هونج كونج .. مركز مالي عمره 200 عام لن يموت بسهولة

جمعة, 28/01/2022 - 09:03

يبدو أن البشر قادرون على تجاهل كثير من الجرائم الكبرى ضد بعضهم بعضا، لكن الويل لمن يتسبب في ضرر لحيوان صغير محبوب. أصبحت هونج كونج في حالة اضطراب بعد أن أصدرت المدينة حكما بالإعدام على آلاف من الهامستر، بعد ثلاث حالات بشرية لكوفيد- 19 مرتبطة بمتجر للحيوانات الأليفة، حيث ثبت أيضا إصابة عديد من القوارض.
سعي هونج كونج القاسي للقضاء على كوفيد، مع الحجر الصحي لمدة ثلاثة أسابيع للمقيمين العائدين من الخارج، ترك المدينة معزولة عن بقية العالم. العزلة التي تأتي في أعقاب حملة ضد المعارضة الديمقراطية، أدت إلى مخاوف حقيقية بشأن بقاء المدينة مركزا ماليا.
لكن أولئك الذين يثيرون مثل هذه الشكوك حول هونج كونج مخطئون. لأسباب اقتصادية واقعية، يعد مستقبل الإقليم الصيني، الذي يحتفظ ببعض الانفصال عن البر الرئيس بموجب مبدأ "دولة واحدة ونظامان"، أكثر أمانا من أي منافس عالمي، باستثناء نيويورك. ذلك لأن الصين لديها ضوابط على رأس المال.
تستخدم الصين مجموعة من الحدود الكمية لإبقاء نظامها المالي مسورا عن بقية العالم. المواطنون الصينيون، مثلا، يحتاجون إلى تصريح لتحويل أكثر من 50 ألف دولار سنويا إلى عملة أجنبية. هناك شهية مكبوتة هائلة لدى الصينيين الذين يرغبون في تنويع مدخراتهم في الأسواق الدولية، وكذلك المستثمرون الأجانب الراغبون في شراء أصول في أكبر مصدر للنمو الاقتصادي في العالم.
تم تلبية أي من هذه المطالب، سيكون عبر هونج كونج التي تحتفظ بعملة منفصلة تماما وقابلة للتحويل بالكامل، مرتبطة بالدولار الأمريكي. ولدى المدينة سلسلة مما يسمى خطط الاتصال التي تسمح للأجانب بالوصول إلى الأسواق الصينية والمستثمرين الصينيين وتتيح لهم وضع الأموال في الخارج. ولأن الشركات الصينية لم تعد مرحبا بها في أسواق الأسهم الأمريكية، فإن بورصة هونج كونج هي المكان الطبيعي بالنسبة لها للبحث عن رأس المال الدولي.
إنها مصدر هيكلي استثنائي للأعمال المالية، مع وجود قليل من أوجه الشبه في أي مكان آخر في العالم. بصفتها العاصمة الفعلية للتمويل العالمي وموطن عملته الاحتياطية، تتمتع نيويورك بقوة هيكلية مماثلة. لكن كل مركز مالي آخر تقريبا يجب أن يعيش على أساس مزاياه. لندن تعد من بعض النواحي عكس هونج كونج. ففي حين أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى استبدال عاصمة المملكة المتحدة باعتبارها المركز المالي لأوروبا، فإن المسؤولين في بكين يرسلون مزيدا من الأعمال التجارية باتجاه هونج كونج.
كل هذا يمكن أن يتغير إذا تخلت الصين عن ضوابطها على رأس المال وجعلت الرنمينبي قابلا للتحويل بالكامل. لكن ذلك اليوم لا يزال بعيدا. تقول الثلاثية الكلاسيكية للتمويل الدولي عليك اختيار اثنين من ثلاثة: سياسة نقدية مستقلة، وسعر صرف متحكم فيه، وحركة حرة لرأس المال. لا يمكنك الحصول على الثلاثة.
السياسة النقدية المستقلة أمر لا غنى عنه لإدارة اقتصاد بحجم الصين. إذن، هذا الخيار يشكل معضلة، لأنه يعني إسقاط الضوابط والمخاطرة بمواجهة فترات من هروب رأس المال بطريقة غير منظمة، مثلما بدأ يحدث أثناء الانهيار المصغر لسوق الأوراق المالية في شنغهاي في 2015، أو الحفاظ على إحكام قبضتك على سعر الصرف مع الإبقاء على الضوابط. من المرجح أن تقوم الصين بتحرير رأس المال الخاص ببطء، وهذا يصب في مصلحة هونج كونج. لكن التنازل عن كل السيطرة سيتعارض مع كل غريزة حكومة بكين.
ماذا سيحدث إذا ذهبت ضوابط رأس المال؟ حتى تعود هونج كونج بالكامل إلى السيطرة الصينية في 2047، ستظل تتمتع بمزايا أخرى، مثل معدلات الضرائب المنخفضة، والكتلة الحرجة، وعقود من الخبرة القانونية. الجغرافيا الاقتصادية راسخة بشكل ملحوظ وإرث 200 عام مركزا تجاريا لن يموت بسهولة. معظم المدن التي تعد مراكز مالية اليوم هي مراكز مالية منذ قرن مضى. لذا فإن تدمير أحدها يتطلب الكثير.
لا يعني أي من هذا أن هونج كونج يجب أن تكون متمتعة أو نابضة بالحياة كما كانت في الماضي. دون الحرية، من الصعب الابتكار. قد تختار البنوك وضع المتداولين في مكان آخر، وإذا اعتقدت الإدارة العليا أن هناك مخاطر قانونية، فستذهب إلى حيث ذهب المتدالون. في أي ولاية قضائية غير ديمقراطية هناك خطر الانحدار إلى عالم العصابات الصريح، إذا كان أولئك الموجودون في السلطة فاسدين أو يقوضون سيادة القانون. ضمان العقد والملكية هو أساس الرأسمالية. خسارته ستدق ناقوس الموت لأي مركز مالي.
في المستقبل المنظور، الأشخاص الذين يرغبون في نقل رأس المال من وإلى الصين من المرجح أن يجدوا أنفسهم يفعلون ذلك في هونج كونج. الحجر الصحي الناتج عن فيروس كوفيد- 19 قمعي، لكن عندما ينتهي سيجد المصرفيون الأجانب أن الصين لا تزال هي المكان الذي يوجد فيه كل المال. يمكن لحكومة هونج كونج أن تنتقل من الهامستر إلى الكلاب الصغيرة الذهبية ولن يحدث ذلك فرقا كبيرا. الأموال ستستمر في التدفق. وأموال الصين ستتدفق عبر هونج كونج.