آفاق "ملف فساد العشرية" (ب)
يقول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز، وقوله الحق:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عندتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}. صدق الله العظيم.
فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني المحترم، إن بطانتكم وبعض ذويكم وأصدقائكم الجدد قد خدعوكم وكذبوا عليكم من أجل تسويق وتسويغ وتمرير الانقلاب بكم عليكم وعلى الوطن! وهذه بعض أكاذيبهم:
* قالوا لكم إن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يسعى لانتزاع السلطة منكم. وهذا غير صحيح! إذ لو كان محمد ولد عبد العزيز يريد السلطة ما تخلى عنها طواعية ورشحكم لها ودعمكم وسلمكم مقاليدها وتعانقتما بارتياح في حفل مهيب ومشهود، ثم انصرف! وذلك في الوقت الذي كان فيه جميع المحيطين به وبكم - دونما استثناء يذكر- يتشبثون ببقائه ويتوسلون إليه أن ابق! فضلا عن ملامسة ذلك لشغاف قلوب الشعب الموريتاني الوفي! فالرجل لا يريد سوى ممارسة حقوقه المدنية في حدود القانون في وطنه.
ولا يتطلع لغير صيانة المكاسب الوطنية وحماية الوطن والشعب والدستور من خطر محدق!
* وقالوا لكم إنكم بالتخلي عن نهج العشرية، وبمهادنة الفساد، ستحققون "إجماعا وطنيا" منقطع النظير! وهذا غير صحيح! صحيح أنكم إذا بدلتم، وتخليتم عن النهج الذي انتُخِبتم عليه لا قدر الله، وبددتم أغلبيتكم الوطنية، وحاولتم أن تؤاخوا بين الذئب والحَمَل، وأسندتم تطبيق تعهداتكم إلى غير مؤتمنين تطلقون لهم العنان، فستكسبون "أصدقاء وحلفاء" جددا لا محالة! ولكنكم - في المقابل- ستخسرون الشعب الموريتاني برمته! فهل يعتبر ذلك كسبا طيبا و"إجماعا وطنيا" منقطع النظير، أم هو خسارة فادحة وبيع للعين الصحيحة بالعور؟!
* وقالوا لكم إنهم يوالونكم ولاء مطلقا، ويعادون الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعشرية فساده فقط. وهذا غير صحيح! فمن يعادي الرئيس السابق وعشريته يعاديكم أنتم أيضا، ويعادي جل أركان نظامكم، لأنكم كنتم صديقه وشريكه لأربعين سنة، ومرشحه وجزءا لا يتجزأ من تلك العشرية، ولأن خيرة من تعتمدون عليهم اليوم هم أبناؤها.. وتتفيئون ظلالها.. والبادئ بولد عبد العزيز مُثَنٍّ بكم أنتم لا محالة! فقد "أُكِلتم يوم أكل الثور الأبيض"!
* وقالوا لكم إن لجنة التحقيق البرلمانية شرعية، لأنها مشكلة بمقتضى النظام الداخلي للبرلمان، الذي زعموا أنه قانون نظامي. وهذا غير صحيح! فمن جهة لا توجد مادة دستورية واحدة من بين مواد الدستور الموريتاني من المادة 56 إلى 77 التي تحكم العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تجيز تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تحقق في تسيير رئيس الجمهورية القائم وحكومته، أحرى أن تحقق في تسيير رئيس جمهورية سابق وحكومة منصرفة! والدستور هو الميثاق الوطني والمرجع الأوحد في تنظيم العلاقة بين السلطات! وإذا كان تشكيل لجان تحقيق برلمانية جائزا في فرنسا بموجب تعديل دستوري مشهود سنة 2007 (المادة 51 – 2 جديدة)، فإنه لا يجوز في موريتانيا التي لم تجر تعديلا مماثلا على دستورها؛ والتي ليست فرنسا! ومن جهة أخرى، فإن النظام الداخلي للبرلمان إنما هو نظام بيني يحكم علاقات النواب في البرلمان، وليس قانونا، أحرى أن يكون قانونا نظاميا! فتعريف القانون النظامي حسب معجم المعاني الجامع هو: "قانون مكتوب تضعه جمعية تشريعية مختصة".
* وقالوا لكم إن تقرير اللجنة البرلمانية اتهم الرئيس السابق بالفساد. وهذا غير صحيح! ومن أعجب عجائب هذا الملف كونكم لم تقرؤوا ذلك التقرير الذي اتخذ ذريعة للفتنة في دولة أنتم رئيسها ووطن أنتم راعيه! وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته! فالتقرير بصفحاته الـ364 لم يتهم الرئيس السابق بشيء أبدا.. ولم يذكره بسوء. وذلك هو سبب حجبه عن العدالة قضاة ومحامين ووأده في غيابات النيابة والأمن! وإليكم شهادة نائب رئيس تلك اللجنة، حول عملها، الوزير الأول الأسبق الأستاذ يحي ولد الوقف المنشورة في موقع الأخبار: "عندما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية ولا عن النظام ولا عن الرئيس، تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها. ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية.
فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام؛ في حين أن ما يسعى إليه النواب هو قيام البرلمان بدوره في رقابة الحكومة، سواء كانت هذه الحكومة أو الحكومات السابقة. وبالتالي يظهر لي أن الإعلام أخرج اللجنة من نسقها الحقيقي".
يتبع
بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو