعلي لدولة علمها الاصلية واستبدال طواقمها الأجنبية ولو بصورة تدريجية مما ادي الي عمليات استنزاف متسارعة لمختلف أنواع الثروة السمكية.
في الواقع، كانت لهذه السياسة أهداف غير معلنة تتعارض تمامًا مع أهداف التنمية المستدامة مثل تجديد او تبديل طبقة رجال اعمال الصيد وتحصيل أكبر قدر من المداخيل ولو بصفة مؤقتة وبأبسط الطرق على حساب عدم تطبيق القوانين البحرية الحازمة مما فتح الباب واسعا امام دخول رأس المال الأجنبي، الذي أصبح اليوم يمتلك معظم الإنتاج السمكي الوطني وغالبية السفن التي تشكل أسطول الصيد البحري المنتج العاملة في مياهنا الوطنية.
هنا تضاعفت الاستثناءات والتراخيص الخاصة، وخلقت الفراغات والثغرات القانونية، واهملت الرقابة والتفتيش الفني والتقني للسفن والمصانع، وانعدمت المتابعة الإدارية المنتظمة، وتداخلت الصلاحيات وكثرت القوانين وشتت امكانيات وموارد الدولة من خلال إنشاء وفصل وإلحاق إدارات ومؤسسات بحرية بقطاعات حكومية اخري مما نجم عنه ضعف القدرات العملياتية للوزارة حيث لم تعد بإمكانها تأدية اكثر من %20 من المهام المتشعبة الموكلة اليها ولم تعد قادرة علي تنفيذ سياسات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الوفاء بالالتزامات الدولية لدولة العلم ودولة الميناء ودولة الشاطئ خاصة في مجال الامن والسلامة والمحافظة على البيئة البحرية.
امام هذه الوضعية التي تتسم بالحيرة والركود على جميع مستويات القطاع لم تعد زيادة اتاوات رمزية علي سفن اجنبية تعمل في النظام الوطني في تناقض صارخ مع القوانين البحرية الوطنية ومع اهداف التنمية المستدامة للقطاع وتعمل على استنزاف شرس للمخزون السطحي المتبقي الوحيد للأجيال القادمة يمكن ان تشكل مغالطة للراي العام ولم يعد هذا النوع من الحلول الجزئية المؤقتة مجدي في قطاع يعيش فوضي مزمنة ومنهك بالرشوة والفساد والزبونية وعدم تطبيق القوانين.
بل أصبح من الضروري ان لم يكن من اللازم اعادة ترتيب وتأسيس شاملة للقطاع تبدأ بمراجعة وتصحيح منظومة القوانين البحرية وتنقيتها من المغالطات وإعادة تنظيم الاليات الضرورية واللازمة لتطبيقها بشكل صارم وحازم.
كما ينبغي اعادة تركيز المهام الفردية للمؤسسات والادارات البحرية وتجميع امكانيات وموارد الدولة المشتتة تحت وصاية العديد من القطاعات الحكومية الأخرى في هيكلة عملياتية جديدة لوزارة الصيد والاقتصاد البحري تمكنها من لعب مختلف أدوار الدولة في البحر وأداء مهامها بشكل أكثر تنسيقا وأكثر مردودية على الاقتصاد الوطني.
المهندس والخبير في الشؤون البحرية
سيدي محمد ولد محمد الشيخ