تستخدم أكثر من 40 دولة حول العالم تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) لدعم شبكات الاتصال اللاسلكية بأمان ودون تعطيل لخدمات الطيران. لكن على النقيض، شهدت الولايات المتحدة أزمة كبيرة خلال الأيام الماضية نتج عنها إلغاء آلاف رحلات الطيران الداخلية، وقامت عدة شركات طيران دولية بتوقيف رحلاتها للكثير من المطارات الأميركية، بسبب مخاوف تتعلق بأمان هبوط الطائرات.
تشرح الجزيرة نت من خلال "سؤال وجواب" كل ما يتعلق بتكنولوجيا الجيل الخامس وعلاقتها بالطيران، وخطورة تشغيلها بالقرب من المطارات وتأثير ذلك على حركة الطيران، وكيف تم التعامل مع الأزمة الأخيرة.
ببساطة، ما تكنولوجيا "الجيل الخامس"، وما فوائدها العامة؟
يعد الجيل الخامس تقنية متقدمة تم اللجوء إليها لتلبية الزيادة المستمرة والضغط المتواصل للتطبيقات الجديدة التي تتطلب إمكانات هائلة لم توفرها التقنيات السابقة مثل "4 جي" (4G) و"3 جي" (3G)، وتسمح هذه التقنية بتفاعلات سريعة للغاية تبلغ عدة غيغابايتات في الثانية الواحدة، وهو ما يسمح بتحميل فيلم طويل على سبيل المثال ذي دقة عالية خلال ثوان قليلة.
وتعتمد تقنية الجيل الخامس على ناقل التردد بمقدار 3.5 غيغا هيرتز، وهو الحد الذي يتفوق على إمكانيات الجيل الرابع. وتبث الجيل الخامس موجات راديوية (هوائية) لتوصيل المشتركين -سواء الأفراد أو الشركات والجهات المختلفة- بقدرات لاسلكية ضخمة، لتسهيل وتسريع أنشطتهم المختلفة. من هنا تلجأ إليها شركات الاتصالات الكبرى حول العالم، في ظل المنافسة الكبيرة التي لا تعرف التوقف.
وتعتمد شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية على تكنولوجيا الجيل الخامس لتسيير السيارات الكهربائية والتصنيع الحديث وإدارة المدن الذكية والخدمات الصحية المقدمة عن بعد، وغيرها من المجالات التي تعتمد على الأجهزة المتصلة بالإنترنت.
ويحتاج الاتصال بشبكات الجيل الخامس لإنشاء أبراج تقوية، لربط المناطق الجغرافية المستهدفة بشبكات شركات الاتصال الموفرة لتكنولوجيا الجيل الخامس.
ما طبيعة الأزمة التي تسببت فيها تكنولوجيا الجيل الخامس مع شركات الطيران الأميركية؟
في عام 2018، قامت لجنة الاتصالات الفدرالية (FCC) ببيع تراخيص لاستخدام طيف "سي باند" (C-Band) المقوي والصادر من شبكات الجيل الخامس لشركات الاتصالات، وحصلت شركتي "إيه تي آند تي" (AT&T) وفيرايزون (Verizon) على طرح قيمته 81 مليار دولار من الحكومة الأميركية، وهو ما يسمح لها بتقديم خدمة جيل خامس قوية ومربحة.
لكن سرعان ما بدأت شركات الطيران في الاعتراض بدعوى أن استخدام تلك التكنولوجيا بالقرب من المطارات يمكن أن تتعارض مع أجهزة قياس رادار الطائرات، وهي أجهزة تخبر الطيارين بمقدار ارتفاع طائرتهم عن الأرض، وتساهم بصورة كبيرة في الهبوط الآمن للطائرات في حالات عدم وضوح الرؤية بسبب أحوال الطقس.
إلا أن مصدر الأزمة ينبع من طبيعة تكنولوجيا الجيل الخامس المتوافرة في الولايات المتحدة، والتي ترغب شركات الاتصال في استخدامها في مناطق تتضمن مطارات، وهو ما يختلف عن مثيلتها في بقية دول العالم.
قد تتداخل ترددات الجيل الخامس في أنظمة الطائرات والملاحة الجوية (رويترز)
ما المشكلة في تشغيل تكنولوجيا الجيل الخامس بالقرب من المطارات الأميركية؟
تستخدم تكنولوجيا "سي باند" نطاقا يبلغ مدى تردداته ما بين 3.7 إلى 3.98 غيغا هيرتز، ويُعد هذا النطاق أعلى من مثيله المستخدم في المناطق القريبة من المطارات في أغلب دول العالم، ففي فرنسا وكندا لا يتخطى هذا المدى 3.6 غيغا هيرتز.
ويرى الكثير من العلماء والمختصين أن أي معدل أكثر من 3.6 غيغا هيرتز قد يتدخل في أنظمة الطائرات والملاحة الجوية. ويزداد تعقيد الموقف بالنسبة للطيارين في حالات العواصف أو عدم صفاء السماء.
وتم الاتفاق قبل سنتين على أن تبدأ شركتا "إيه تي آند تي" و"فيرايزون" طرح تكنولوجيا "سي باند" في 19 من الشهر الجاري. ولم تستعد شركات الطيران ولم يحدث تبادل للآراء بين شركات الاتصالات وشركات الطيران في كيفية التعامل والاستعداد للبدء باستخدام تكنولوجيا سي باند.
ما تداعيات الأزمة على الطيران الأميركي والعالمي؟
تم إلغاء مئات الرحلات تجنبا لأي حوادث كان يمكن أن تقع، وتأخير انطلاق آلاف الرحلات الأخرى، كما أوقف الكثير من الشركات الأجنبية طيرانها لعدة أيام للولايات المتحدة حتى موعد انتهاء الأزمة يوم الخميس الماضي.
كيف تم التغلب على هذه الأزمة؟
قالت إدارة الطيران الفدرالية إنها منحت موافقات جديدة من شأنها أن تسمح لما يقدر بنحو 78% من أسطول شركات الطيران الأميركية بالهبوط حتى في ظل ظروف الرؤية المنخفضة، في المطارات التي تم فيها تشغيل الخدمة اللاسلكية الجديدة والأسرع.
ووافقت شركات الاتصال على تأجيل تفعيل أبراج الدعم القريبة من المطارات حتى يتم خفض معدلات المدى لتناظر مثيلاتها في الدول الأخرى، وحتى يتم استكمال استعدادات الطائرات للتعامل مع تبعات هذه التكنولوجيا في المستقبل.
ما موقف شركات الطيران الأميركية؟
حذر رؤساء 10 شركات طيران أميركية كبرى من أن نشر أبراج الجيل الخامس بالقرب من مدرجات المطارات سيضرّ بصناعة الطيران، والسفر العام، وسلاسل التوريد، وتوزيع اللقاحات، وكل المجالات الاقتصادية.
وبعد انقضاء الأزمة، تنفس المديرون التنفيذيون لشركات الطيران الصعداء يوم الخميس، قائلين لمستثمريهم إنهم يعتقدون أن التهديد الذي تتعرض له عملياتهم من بدء تشغيل تكنولوجيا الجيل الخامس أصبح الآن وراءهم.
رؤساء 10 شركات طيران أميركية كبرى حذروا من أن نشر أبراج الجيل الخامس بالقرب من المطارات سيضر بصناعة الطيران (غيتي)
ما موقف شركات الاتصالات الأميركية؟
وافقت شركات الاتصالات على تأجل استخدام تقنية الجيل الخامس لأسبوعين بناء على طلب الإدارة الفدرالية للطيران، ووافقت كذلك على إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال وإجراء تعديلات بالقرب من المطارات للتقليل من التداخلات المحتملة لشبكات الجيل الخامس.
في الوقت ذاته، تقول شركات الاتصالات الأميركية إنه تم تسليط الضوء على معضلة تبعات تشغيل الجيل الخامس بالقرب من المطارات في تقرير حكومي صدر عام 2020، وإنه تم إطلاق أجراس الإنذار حول التداخل اللاسلكي المحتمل الذي يمكن أن يعرض السلامة الجوية للخطر، ولم تقم شركات الطيران بأي خطوات لمواجهة أزمة قادمة.
ووافقت شركات الاتصال على تأخير نشر الجيل الخامس لعدة أسابيع حتى يتم الاستعداد لتداعيات النشر على قطاع الطيران، كما تعهدت بعدم تثبيت أبراج الدعم على مسافة ميلين على الأقل من المطارات.
وعبرت شركات الاتصال عن إحباطها بسبب عدم قدرة إدارة الطيران الفدرالية على القيام بما قامت به سلطات 40 دولة حول العالم.
كيف تتعامل بقية دول العالم مع هذه المعضلة التقنية؟
تستخدم الكثير من دول العالم تقنية "سي باند"، بما في ذلك كندا وفرنسا، إلا أنهم يقيدون الإشارات الإشكالية في المناطق القريبة من المطارات. وتسمح بقية الدول فقط بوجود هذه التقنية طالما انخفضت معدلاتها عن 3.6 غيغا هيرتز. وتفرض كندا على سبيل المثال قيودا على الاستخدام بالقرب من 26 مطارا، وتتبع تدابير أخرى لضمان سلامة الطيران. وتجهز الطائرات كذلك ببعض التكنولوجيات المتقدمة التي يمكنها التعامل مع تأثيرات الجيل الخامس السلبية.
ماذا عن موقف البيت الأبيض من هذه الأزمة؟
وافقت شركات الاتصال على التراجع أمام ضغوط شركات الطيران بعد تدخل قوي من البيت الأبيض بدعم موقفها، وساهم البيت الأبيض في التوصل إلى اتفاق لتأخير بدء تشغيل التكنولوجيا بالقرب من المطارات.
وقال الرئيس جو بايدن -في بيان صدر يوم الثلاثاء الماضي- إن "هذا الاتفاق سيتجنب الاضطرابات المدمرة المحتملة لسفر الركاب وعمليات الشحن والانتعاش الاقتصادي. هذه الاتفاقية تحمي سلامة الطيران وتسمح باستمرار عمليات الطيران دون انقطاع، وستجلب المزيد من خيارات الإنترنت العالية السرعة لملايين الأميركيين".
وأضاف أن فريقه "يعمل مع شركات الاتصال وشركات الطيران ومصنعي معدات الطيران، لسد الفجوة المتبقية والوصول لحل دائم وعملي".
المصدر : الجزيرة